استمع إلى الملخص
- ردت كندا بفرض رسوم مماثلة على السلع الأميركية، مما زاد من توتر العلاقات التجارية، وأثار قلق المواطنين من فقدان وظائفهم وارتفاع تكاليف المعيشة، بينما تعهدت الحكومة بدعم المتضررين.
- قبل الحرب التجارية، كانت كندا وأميركا تتمتعان بعلاقات تجارية قوية، لكن الرسوم أثرت على النمو الاقتصادي وثقة المستثمرين.
يلمس الكنديون ارتفاعاً في الأسعار وتقليص ساعات العمل في قطاعات حيوية تتأثر كثيراً بالرسوم الجمركية الكبيرة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيّما التي تطاول صناعات السيارات والصلب والألمونيوم، فيما تظهر المؤشرات توقف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
ولم تأتِ كندا ضمن قائمة عشرات الدول التي قرّر ترامب، الأسبوع الماضي، إيقاف تطبيق الرسوم الجمركية المتبادلة عليها لمدة 90 يوماً، وخفضها خلال تلك الفترة إلى 10% بأثر فوري بالنسبة لدول أخرى، إذ تخضع الصادرات الكندية في قطاع السيارات والصلب والألمنيوم وسلع أخرى حالياً لرسوم جمركية أميركية.
وفرض ترامب في مارس/آذار الماضي رسوماً بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم، وعلى السيارات في الثالث من إبريل/نيسان الجاري، وستدخل هذه الرسوم على قطع غيار السيارات حيّز التنفيذ في الثالث من مايو/أيار المقبل، وقد جرى تخفيض ساعات عمل آلاف العمال الكنديين بالفعل في قطاع السيارات، وردت كندا بفرض رسوم مماثلة على السلع الأميركية.
ويسيطر القلق على الكثيرين ممّن يخشون فقد وظائفهم والوقوع تحت ضغط الغلاء، إذ تعني زيادة الرسوم ارتفاعاً في أسعار السلع لا سيّما المستوردة من الولايات المتحدة، ما يسهم في إيجاد مستويات تضخم أكثر، التي وصلت إلى 4.2% في مارس/آذار الماضي وفقاً للبنك المركزي الكندي، ما دعا غرفة التجارة الكندية إلى التحذير في بيان لها، الأربعاء الماضي، من أن استمرار هذه الرسوم الجمركية بمثابة ضربات يومية للاقتصادي الأميركي والكندي، بل تقود إلى قطع العلاقات التجارية التي طالما دعمت لأجيال بين البلدين.
وكانت غرفة التجارة الكندية وصفت سابقاً قرار فرض التعرِفات بأنه "مقلق للغاية"، مؤكدة أنه سيؤدي إلى ارتفاع مباشر وفوري في تكاليف كل شيء للجميع، ما سيرفع من تكلفة معيشة الأسر الكندية والأميركية على حد سواء، ووسط الضيق من الإجراءات التجارية الأميركية يتبنى كثيرون إجراءات عقابية بحقّ المنتجات الأميركية عبر مقاطعتها حتى لو كانت أقل سعراً من مثيلاتها المحلية.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول راين ماثي وهو مواطن كندي يبلغ من العمر 43 عاماً، ويقطن في منطقة بيلفيل في مقاطعة أونتاريو، إنه شعر بارتفاع أسعار المواد الغذائية نوعاً ما فور الإعلان عن فرض ترامب الرسوم الجمركية على كندا، مضيفاً أن الأسعار في ازدياد، وأنه بدأ يبحث عن بدائل للمنتجات الأميركية لا سيّما الكندية من أجل دعم بلاده في مواجهة هذه السياسات غير الصديقة على حد وصفه.
واتفق معه في الرأي ستيفن وودز، وهو في الأربعينيات من عمره، بأنّ البحث عن المنتجات الكندية بات الخيار الأفضل في ظل انخفاض بعضها مقارنة بالمنتج الأميركي، ولم يتردد وودز في التأكيد لـ"العربي الجديد" على أن دعم المنتجات المحلية الكندية لم يعد بالنسبة له خياراً حالياً، وإنما واجباً حتّى وإن كان سعر المنتج المحلي أكثر من الأميركي بقليل.
وتزداد الأعباء الاقتصادية التي يواجهها المواطنون والمقيمون في كندا مع كشف هيئة الإحصاء الكندية عن خسارة حوالى 33 ألف وظيفة في مارس/آذار، وهو الانخفاض الأول في التوظيف منذ أكثر من عامين، إذ ارتفع معدل البطالة إلى 6.7%. ووفقاً لمراقبين اقتصاديين، فإن هذا التراجع يرجع جزئياً إلى حالة عدم اليقين التي أنتجها فرض الرسوم الجمركية، ما أثّر على ثقة أصحاب الشركات والمستثمرين في اقتصاد كندا.
وسترفع تلك الرسوم الجمركية من تكلفة السيارات الكندية داخل الولايات المتحدة، ما سيحد من منافستها، ومن ثم يؤثر على مبيعات الشركات الكندية، ما يجبرها على تقليل الإنتاج وتسريح العمالة الزائدة.
في المقابل، ومع تعهد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بإعادة توزيع قيمة الضريبة الحدودية الجديدة والمقدرة بنحو ثمانية مليارات دولار سنوياً على المتضرّرين من العمال والشركات المتأثرة سلباً من الحرب التجارية مع أميركا، فإنّ ذلك من شأنه أن يخفّف من وطأة تلك الضرائب على بعض فئات المجتمع نوعاً ما.
وحظيت كندا وأميركا بعلاقات تجارية قوية للغاية قبل اندلاع الحرب التجارية بينهما، عقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، إذ تعتبر كندا أكبر مورد للطاقة الأميركية، بما في ذلك الغاز الطبيعي والنفط الخام والكهرباء، كما أن كندا تعد ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة من حيث الصادرات والواردات بعد المكسيك، وتليها الصين في الترتيب ثالثاً، وتعتبر سوق التصدير الأولى لجارتها الجنوبية، ووفقاً لبيانات خدمة أبحاث الكونغرس، صدّرت كندا 77% من منتجاتها إلى أميركا في 2023 بنحو 482 مليار دولار، في حين استوردت حوالى نصف سلعها بمقدار 441 مليار دولار أميركي.
ووفق ماثيو هولمز، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس السياسات العامة في غرفة التجارة الكندية، فإنّ الأمر على المحكّ ويتعلق باستمرار الشركات، وسبل عيش العمال، وقوة المجتمعات المبنية على الشراكة عبر الحدود، وتوقف النمو الاقتصادي الكندي بالفعل قبل دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ، وأظهرت بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء الكندية نهاية مارس/آذار الماضي ثبات الناتج المحلي الإجمالي في فبراير/شباط الماضي، وجاء ذلك عقب نمو بنسبة 0.4% في يناير/كانون الثاني، وهو أعلى معدل نمو شهري منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي 2024. وقال محافظ بنك كندا تيف ماكليم، نهاية الشهر الماضي، إنّ خطر ارتفاع التضخّم نتيجة حرب تجارية يحدّ من قدرة البنك على خفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو.
وفي يناير/كانون الثاني، ساهمت الصناعات المنتجة للسلع كثيراً في النمو، إذ ارتفعت بنسبة 1.1%، وهي أكبر زيادة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقادت قطاعات التعدين واستخراج النفط والغاز، فضلاً عن قطاعات التصنيع، المكاسب، كما نمت تجارة الجملة، إذ وصل موزعو السيارات إلى أعلى مستوى لهم منذ فبراير/شباط 2020 بفضل الزيادة الكبيرة في الصادرات.