استمع إلى الملخص
- يعاني المواطنون والبائعون من غياب الرقابة على الأسواق، مما يؤدي إلى تقلبات غير مبررة في الأسعار، ويضعهم في مواقف صعبة مع تغير الأسعار يومياً.
- يؤكد الخبراء أن الحل يكمن في إعادة فتح المعابر والسماح بدخول البضائع والمساعدات، مع دعوة المؤسسات الدولية للتدخل لرفع الحصار وتلبية احتياجات السكان.
بات مألوفاً لدى أهالي قطاع غزة أن تتأرجح الأسعار بشكل حاد يومياً، وتشهد قفزات كبيرة ضمن التقلبات السعرية والمضاربات التي تطاول سلعاً رئيسية للبقاء على قيد الحياة، في الوقت الذي يُحكم فيه الاحتلال الإسرائيلي قبضة حصاره أكثر من مليوني فلسطيني.
في صبيحة يوم الأربعاء الماضي، شهدت أسواق غزة واحداً من أكثر أيامها تقلباً في أسعار السلع، خصوصاً الطحين (الدقيق)، ففي الساعات الأولى بلغ سعر كيلو الطحين 50 شيكلاً (الدولار يعادل 3.57 شواكل) في مدينة غزة، ومع انتشار خبر متفائل عن قرب فتح المعبر، هبط السعر فجأة إلى 20 شيكلاً. لكن بعد ساعات، مع توارد أنباء أن الشاحنات التي دخلت لا تكفي إلا ليوم واحد، عادت الأسعار للارتفاع بجنون، ليصل الكيلو إلى 85 شيكلاً.
هذا الاضطراب السريع في سعر الطحين، والذي كان الكيلو الواحد منه في الوضع الطبيعي يُباع بشيكل واحد، انعكس بدوره على باقي السلع الغذائية الأساسية، والتي باتت تشكّل بدائل ضرورية في وجبات المواطنين، خصوصاً في ظل شح الكميات المعروضة في السوق وتذبذب أسعار السلع بدرجات متفاوتة بحسب الإقبال عليها واحتياجات المواطنين لها. هذا السيناريو ليس غريباً في الاقتصاد، ويعرف باسم التسعير المبني على التوقعات أو المضاربة السعرية، حيث تتحكم الأخبار والتوقعات والمشاعر بمسار الأسعار، بعيداً عن منطق العرض والطلب الحقيقي، بمعنى آخر، البائع لا يسعّر بناءً على ما في المخزن بل بناءً على ما يُقال في الأخبار.
واشتكى المواطن سميح المقيد، من سكان مدينة غزة، من التقلبات اليومية الحادة في أسعار السلع الأساسية، مؤكداً أن الغلاء أصبح يفوق قدرة المواطنين على تحمله، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة. وقال المقيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار ترتفع وتهبط بطريقة غير مفهومة، وفي كل يوم نفاجأ بتغييرات جديدة دون أي رقابة حقيقية، مشيراً إلى أن القدرة الشرائية لدى المواطنين تراجعت كثيراً، ولم يعد بمقدور أغلبية العائلات توفير الحد الأدنى من الطعام.
وأضاف: "الأسواق تعاني من نقص حاد في البضائع والمواد الغذائية، ما يزيد من معاناتنا ويجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، خاصة مع استمرار إغلاق المعابر وشح الإمدادات القادمة إلى القطاع". في حين، عبّر بائع المواد الغذائية في سوق أبو إسكندر، شمال مدينة غزة، أبو أحمد حسين، عن استغرابه من الارتفاعات والانخفاضات غير المفهومة في أسعار السلع الأساسية، مشيراً إلى أن حالة السوق أصبحت "غير منطقية" ولا يمكن التنبؤ بها.
وقال أبو أحمد لـ"العربي الجديد": "كما المشترين، نفاجأ نحن أيضاً عند شراء البضاعة من التاجر بتغيرات كبيرة في الأسعار، ففي بعض الأحيان ترتفع بشكل مفاجئ، وأحياناً تنخفض دون أي تفسير واضح، وبكل تأكيد هذه التقلبات تؤثر سلباً على البائعين وتضعهم في موقف محرج أمام الزبائن". وأوضح أن الأسعار باتت غير مفهومة، ولا توجد قاعدة واضحة تحكم السوق، في ظل غياب الجهات الرقابية وانعدام الاستقرار الاقتصادي وتحكّم بضعة تجار في الأسواق دون حسيب أو رقيب.
وأضاف: "نحن نحافظ على هامش ربح بسيط فقط، ونبيع البضائع حسب الأسعار التي يضعها التجار، والتي تتغير من يوم لآخر دون سابق إنذار، ولذلك على الجهات المختصة تكثيف الرقابة على السوق وضبط الأسعار، لضمان حماية البائع والمستهلك على حد سواء من التلاعب والمضاربة". بدوره، أكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي نسيم أبو جامع أن حالة التسعير الحالية في قطاع غزة تعكس بوضوح حالة عدم استقرار السوق وغياب الرقابة الرسمية، في ظل استمرار الحصار والإغلاق الكامل للمعابر.
وقال أبو جامع لـ"العربي الجديد" إن التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار السلع الأساسية، والتي تشمل ارتفاعات مفاجئة تعقبها انخفاضات غير مفهومة خلال نفس اليوم، تندرج تحت "المضاربة السعرية"، مشيراً إلى أن هذا التشوه الاقتصادي في الأسواق ينذر بتداعيات خطيرة على القدرة الشرائية للمواطنين ومعيشتهم اليومية. وأضاف: "إغلاق المعابر وتخوف المواطنين من انقطاع الإمدادات يفاقمان الأزمة، ولعل الحل الأمثل يتمثل في إعادة فتح المعابر بشكل كامل، والسماح بدخول البضائع والمساعدات الإنسانية دون قيود، بهدف تحقيق قدر من الاستقرار في السوق، رغم صعوبة ذلك في ظل استمرار العدوان".
وبيّن أبو جامع أن قطاع غزة بحاجة إلى أكثر من 800 شاحنة مساعدات يومياً لتغطية الاحتياجات الأساسية، في حين أن الاحتلال، بعد إغلاق دام 80 يوماً متواصلة، سمح فقط بإدخال 90 شاحنة، وهو ما يمثل 11% فقط من الاحتياج الفعلي اليومي للسكان.ودعا المؤسسات الدولية والجهات الإنسانية إلى التدخل العاجل للضغط من أجل رفع الحصار وتسهيل دخول الإمدادات الإنسانية، محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية والاقتصادية إذا استمرت الأوضاع على حالها.