المغاربة يكتوون بنيران الجفاف والغلاء: تهاوي المحاصيل وبيع المواشي

المغاربة يكتوون بنيران الجفاف والغلاء: تهاوي المحاصيل وبيع المواشي

24 فبراير 2022
مخاوف من تداعيات أسوأ موجة جفاف على المغاربة منذ 3 عقود (فرانس برس)
+ الخط -

جاءت أسوأ موجة جفاف في المغرب منذ 3 عقود، لتزيد من أوجاع المواطنين الذين يعانون من أوضاع معيشية متدهورة دفعتهم إلى الخروج في احتجاجات شعبية ضد الغلاء طوال الفترات الأخيرة.

وتجدّدت في ذاكرة المغاربة سنوات الجفاف العصيبة التي كانوا شهودا عليها في السابق، بعد انحباس الغيث هذا العام، ما أفضى إلى توقّع انهيار محصول الحبوب، واضطرار مربّين إلى بيع مواشيهم، مع ترقّب تراجع النمو الاقتصادي وتفشي البطالة في الأرياف وارتفاع فاتورة واردات الغذاء.

بيع المواشي
"ستكلفني أكثر من ثمن بيعها". هكذا أجاب الستيني عبد الله أيت لحسن، عندما سُئل حول السبب وراء حلوله في سوق آسني بحوز مراكش من أجل عرض بقرته للبيع.
يذهب في رده على سؤال "العربي الجديد" إلى أنّ الكلأ الطبيعي غير متوفر بسبب انحباس الأمطار، فيما ارتفع سعر التبن والشعير، اللذين لا يستطيع توفيرهما لبقرته الوحيدة. يقول المواطن المغربي إنّه، كما العديد من مربي المواشي، يضطر إلى بيع جزء من قطيعه، كي يؤمّن بما سيجنيه من إيرادات العلف لما تبقّى لديه من أغنام وماعز، في انتظار تساقط الأمطار.

في الطريق بين مراكش والدار البيضاء، يميل لون النباتات إلى الأصفر، لم تنم السنابل كما يتمناها أصحاب الأراضي، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتأخر الغيث. هم يتوقون إلى الأمطار كي تحيي الأمل في إنقاذ الحبوب.
شيخ سبعيني في الطريق بين منطقة سطات والرحامنة، رفض ذكر اسمه، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ تأخر الأمطار دفعه إلى رعي أغنامه في حقل القمح، ويرى أنّ محصوله لن يأتي كما كان في العام الماضي.
عندما وضعت الحكومة، في أكتوبر/تشرين الأول، مشروع موازنة العام الحالي، بنت توقعاتها للنمو على محصول حبوب متوسط في حدود 80 مليون قنطار، بعد بلوغ مستوى قياسي في الموسم الماضي في حدود 103 ملايين قنطار، وهو المحصول الذي كان جاء بعد 32 مليون قنطار في الموسم الذي قبله.

شح الأمطار وغلاء الأعلاف
يعرف الموسم الحالي نقصاً حاداً في التساقطات المطرية، حيث وصل المعدل إلى 75 مليمتراً، بانخفاض بنسبة 64 في المائة قياساً بموسم عادي.
وشرع العديد من المراقبين في إثارة الانتباه إلى تأثيرات تأخر التساقطات المطرية على زراعة الحبوب وتربية المواشي، التي تمثل حوالي نصف الناتج الإجمالي الزراعي.

وتزامن تراجع الكلأ الطبيعي الذي توفره الأمطار مع ارتفاع في أسعار الأعلاف، مثل الشعير والذرة، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة التي سجلتها أسعار بعض المواد التي تدخل في توفير الأعلاف المركبة مثل الشعير والصوجا (فول الصويا).
ويتجلى من بيانات وزارة التجهيز والماء، إلى غاية الأربعاء الماضي، أن مخزون المياه في السدود وصل إلى 33.3 في المائة، مقابل 48.4 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، متراجعا من 7.78 مليارات متر مكعب إلى 5.36 مليارات متر مكعب.
ذلك المخزون من المياه، لا يخفي وجود بعض المناطق التي تعاني شبه نضوب للمياه في سدودها. فسد المسيرة بجهة الدار البيضاء - سطات، وصل مخزون المياه فيه إلى 6.7 في المائة، كما أنّ مخزون المياه الجوفية تراجع بشكل حاد في المنطقة.
لا تشكل تلك المنطقة استثناء في الموسم الحالي، فقد تراجع مخزون المياه في مناطق فلاحية، مثل الحوز- تناسيفت، وتادلة - أزيلال وفاس- السايس، وشرق المملكة.
وعمدت السلطات المختصة في بعض المناطق في ظلّ تراجع مخزون المياه، إلى منع مياه السقي عن بعض المزروعات مثل البنجر (شمندر) حيث يتم الرهان على تأمين مياه الشرب أولاً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وما زالت مناطق قليلة تتوفر على المياه من أجل الزراعة، حيث تقدر المساحة المتضررة بسبب انحباس الأمطار بحوالي ثلاثة ملايين هكتار، مليون من بينها فقط تستفيد من تأمين يتيح التعويض ضد تداعيات الجفاف.

نمو أقل وبطالة متفاقمة
يذهب خبراء زراعة إلى أن المغرب يواجه أسوأ جفاف منذ 1989، ما يؤشر إلى التوجه نحو فقدان جزء من روافد النمو الاقتصادي، الذي راهنت الحكومة قبل انحباس الأمطار على أن يصل إلى 3.2 في المائة.
وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، لـ"العربي الجديد"، أن الجفاف ستكون له آثار سلبية على الأرياف، حيث ستحرم الساكنة من الإيرادات التي يرتهن لها معاشها، كما ستزيد في هشاشة سوق العمل وتعمق البطالة.
ويشير إلى أن الجفاف سيفضي إلى زيادة واردات المغرب من المنتجات الغذائية في العام الحالي، بما يستدعي ذلك تسخير لموارد مالية، علما أن التوقعات تشير إلى احتمال استيراد 10 ملايين طن من الحبوب في العام الحالي.
ويتصور أنّ الجفاف في العام الحالي، يفرض إعادة النظر في السياسة الفلاحية، بعدم التركيز على الفلاحة الكبيرة التي ترنو إلى الربح فقط، والعودة إلى التشديد على الفلاحة الأسرية الضامنة للسيادة الغذائية والرحيمة بالتوازن البيئي والمخزون المائي.
ويبقى الأمل في الوقت الحالي معلقاً على الأمطار الربيعية، التي ترتهن لها الخضار والفواكه والأشجار المثمرة، إذ يرجى أن توفر تلك التساقطات مياه السقي في السدود ومياه الشرب.

تدابير لتخفيف الخسائر
في انتظار التساقطات المطرية المأمولة، أعلن في الأسبوع قبل الماضي بالمغرب عن التوجه نحو تسخير حوالي مليار دولار من أجل مساعدة المزارعين على مواجهة تداعيات تأخر التساقطات المطرية في الموسم الحالي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويهدف البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة، إلى التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحدّ من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين.
ويستهدف البرنامج حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، والتأمين الفلاحي، وتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي.
ويقوم البرنامج على توزيع 7 ملايين قنطار من الشعير على مربي المواشي لتوفير العلف، وتأهيل مدارات الري، وتسريع تفعيل التأمين ضد الجفاف، وإعادة جدولة مديونية المزارعين، الذين ما زالوا يتطلعون إلى السماء لعل الغيث ينقذ الخضار والفواكه ويغذي مخزون المياه الجوفية وفي السدود.

ارتباك الموازنة
أربك الجفاف وأسعار الوقود في السوق الدولية حسابات الحكومة المغربية، التي ستفرض عليها الوضعية الجديدة زيادة مخصصات دعم السلع عبر صندوق المقاصة ومساعدة المزارعين المتضررين من تأخر التساقطات المطرية.
وينتظر أن تعيد مؤسسات التوقع الوطنية والدولية في الأشهر المقبلة النظر في توقعات قانون المالية للعام الحالي.

يهدف البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة، إلى التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحدّ من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين


ولم تأت أسعار الوقود في مستوى توقعات الحكومة المغربية في العام الحالي، حيث قفز سعر البترول ليتجاوز 94 دولاراً للبرميل بسبب تصاعد الأزمة الأوكرانية، بينما تجاوز سعر غاز البوتان بكبير السقف المعول عليه من الحكومة.
وتجلى من بيانات الخزانة العامة للمملكة، أن مخصصات الدعم تتعرض لضغط كبير في ظل ارتفاع أسعار القمح والسكر وغاز البوتان، حيث تم في ظرف شهر واحد صرف حوالي 30 في المائة من ميزانية الدعم.
ويتجلى من حسابات الخزانة العامة للمملكة، أنه تم صرف أكثر من 500 مليون دولار من مخصصات صندوق المقاصة الذي يدعم تلك المواد الأساسية، علما أن الحكومة رصدت له برسم العام الحالي حوالي 1.8 مليار دولار.
ويفترض في الحكومة في الفترة المقبلة، ضخ موارد إضافية في مخصصات الدعم المرصودة عبر صندوق المقاصة، من أجل مواجهة الارتفاعات المنتظرة في أسعار القمح والسكر وغاز البوتان في السوق الدولية.
ويتصور الاقتصادي على بوطيبة، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه يفترض في الحكومة مواجهة تداعيات الأزمة المرتبطة بارتفاع مخصصات الدعم ومساعدة المزارعين، وتراجع النمو الاقتصادي بما لذلك من تأثير على الإيرادات الجبائية.

انطلقت احتجاجات شعبية في عشرات المدن المغربية، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية التي تدهورت بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة


ويؤكد بوطيبة أنّ الحكومة ستجد نفسها من أجل تحمل المصاريف الجديدة ومحاصرة العجز، تجميد بعض الاستثمارات العمومية من أجل مواجهة تكاليف التسيير العادية أو اللجوء للاستدانة من السوق الداخلي والخارجي بما يتجاوز المستوى المبرمج في العام الحالي.

احتجاجات متواصلة
وعلى خلفية تفاقم البطالة والفقر وتراجع النمو وغلاء الأسعار، انطلقت احتجاجات شعبية في عشرات المدن المغربية، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية التي تدهورت بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة.
ورفع المحتجون لافتات كتب عليها "لا لغلاء الأسعار"، و"أجور هزيلة وأسعار حارقة" وغيرها من الشعارات الغاضبة، بسبب تدهور المعيشة وعجز الحكومة عن إيجاد حلول لمشاكلهم.
وبحسب النقابات المغربية، فإنّ "أسعار عدد من المواد الاستهلاكية في المغرب سجلت زيادات حادة في الآونة الأخيرة، ما ينعكس على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة منهم، التي تضررت من تداعيات جائحة كورونا".
وأظهرت بيانات رسمية، خلال يناير/كانون الثاني الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في المغرب بنسبة 1.4 بالمائة في 2021، بضعف الزيادة المسجلة (0.7 بالمائة) في 2020.
وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء، في بيان، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، المحدد الأساسي للتضخم، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ 0.8 بالمائة، والمواد غير الغذائية بـ 1.8 بالمائة.
ووصلت ذروة الاحتجاجات في عدة مدن مغربية ضد ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية، بالتزامن مع إحياء ذكرى "حركة 20 فبراير" التي واكبت الربيع العربي قبل 11 عاماً.
وكانت "الجبهة الاجتماعية" التي تضم أحزاباً يسارية معارضة قد دعت إلى التظاهرات، بينما تضرر الاقتصاد المغربي بشدة من الجفاف وتفشي وباء فيروس كورونا.

المساهمون