الليرة التركية تهتز على وقع السياسة الداخلية والمصارف تتدخل
استمع إلى الملخص
- تدخلات المصارف ودور الاحتياطيات الأجنبية: باعت المصارف الحكومية التركية خمسة مليارات دولار لدعم الليرة، وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية إلى 171.9 مليار دولار، مما يعكس قدرة الاقتصاد التركي على الصمود.
- المؤشرات الاقتصادية الإيجابية ودور الصادرات: تعافي الاقتصاد التركي يظهر من خلال تراجع التضخم وتحسن المؤشرات الاقتصادية، مع توقعات بزيادة الصادرات إلى 260 مليار دولار هذا العام، مما يعزز استقرار الاقتصاد.
لم يسعف تدخل المصارف التركية وبيع الدولار، أول من أمس، سعر صرف العملة، إذ واصلت الليرة تراجعها، اليوم الخميس، من 41.16 أمس إلى نحو 41.2 ليرة مقابل الدولار، متأثرة بتداعيات قرار المحكمة تعيين غورسيل تكين رئيساً مؤقتاً لأكبر أحزاب المعارضة التركية (الشعب الجمهوري)، والمخاوف التي أعقبت هذا التعيين.
وكانت محكمة إسطنبول المدنية الـ45 قد أقالت رئيس الحزب في المدينة أوزغور تشيليك وإدارته، وعينت غورسيل تكين رئيساً مؤقتاً للحزب في إسطنبول، ما أثار ردات فعل داخل أوساط المعارضة وتصريحًا من رئيس الحزب أوزغور أوزيل بطرد تكين من صفوفه.
مخاوف من التصعيد
يخشى مراقبون أن تتصاعد حملات حزب الشعب الجمهوري بالدعوة إلى الإضراب ومقاطعة بعض المنتجات، كما حدث في مارس/آذار الماضي عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، الأمر الذي أدى آنذاك إلى شلل جزئي في الأسواق وتراجع سعر الصرف، إذ هوت الليرة بنحو 11% من 36.67 إلى نحو 42 ليرة للدولار الواحد، قبل تدخل المصرف المركزي وبيع أكثر من ثمانية مليارات دولار لتحقيق التوازن النقدي بعد زيادة الطلب على الدولار.
ويقول المحلل التركي سمير صالحة في حديث مع "العربي الجديد"، إن تداعيات تعيين غورسيل تكين لن تكون بمستوى تداعيات اعتقال إمام أوغلو، لكن المخاوف قائمة بدليل تراجع سعر الصرف والتدخلات التي شهدناها في اليومين الأخيرين، مستبعدًا في الوقت ذاته الدعوة إلى إضراب أو مقاطعة منتجات حكومية. ويضيف أن الاقتصاد التركي، بحكم انفتاحه وتأثره بالأحداث السياسية الداخلية والخارجية، يظل عرضة للتقلبات، لكنه "بات منيعًا" بفضل احتياطياته الأجنبية الكبيرة، ويرى أن المؤشرات الاقتصادية، مثل نسبة النمو المرتفعة وتراجع التضخم، تدلل على قوة الاقتصاد واستمراره في مسار الإصلاح الذي حددته الحكومة قبل عامين.
تدخلات المصارف
كانت المصارف الحكومية التركية قد باعت يومي الثلاثاء والأربعاء نحو خمسة مليارات دولار لدعم الليرة، في محاولة لوقف موجة البيع الناجمة عن الحكم القضائي الذي استهدف شخصيات معارضة بارزة. ووفقًا لوكالة "بلومبيرغ"، جاءت عمليات البيع مع تزايد تخلّي المتداولين عن الليرة بفعل التوترات السياسية بعد إلغاء محكمة إسطنبول التعيينات الحزبية واستبدال المعينين بآخرين. وأشارت الوكالة إلى أن البنوك الحكومية لا تعلق عادة على تدخلاتها في سوق الصرف الأجنبي، رغم أنها تتدخل بشكل روتيني نيابةً عن البنك المركزي للدفاع عن الليرة.
وبحسب محافظ البنك المركزي فاتح قره خان، ارتفع الاحتياطي الأجنبي (عملة وذهب) إلى 171.9 مليار دولار بنهاية يوليو/تموز الماضي، وهو أعلى مستوى منذ فبراير/شباط. وكانت الاحتياطيات قد تراجعت إلى 138.5 مليار دولار بحلول الثاني من مايو/أيار عقب تدخلات كبيرة في سوق الصرف إثر اعتقال إمام أوغلو.
وقال قره خان في عرض سابق للاحتياطيات: "انعكس تشديدنا السياسة النقدية إيجابًا على الاحتياطيات"، فيما أكد وزير المالية والخزانة محمد شيمشك أن الاقتصاد التركي عاد إلى "دورة إيجابية"، وعادت المؤشرات المالية، بما فيها إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي، إلى مستويات ما قبل أزمة مارس/آذار، بفضل الإجراءات المتخذة لإدارة الاقتصاد.
مؤشرات إيجابية وصادرات متنامية
من جانبه، يرى الاقتصادي خليل أوزون أن المؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها تراجع التضخم أمس إلى 32.95% في أغسطس/آب مقارنة بـ33.52% في يوليو/تموز، تؤكد تعافي الاقتصاد ومضيّه نحو تحقيق أهداف برنامج الإصلاح، واعتبر تدخل المصارف الحكومية "خطوة طبيعية بل وواجبة" لامتصاص مخاوف السوق وتبريد الإقبال على الدولار.
ويضيف أوزون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تراجع سعر الليرة ليس مقلقًا بحد ذاته، بل الأهم هو ثبات السعر واستثماره لدعم الصناعة وزيادة الصادرات، التي بلغت العام الماضي 256 مليار دولار، ويُتوقع أن تصل هذا العام إلى 260 مليارًا، كما أن السياحة تساهم بزيادة عرض العملة الأجنبية في السوق.
وحول أثر التطورات السياسية الداخلية على خطط الحكومة الاقتصادية، ولا سيما سياسة التيسير النقدي وتخفيض سعر الفائدة، يشير أوزون إلى أن متابعة الأسواق ستكون الفيصل، خاصة بما سيترتب على ذهاب غورسيل تكين إلى المقر الإقليمي للمجلس التنفيذي في إسطنبول يوم الاثنين المقبل، وطلبه التعيين من رئيس الحزب أوزغور أوزيل والرئيس السابق كمال كيليجدار أوغلو، إذ سيحدد ذلك ما إذا كان حزب الشعب سيواصل التصعيد أو يقبل بقرار المحكمة.