الكلفة النفسية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي

13 ديسمبر 2024
دمار إسرائيل الوحشي لغزة ،11 ديسمبر 2024 (عمر القطا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقعت دراسة حديثة أن يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر تتجاوز 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب اضطرابات ما بعد الصدمة والأمراض النفسية الناتجة عن الحرب، مما يؤثر على الإنتاجية وتكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية.

- أظهرت دراسات ارتفاعاً في استهلاك المخدرات والإدمان في إسرائيل، خاصة بين الجنود والمراهقين، حيث زاد تناول الحبوب المنومة بنسبة 180% والمسكنات بنسبة 70% نتيجة الضغوط النفسية.

- تعاني إسرائيل من زيادة في عدد الجنود المصابين باضطرابات نفسية، حيث تلقى 12 ألف جندي العلاج منذ بداية الحرب، مع توقعات بزيادة العدد إلى 14 ألف بحلول نهاية 2024.

بينما يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة على استمرار العدوان على قطاع غزة بزعم جلب الأمن للمواطن الإسرائيلي، كشفت دراسة أجرتها مجموعة التمويل الاجتماعي في إسرائيل ومجموعة أبحاث المواد المخدرة ارتفاع مستويات اضطرابات ما بعد الصدمة والأمراض النفسية ونتائج ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي والقتال المستمر في غزة وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل.

وفقاً للدراسة التي نشرها موقع الأعمال الخيرية اليهودية الإلكترونية وتستند على التأثير على الإنتاجية وتكاليف الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية والتكاليف المرتبطة بها مثل الإدمان، سيتكلف الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 50 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة كجزء من خطة لتمول البحوث التي تستهدف العلاج النفسي للناجين من هجمات المقاومة الفلسطينية باستخدام منهجية العلاجات بالمواد المخدرة، وهي جزء من مبادرة كبيرة لعلاج تداعيات السابع من أكتوبر.

وهذه ميزانية منفصلة تماماً عن ما يسمى بتكلفة الحرب مع حركة حماس، والتي تكلف الاقتصاد الإسرائيلي ما لا يقل عن مليار شيكل يومياً، ما يعادل 269 مليون دولار، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير أكبر على الاقتصاد الإسرائيلي الذي فقد 18% من القوى العاملة مقارنة بالصراعات السابقة، وفقاً لتقرير صادر عن وكالة التصنيف العالمية موديز استناداً إلى دراسة أولية عن وزارة المالية.

الاقتصاد الإسرائيلي واستهلاك المخدرات

أظهرت دراسات مسحية عديدة في إسرائيل ارتفاع معدلات استهلاك المخدرات والإدمان في المجتمع بالتزامن مع استمرار جيش الاحتلال في حربه على غزة وما تركته من زيادة في عدد المصابين بأمراض نفسية خطيرة بين الجنود. وفقاً لإحدى الدراسات، فإن شهور الحرب الطويلة أظهرت جانباً من هشاشة المجتمع الإسرائيلي التي ظهرت في أكثر من مجال، كالاقتصاد والتماسك السياسي الداخلي، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي الذي تفشى فيه مؤخراً عدد من الظواهر المدمرة، أهمها انتشار المخدرات وارتفاع معدلات الإدمان.

وكشفت دراسة أجراها المركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية وشملت نحو ألف شخص يمثلون مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي، أن واحداً من كل أربعة إسرائيليين زاد استهلاكه للمنتجات المسببة للإدمان بالتزامن مع الحرب في غزة. بينما في سنة 2022 وقبل الهجوم، كان واحد من كل سبعة إسرائيليين يعاني اضطرابات مرتبطة بتعاطي المخدرات.

ووفقاً للدراسة، ازداد تناول الحبوب المنومة في إسرائيل بنسبة 180% والمسكنات بنسبة 70%. وقال الطبيب النفسي الإسرائيلي شاؤول ليفران مؤسس المركز: "في رد فعل طبيعي على الضغط النفسي وبحثاً عن الراحة، نشهد ارتفاعاً كبيراً في تناول مختلف المواد المهدئة المسببة للإدمان، سواء كانت أدوية عبر وصفة طبية أو مخدرات غير مشروعة أو كحول، وأحياناً في السلوك الإدماني مثل لعب القمار". وخلص ليفران إلى أنه بالاستناد إلى الدراسة فإنه من الواضح بالفعل أننا على أعتاب وباء يظهر أن شرائح واسعة من السكان ستجنح إلى الاعتماد على مواد مسببة للإدمان.

وفي دراسة أخرى أجراها المركز في شهر فبراير/شباط الماضي على مجموعة من المراهقين أظهرت زيادة في تعاطي المخدرات والكحول، فارتفع استهلاك الكحول إلى 28% مقابل 8.9% في عام 2019، وزادت نسبة الشباب الذين يلعبون القمار بنسبة 15%، ومن يتعاطون الحشيش بنسبة 9%.

معاقون ومرضى نفسيون

رغم تأكيد جهات محايدة أن الاحتلال يتكتم على خسائره البشرية والاقتصادية جراء الحرب على غزة، ولا يكشف إلا عن 10% فقط من هذه الخسائر، كشفت وزارة الأمن الإسرائيلي في شهر يوليو/تموز الماضي أن 9400 جندي جريح تلقوا العلاج بقسم إعادة التأهيل منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وبعد ثلاثة أشهر، أعلنت نفس الوزارة زيادة العدد إلى 12 ألف جريح. وقالت إن 36% من هؤلاء الجرحى يعانون ردود أفعال نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة. وبحسب التوقعات سيدخل قسم إعادة التأهيل 14 ألف جريح بحلول نهاية عام 2024 وسيحصلون على العلاج، وسيواجه نحو 5600 منهم اضطرابات نفسية.

ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، بلغ عدد الجنود الذين سُرّحوا من الخدمة في جيش الاحتلال خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب 3257 جندياً. وفي الشهر الأول للعدوان، سُرّح 538 جندياً لأسباب عقلية، ومنذ ذلك التاريخ يتم تسريح 540 جنديّاً شهريّاً، وهذا الرقم "قياسي وغير مسبوق" في تاريخ إسرائيل، وفق وسائل الإعلام العبرية، وسيكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية على المجتمع وقوى العمل في إسرائيل.

وبحسب بيان نشرت تفاصيله قناة آي 24 الإسرائيلية فإن عدد من تلقوا العلاج في القسم ارتفع خلال عام بنسبة 20% ليصل إلى نحو 74 ألف شخص، وأن 93% من المصابين رجال، و66% من جنود الاحتياط، و51% تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، من بينهم مصابون بإصابات في العمود الفقري، ومبتورو الأطراف يتم تزويدهم بأطراف صناعية.

معاناة نفسية في إسرائيل

في الإعلام الإسرائيلي، يتحدث أطباء الصحة العقلية في إسرائيل عن زيادة حادة في عدد الأطفال والمراهقين الذين يطلبون المساعدة في الأشهر الأخيرة من الحرب بسبب القلق والاكتئاب. وفي الوقت نفسه، انخفض عمر المتقدمين، ولم يعد هؤلاء فوق سن العاشرة، بل أطفال دون التاسعة أو العاشرة من العمر. والسبب، وفق الأطباء النفسيين، هو مقاطع الفيديو المروعة التي التقطت في 7 أكتوبر/تشرين الأول وتعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط الناجم عن الحرب والأساس العقلي المهتز بالفعل.

وعند السؤال عن ماذا يمكن للوالدين أن يفعلوا؟ تكون الإجابة أنه لا توجد حلول سحرية. ما يكشف عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي نفسياً، قول طبيبة نفسية للأطفال والشباب، مديرة وحدة الرعاية النهارية للشباب في مستشفى ليف هشارون، دوريت بورات يوداشكين، أنها ترى تدهوراً مؤكداً وكبيراً في الحالة العامة للشباب في إسرائيل بعد السابع من أكتوبر يؤكد أن عدد تحويلات المراهقين والأطفال لتلقي المساعدة العقلية ارتفع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، وفي الوقت نفسه انخفض عمر المتقدمين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

تصف بورات الصورة الحزينة للشباب في المجتمع الإسرائيلي بقولها، "وإذا كان متوسط العمر للمرضى الصغار بالاكتئاب والقلق في الماضي هو مرحلة المراهقة فما فوق، فإننا نرى الآن أيضاً أطفالاً تتراوح أعمارهم بين تسعة وعشرة أعوام يأتون للعلاج، ويتجنبون الذهاب إلى المدرسة وأصيبوا بحالات قلق واكتئاب معظمها بسبب ضغوط الحرب المستمرة والأعداد تتزايد بسرعة". وعن تزايد تعاطي الكحول والمخدرات، تقول إن المشكلة ليست فقط في كمية وتكرار التعاطي، بل في أن نوع المخدرات تغير وأصبح أكثر خطورة أيضاً، وأن هناك "صناعة أكبر للمخدرات الاصطناعية شديدة الخطورة" في إسرائيل.

وعن سؤال، ما هو رد فعلكم بصفتكم معالجين للصحة النفسية؟ تقول: "النظام الصحي العام ينهار، من الصعب جداً الحصول على موعد للحصول على رعاية الصحة العقلية في المستشفيات العامة وفي القطاع الخاص، جميع الأطباء النفسيين الذين يعالجون الأطفال والشباب مشغولون للغاية، وكذلك الأطباء النفسيون، والآباء في حيرة من أمرهم، ولا يمكنك إلقاء اللوم على الأطفال والمراهقين لانهيارهم، لأنه منذ نصف عام هناك حرب ولا يوجد أفق". وتضيف قائلة: "واليوم تخطت الحرب عامها الأول بشهرين، والتكلفة النفسية والاقتصادية للحرب على المجتمع الإسرائيلي تتفاقم، ونتنياهو لا يأبه للوضع وربما تنفجر المشكلة فجأة".

رئيس مختبر الإدمان في كلية التربية بجامعة بار إيلان، يانيف افراتي، كشف عن أن الشباب في إسرائيل يواجهون ضربة نفسية صعبة منذ اندلاع الحرب. وفي الأشهر الأخيرة قاموا بدراسات أولية حول الإدمان والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى المراهقين منذ بداية الحرب، وتشير النتائج إلى زيادة في تعاطي المخدرات والمواد الادمانية والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر المرتبطة بها. والسبب ووفقاً له، هو الشعور بالقلق والتوتر والشعور بالذنب (كيف يمكنني مواصلة حياتي والمختطفون ما زالوا يعانون؟) وتعاني العائلات نفسياً بسبب والد أو أخ أو قريب تم استدعاؤه إلى احتياطي الخدمة العسكرية.

متى تنتهي الحرب؟

يدور سؤال في الأوساط الفلسطينية والدولية عن متى تنتهي هذه الفظاعة؟ ويجيب رجا شحادة، وهو محام وكاتب فلسطيني ومؤسس منظمة الحق لحقوق الإنسان بقوله في مقال له بالغارديان البريطانية، "عندما تدرك إسرائيل أن ثمن تدميرنا باهظ للغاية". وتقدر الدراسة أن كل شخص يتم تشخيصه باضطراب ما بعد الصدمة يكلف الاقتصاد الإسرائيلي ما يتراوح بين 1.8 مليون شيكل و2.2 مليون شيكل، ما يعادل 485 ألف دولار إلى 600 ألف دولار، حسب درجة الإصابة.

وهي عبارة عن التأثير المباشر على العمالة والإنتاجية، ويمثل 74% من التكلفة، و18% نفقات الرعاية الصحية وفوائد معهد التأمين الوطني الإضافية، و8% تمثل مخاطر الاضطرابات العقلية والإدمان المصاحبة، وفقاً للدراسة. أما من يتحمل عبء هذه التكاليف فهو الفرد وأسرته، بنسبة 30% منها؛ والدولة، التي تتحمل 30% نتيجة انخفاض عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق العام؛ والاقتصاد الكلي الذي يتحمل الحصة الأكبر، 40%، نتيجة انخفاض إنتاجية العمل على المستوى الوطني.

قدرت الدراسة الاقتصادية أن عدد الأشخاص الذين سيعانون اضطراب ما بعد الصدمة سيكون بمئات الآلاف، استناداً إلى أبحاث أجرتها الجامعة العبرية في القدس وجامعة كولومبيا ومركز شالفاتا للصحة العقلية في هود هشارون. وقالت أشينوام زيجل، مديرة التحليل الاقتصادي والبحث، والتي قادت الدراسة، إن فريقها اختار "رقماً متوسطاً" للتقدير بناءً على البحث المتاح واعترفت بأن هذه مجرد تقديرات تقريبية، ولن يعرف الرقم الدقيق إلا بعد وقوعه.

المساهمون