استمع إلى الملخص
- لم تتخذ السلطات النقدية إجراءات فعالة لضبط سعر الليرة، مما أثر سلباً على الأعمال التجارية والصناعية وأدى إلى تردد المستوردين والصناعيين في اتخاذ قراراتهم.
- يواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة، ويعتمد تعافي الليرة على عودة الإنتاج والاستثمارات، والاستقرار الأمني والسياسي، ورفع العقوبات الدولية.
يتأرجح سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، منذ سقوط النظام وهروب رأسه بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث هوت إلى ما دون 20 ألف ليرة مقابل الدولار، ثم تحسّنت تباعاً وسط أنباء عن انفراجات سياسية واقتصادية، مثل تخفيف العقوبات الأوروبية والأميركية، وانفتاح الحكم الجديد على دول الجوار والعالم.
وشهدت العملة السورية تحسناً بفضل عدة عوامل اقتصادية، كان أهمها إيداعات بالدولار من بعض الدول العربية، ومساعدات مباشرة لصرف الأجور، فضلاً عن بدء الحديث عن عودة الرساميل المهاجرة وزيارة كبار رجال الأعمال السوريين إلى دمشق، للقاء الرئيس أحمد الشرع، ومناقشة تأسيس أعمال جديدة وضخ أموال في الاقتصاد السوري المتجمد.
وسجلت الليرة نحو سبعة آلاف ليرة أمام الدولار الأسبوع الماضي، قبل أن تتراجع، اليوم الأحد، إلى نحو عشرة آلاف ليرة مقابل الدولار. ووصف الاقتصادي السوري نعمان أصلان هذا التذبذب بأنه خطر يضر بالسوريين، الذين لا يزال معظمهم يعتمد على الحوالات الخارجية لسد الفجوة بين الإنفاق والدخل. وأوضح أصلان في حديثه لـ"العربي الجديد" أن المضاربين استغلوا مرحلة "الانتعاش السياسي" وبدأوا بسحب الليرة من السوق، ما أدى إلى تحسّن سعر الصرف نتيجة تراجع العرض، دون وجود أي عوامل اقتصادية علمية تدعم هذا التحسّن، مثل زيادة عائدات السياحة أو الصادرات، أو حتى تدخل مباشر من المصرف المركزي بضخ كتل دولارية للحفاظ على التوازن بين العرض والطلب.
ولم يستبعد أصلان أن تكون هناك "أيدٍ كثيرة" تعمل على سحب الليرة وجمعها ليتم ضخها دفعة واحدة أو على مراحل قصيرة الأجل، مما قد يؤدي إلى انهيار سعر الصرف وعودة الليرة إلى مستوياتها المتدهورة قبل سقوط نظام الأسد. وأشار إلى تقارير تحدثت عن ضبط شحنات كبيرة مليئة بالعملة السورية على الحدود السورية العراقية.
من ناحية أخرى، لم تتخِذ السلطات النقدية إجراءات ملموسة لضبط سعر الليرة السورية، ولم تقم بتغيير السعر الرسمي. ووفقاً لآخر نشرة صادرة عن مصرف سورية المركزي بتاريخ 6 فبراير/شباط 2025، فقد حُدِّد سعر صرف الدولار الواحد بـ 13 ألف ليرة سورية للمصارف العاملة وشركات ومكاتب الصرافة، وكذلك لسعر صرف الحوالات الخارجية والأفراد.
وقال رجل أعمال من دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" إن المصرف المركزي، من خلال سياسة حبس السيولة وتقييد السحب، أضر بالأعمال التجارية والصناعية بسبب التذبذب الكبير في سعر الصرف، موضحاً أن سعر صرف الليرة تحسن "نظرياً" بنسبة 50% بين 10 ديسمبر واليوم، بل وسجل الدولار الأسبوع الماضي أقل من سبعة آلاف ليرة. وأكد أن هذا التذبذب يجعل المستوردين والصناعيين يتريّثون في أعمالهم، مشيراً إلى أن التحسن في سعر الصرف "وهميٌ" لأن المصرف المركزي غير قادر على الحفاظ عليه، وهو ما يتضح من خلال تسعيره الرسمي المرتفع. كذلك، فإن هذا التذبذب يؤثر على الثقة في العملة والبيئة الاقتصادية، وقد يدفع الرساميل ورجال الأعمال إلى التريث قبل العودة إلى سورية، وفقاً لرجل الأعمال.
وأشار المتحدث إلى أن "سياسة حبس السيولة وضبط العرض، عبر تقنين سحب المودعين وتأخير منح الرواتب والأجور، هي سياسة قديمة سبق للنظام المخلوع أن استخدمها، وهي تعود بالنفع على المصرف المركزي فقط، لكنه ليس تاجراً ليبحث عن الربح دون النظر إلى الاقتصاد ومعيشة السوريين".
الليرة تنتظر تعافي الاقتصاد
ويعاني الاقتصاد السوري من أزمات عميقة خلّفتها سياسة التدمير الممنهج التي اتبعها نظام الأسد البائد، بالإضافة إلى السرقات التي طالت المصرف المركزي قبيل هروب عصابة بشار الأسد إلى روسيا وبعض دول الخليج العربي. ويرى اقتصاديون أن وضع الليرة سيظلّ غير مستقر حتى تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، وتبدأ الاستثمارات بالتدفق إلى البلاد، وهو أمر مرتبط بالاستقرار الأمني والسياسي وتشكيل الحكومة المتوقع الشهر المقبل، فضلاً عن رفع العقوبات الدولية والإعلان عن مؤتمر لإعادة إعمار سورية. ويقول هؤلاء إن الإمكانات المتاحة والعائدات الممكنة للحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع لا تكفي لضبط الأسواق، بما في ذلك سوق النقد، وتحريك عجلة الاقتصاد.
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تقرير لها أمس، أن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه تحديات كبيرة، إذ يجب على حكومته اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الاستقرار وتجنب أزمة سياسية جديدة، وأشارت الصحيفة إلى أن "خزينة الدولة شبه فارغة، مما يجعل أي انتعاش اقتصادي مرهوناً بالمساعدات الخارجية، التي لا تزال مقيدة بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد".
وبعد التخفيف الجزئي للعقوبات الأميركية، الذي أُعلن عنه الشهر الماضي ويستمر لمدة ستة أشهر، يعتزم الاتحاد الأوروبي إزالة المصارف السورية من قوائم العقوبات، إضافة إلى رفع بعض القيود عن مصرف سورية المركزي، كما تزايدت المؤشرات على نية الاتحاد الأوروبي إزالة العقوبات الأوروبية عن سورية، خاصة بعد تلقي الرئيس أحمد الشرع تهاني من الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ودعوته لزيارة باريس وبرلين.
وكشفت مصادر إعلامية أن الاتحاد الأوروبي سيناقش إمكانية إنهاء القيود المفروضة على تمويل استكشاف النفط وتكريره في سورية، فضلاً عن بناء محطات طاقة جديدة، مع تعليق جزئي للعقوبات على قطاع الطاقة، بما يشمل رفع الحظر عن استيراد النفط الخام وتصدير التكنولوجيات اللازمة لصناعة النفط والغاز.
من جهتها، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية الشهر الماضي عن تخفيف العقوبات المفروضة على سورية لمدة ستة أشهر، وذلك بهدف تسهيل استمرار الخدمات الأساسية في البلاد. وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة ترخيصاً عاماً يسمح لمنظمات الإغاثة والشركات بتقديم الخدمات الأساسية في سورية، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، دون الحاجة إلى الحصول على موافقة لكل طلب على حدة، كما يسمح الترخيص بالمعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والكهرباء داخل سورية، وفقاً لبيان الوزارة. وبالإضافة إلى ذلك، يجيز الترخيص المعاملات اللازمة لمعالجة التحويلات الشخصية غير التجارية إلى سورية، بما في ذلك التحويلات عبر البنك المركزي السوري.