استمع إلى الملخص
- رغم إنهاء تجميد حسابات الجهات العامة، إلا أن الزحام مستمر. الخبير الاقتصادي عامر شهدا يؤكد أن التجميد كان غير قانوني، ويشدد على دعم الإنتاج لتجنب الأزمات المالية.
- تعاني سوريا من أزمة سيولة خانقة، مع سقف سحب يومي محدود، وتدهور سعر صرف الليرة، مما يعقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
يواجه المتقاعدون في سورية معاناة يومية لصرف الرواتب من البنوك، حيث تقف منيرة الحاج عاطف، وهي متقاعدة من القطاع العام، ضمن طوابير طويلة أمام الصرافات على أمل الحصول على راتبها الذي لا يتعدى 300 ألف ليرة سورية (نحو 30 دولاراً). وتروي السبعينية معاناتها لـ"العربي الجديد" قائلة: "منذ ثلاثة أشهر لم أحصل على راتبي، ومع بداية كل شهر، أنتظر ضمن الطابور لساعات طويلة ولكن دون جدوى، بحجة أن المؤسسة لم تصرف رواتبنا بعد لعدم توفر السيولة".
ومنيرة ليست الوحيدة التي تم تجميد راتبها، حيث تأتي أعداد كبيرة من المتقاعدين يومياً للحصول على رواتبهم، وبعد الانتظار لساعات يكتشفون أن رواتبهم لم تنزل إلى حساباتهم، فيعودون خائبين إلى منازلهم، كما صرّح أكثر من متقاعد كان ينتظر عند صرافات البنكين التجاري والعقاري في دمشق.
وفي ظل سياسة التقشف المالي وحبس السيولة في سورية، التي تحدد سقف السحب بـ200 ألف ليرة في اليوم (نحو 20 دولاراً)، بات العثور على صراف آلي مليء بالنقود بمنزلة الفوز بالجائزة الكبرى للموظف السوري، رغم أنّ المتقاعدين يفترشون الشوارع في الصباح الباكر منتظرين بفارغ الصبر على أمل أن تفتح لهم أحد الصرافات، إلا أنهم يكتشفون بعد صراع طويل أن الصرافات فارغة.
المصرف التجاري ينهي تجميد الحسابات لدفع الرواتب
يأتي الزحام اليومي للحصول على الرواتب رغم قرار المصرف التجاري السوري، الأسبوع الماضي، العمل بإجراء "تجميد حسابات الجهات العامة لدى المصرف وحصر العمليات عليها بصرف الرواتب". وأوضح المصرف التجاري أنّ إنهاء العمل بهذا الإجراء يأتي نتيجة لانتهاء الأسباب التي استدعت العمل به.
ورفع المصرف في هذا الإطار، إجراءات التجميد عن حسابات الجهات العامة، ومنحها المرونة من ناحية الإيداع، والسحب، والتحويل، ضمن السقوف المحددة أصولاً، ووفقاً لما كانت عليه تعليمات مصرف سورية المركزي قبل تاريخ 4 فبراير/ شباط 2025. من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عامر شهدا، إنّ "إجراءات تجميد الحسابات للقطاع العام هي غير قانونية بالأساس، لأن التجميد يكون بناءً على مخالفات مصرفية أو بناءً على حكم محكمة، لذلك فإنّ التجميد لا يتناغم مع الأعراف المصرفية وهو عبارة عن قرار إداري".
وأشار إلى أنّ "قرار إنهاء التجميد بهدف دفع الرواتب سيكون له تأثير على السوق الاقتصادي السورية من حيث رفع الطلب الكلي للاستهلاك فقط، ولن يكون له صدى كبير على موضوع دفع العجلة الإنتاجية، على اعتبار أن قدرة الدخل على الاستهلاك هي أقل بكثير من قدرة الحكومة على تخفيض الأسعار، مما يولد تناقضاً كبيراً في القرارات".
وأكد شهدا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاحتفاظ بالأموال مجمدة في البنوك يقلل من فرص الاستثمار، مما قد يؤدي إلى تراكم الأزمات المالية"، معتبراً أنّ "الحل يكون بدعم الإنتاج، وعدم إعطاء الحرية للقطاع المصرفي لمزاولة نشاطه الحقيقي سيؤثر سلباً في المساهمة في خلق الإنتاج". وأضاف أنّ "عدم صرف الرواتب تسبب في شح السيولة بين أيدي المواطنين، ولذلك فإنّ موضوع فك التجميد جيد من الناحية الاجتماعية بحكم أن معظم السوريين يعانون الفقر وهناك شح موارد، وهنا يعتبر القرار في سياق إنساني أكثر من سياق اقتصادي".
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أنّ "المشكلة الأساسية في القرار هي التقييد ضمن السقوف المحددة أصولاً، بمعنى أن البنك سيعمل ضمن قرار مصرف سورية المركزي بحبس السيولة، فهناك قرار يسمح بسحب 200 ألف ليرة فقط يومياً، مما يضطر المواطن إلى الانتظار لليوم التالي لسحب مبلغ آخر من الصراف، وسط ازدحام كبير للحصول على مستحقاته من الرواتب".
وتشير تقديرات حكومية حصل عليها "العربي الجديد" إلى أن كتلة رواتب الموظفين العاملين في سورية تقدر بنحو 1.6 تريليون ليرة سورية، كما تقدر رواتب المتقاعدين بنحو 1.2 تريليون ليرة سورية، في حين لا توجد أي تقديرات لرواتب العسكريين والمتقاعدين منهم، إذ كانت الحسابات تمولها وزارة دفاع النظام السابق من حساب الموازنة العامة للجيش.
ويبلغ عدد العاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها نحو 912 ألف عامل، من دون احتساب العاملين في وزارة الدفاع ومؤسساتها أو القصر الجمهوري. وتعاني سورية منذ شهرين تقريباً، من أزمة سيولة خانقة خصوصاً مع هبوط سعر صرف الدولار وتلاعب الصرافين بالسوق السوداء، وحبس الليرة السورية بالمصرف المركزي.
(الدولار= 9800 ليرة سورية تقريباً)