القروض تُغرق مصر... تحذيرات دولية من "احتجاجات انتقامية" بسبب الديون

القروض تُغرق مصر... تحذيرات دولية من "احتجاجات انتقامية" بسبب الديون والفقر

04 ابريل 2022
الديون الضخمة تحاصر معيشة أجيال من المصريين (فرانس برس)
+ الخط -

تحركات سريعة جرت في عدة عواصم خليجية خلال الأيام الأخيرة من مارس/آذار الماضي، لتقديم دعم سخي مباشر وغير مباشر إلى مصر، التي تعرضت لانكشاف مالي ومعيشي بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتسببها في هروب مليارات الدولارات من الأموال الساخنة المستثمرة في الديون الحكومية وسوق المال، فضلاً عن تضرر موازنة البلاد من قفزات الأسعار العالمية، بينما تعاني بالأساس من فجوة تمويلية مزمنة تقدر بأكثر من 17 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2021-2022.

جاء التحرك الخليجي في الوقت الذي تزايدت وتيرة تحذيرات المؤسسات المالية الدولية من تسبب الأضرار الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية في أزمة مالية خانقة في مصر، ما دعا جهات بحثية سياسية وإعلامية دولية إلى توقع حدوث أزمة سياسية واجتماعية تعيد إلى الأذهان مشاهد ثورات الربيع العربي، لكنها هذه المرة ستكون "انتقامية" من قبل المتضررين من تزايد عدم المساواة على مدار السنوات الأخيرة والارتفاع الحاد في الأسعار وتردي مستويات المعيشة.

تضرر موازنة مصر من قفزات الأسعار العالمية، بينما تعاني بالأساس من فجوة تمويلية مزمنة تقدر بأكثر من 17 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2021-2022

وشهدت الأيام الأخيرة من فبراير/شباط الماضي زيارة من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الكويت وإلى السعودية في الثامن من مارس/آذار، فضلاً عن لقاءات مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، سبقتها زيارة إلى الإمارات في نهاية يناير/ كانون الثاني.

مصر عرضة لصدمة مفاجئة

وتشير تقارير دولية إلى أنّ أزمة مصر هذه المرة ليست جراء تعرضها لأضرار قطاعية على غرار ما حدث خلال جائحة فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، وإنما بفعل الديون الكبيرة والفوائد المستحقة عليها التي تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ونهاية مارس/ آذار الماضي، ذكرت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، في تقرير لها، أنّ مصر عرضة لصدمة مفاجئة بسبب مزيج من ضغوط إعادة التمويل الكبيرة ونسبة خدمة الديون المرتفعة، إلى جانب سريلانكا وباكستان ومنغوليا وأنغولا، داعية إلى تحرك عاجل حيال ديون الدول الفقيرة التي أضعفتها الحرب في أوكرانيا، وما واكبها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة.

وتشهد سريلانكا اضطرابات متفاقمة، إذ انتشرت قوات الأمن في العاصمة، يوم الجمعة الماضي، غداة محاولة مئات المحتجين الغاضبين اقتحام منزل الرئيس غوتابايا راجاباكسا، احتجاجاً على طريقة إدارة حكومته الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد منذ أكثر من 70 عاماً.

وبينما الوضع في مصر لم يصل إلى حد الاحتجاج، إلّا أنّ الكثير من المصريين يجاهرون في الآونة الأخيرة بالشكوى من الغلاء والرسوم والضرائب الحكومية المتزايدة التي طاولت مختلف السلع والخدمات، وسط تعالي نبرات الضيق عبر وسائل التواصل المختلفة المقروءة والمرئية في مشهد غير مألوف، إذ كان الخوف من الملاحقات وبطش السلطات يدفع معظم المصريين إلى الصمت، لكن تزايد الأعباء المعيشية ينذر بتفجر اضطرابات اجتماعية وسياسية في البلاد، وفق تقارير دولية.

تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى بلوغ الدين الخارجي نحو 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2021

وفي منتصف مارس/آذار، ذكرت مجلة فورين بوليسي الأميركية، في تقرير لها، أنّه في أعقاب الصراع في أوكرانيا، تكمن أزمة اقتصادية عالمية وشيكة، إذ يواجه العديد من البلدان الفقيرة اضطراباً اقتصاديا كبيراً واحتمال التخلف عن سداد ديونها السيادية خلال العام الجاري 2022.

أزمة سياسية عالمية

ولفتت المجلة إلى أنّ جائحة كورونا بدأت أزمةً صحيةً قبل عامين، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى أزمة اقتصادية عالمية، معتبرة أنه لن يمر وقت طويل على الصراع الروسي الأوكراني قبل أن يتحول مرة أخرى إلى أزمة سياسية عالمية.

وبحسب "فورين بوليسي"، كان الناس ينزلون إلى الشوارع من الإكوادور إلى مصر إلى إيسواتيني (مملكة أفريقية عرفت سابقاً باسم سوازيلاند) للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتزايد عدم المساواة قبل كورونا، بينما قمع التباعد الاجتماعي نتيجة الوباء مثل هذه الاحتجاجات مؤقتاً، لكن في ظل الوضع الراهن، فإنّ التوقعات تشير إلى أنّهم "سيعودون للانتقام" إذ إنّ مصدر المظالم المتمثل في عدم المساواة قد ازداد سوءاً، فضلاً عن الارتفاع الحاد في الأسعار وتراجع مستويات المعيشة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأشارت إلى أنّ التكلفة المرتفعة للديون هي التي تهدد هذه المرة بإغراق البلدان المتضررة اقتصادياً، حيث تحولت الحكومات على مدار السنوات الماضية للحصول على قروض باهظة الثمن من صندوق النقد الدولي أو الصين أو المقرضين من القطاع الخاص خلال جائحة كورونا.

في الوقت الراهن، تجد الكثير من الدول نفسها في وضع أسوأ بكثير من ذي قبل مع ارتفاع مدفوعات الديون الخارجية، إذ أصبح أكثر من نصف جميع البلدان منخفضة الدخل الآن رسمياً في ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير، وتقترب الميزانيات الوطنية من الانهيار، لتضطر الحكومات حتماً إلى خفض الإنفاق على كل شيء، مثل التعليم والرعاية الصحية وغيرهما، بينما حان وقت دفع ثمن الديون، بحسب المجلة الأميركية.

الديون الخارجية تصل إلى 137.4 مليار دولار

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري إلى بلوغ الدين الخارجي نحو 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2021، مقسماً على دين طويل الأجل بإجمالي 125.9 مليار دولار، ودين قصير الأجل بقيمة 11.48 مليار دولار.

مؤسسات مالية دولية تشير إلى أن الدين الخارجي الحقيقي تجاوز بكثير 150 مليار دولار، بخلاف ما يزيد على 5 تريليونات جنيه (نحو 318 مليار دولار) للدين المحلي

لكنّ مؤسسات مالية دولية تشير إلى أن الدين الخارجي الحقيقي تجاوز بكثير 150 مليار دولار، بخلاف ما يزيد على 5 تريليونات جنيه (نحو 318 مليار دولار) للدين المحلي، جراء سياسة التوسع في الاقتراض التي ينتهجها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لاستكمال تنفيذ بعض المشروعات الكبرى، التي يرى خبراء اقتصاد أنّها لا تعود بالنفع على المواطن أو الاقتصاد، وفي مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة.

وتخفي الحكومة أرقام الدين المتعلقة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالاً من دول ومؤسسات أجنبية بضمان من وزارة المالية، على غرار المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات في العاصمة الجديدة شرق القاهرة.

وقفزت ديون مصر الخارجية بنحو 3 أضعاف منذ تولي السيسي الرئاسة في يونيو/حزيران 2014، إذ كانت في ذلك الحين نحو 46 مليار دولار.

وتقدر الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في موازنة العام المالي الحالي 2021/2022 ،الذي ينقضي بنهاية يونيو /حزيران المقبل، بنحو 579.6 مليار جنيه (31.7 مليار دولار)، وأقساط القروض بإجمالي 593 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة نحو 1.17 تريليون جنيه (64.1 مليار دولار).

طرق أبواب صندوق النقد 

وبجانب الدعم الخليجي الأخير لمصر، لجأت القاهرة مجدداً إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، ما يظهر عدم قدرة البلد على الخروج من دوامة القروض التي تمتد آجال استحقاقها لأجيال عدة مقبلة.

وسبق أن طرقت مصر أبواب صندوق النقد الدولي ثلاث مرات في السنوات الست الأخيرة، حصلت بمقتضاها على 20 مليار دولار، إذ اقترضت 12 مليار دولار في إطار برنامج اقتصادي بالاتفاق مع الصندوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وحصلت على 2.8 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع في مايو/أيار 2020 على خلفية تداعيات كورونا، ثم عادت واقترضت 5.2 مليارات دولار في يونيو/حزيران 2020.

بجانب الدعم الخليجي الأخير لمصر، لجأت القاهرة مجدداً إلى صندوق النقد للحصول على قرض جديد، ما يظهر عدم قدرة البلد على الخروج من دوامة القروض التي تمتد آجال استحقاقها لأجيال عدة مقبلة

ومؤخراً، أصدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية تقريراً تؤكد فيه أنّ موجة التضخم العالمي بفعل الحرب في أوكرانيا "قد تؤدي إلى الضغط على الوضع المالي في مصر، وزيادة احتمالية حصولها على قروض جديدة من صندوق النقد ودول خليجية، فضلاً عن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة".

تيران وصنافير

وعلى خلاف الدعم الخليجي السابق، يستقبل الكثير من المصريين دعم بعض الدول هذه المرة بالتشاؤم، إذ تساءل البعض عن مقابل الوديعة السعودية البالغة قيمتها 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، مشيرين إلى أنّ المقابل السابق كان "تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للسعودية" في يونيو/حزيران 2017.

وقال عضو بارز في جمعية رجال الأعمال المصريين، لـ"العربي الجديد"، إنّه "ليست هناك أي مشكلة في استحواذ استثمارات خليجية على أصول في مصر، لكن ينبغي أن تكون هناك شفافية في إبرام الصفقات وتقييم الأصول"، معرباً عن أمله في "ألّا تكون الديون الضخمة التي تراكمت على مصر بوابة لتنازلات في مثل هذه الظروف".

خطة إماراتية لضخ المليارات

ونفذت مصر العديد من المشاريع الممولة بقروض خارجية ضخمة مثل محطات توليد الكهرباء، ما دفع الحكومة إلى الإعلان عن خطة لطرح 3 محطات منها في البورصة المصرية، والتي أقامتها شركة "سيمنز" الألمانية، خلال الفترة من 2014 إلى 2018، في مناطق العاصمة الإدارية الجديدة، وبني سويف (وسط)، والبرلس (شمال).

تتزايد مخاوف المصريين من حالة عدم اليقين التي تنغمس فيها البلاد بشكل أعمق في ظل الديون المتزايدة وأعبائها وتضرر الاقتصاد بشدة

وسرّعت الإمارات خطة لاستثمار مليارات الدولارات في مصر، كما أعلن مجلس الوزراء المصري في بيان له، الثلاثاء الماضي، أنه تم الاتفاق مع دولة قطر على مجموعة من الاستثمارات والشراكات في مصر بقيمة إجمالية 5 مليارات دولار.

تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية

وتتزايد مخاوف المصريين من حالة عدم اليقين التي تنغمس فيها البلاد بشكل أعمق في ظل الديون المتزايدة وأعبائها وتضرر الاقتصاد بشدة.

فقد استيقظ المصريون، في الحادي والعشرين من مارس/آذار، على خفض حاد لقيمة العملة الوطنية بنسبة تفوق كلّ التوقعات، مقتربة من 18.5 جنيهاً للدولار مقابل 15.70 جنيهاً للدولار، ليسيطر القلق على الكثيرين من صعوبات معيشية بالغة القسوة تتجاوز ما شهدته البلاد في أعقاب تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إذ تسببت هذه الخطوة في موجات غلاء هي الأشد وطأة في أكثر من نصف قرن، وهوت معها ملايين الأسر إلى قاع الفقر.

وبالفعل، وصل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مسجلاً 10% في فبراير/شباط، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، مدفوعاً بزيادة بنسبة 20% في أسعار المواد الغذائية، بينما يشكك محللون اقتصاديون في هذه البيانات مشيرين إلى أنّ معدل التضخم الحقيقي يتجاوز هذه النسب بكثير.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطلقت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) دراسة بعنوان "نقص السيولة وارتفاع الدين: عقبات على مسار التعافي في المنطقة العربية"، أشارت فيها إلى أنّ العقد الماضي شهد زيادة غير مسبوقة في الدين العام في المنطقة العربية.

وتشير الأرقام إلى أنّ نصف الديون العامة في المنطقة العربية تقريباً يقع على كاهل البلدان متوسطة الدخل، إذ ارتفع إجمالي الدين العام من 250 مليار دولار تقريباً إلى 658 مليار دولار بين عامي 2008 و2020.

نصف الديون العامة في المنطقة العربية تقريباً يقع على كاهل البلدان متوسطة الدخل، إذ ارتفع إجمالي الدين العام من 250 مليار دولار إلى 658 مليار دولار بين 2008 و2020

وحتى في دول مجلس التعاون الخليجي ذات الدخل المرتفع، تضاعف إجمالي الدين العام خمس مرات تقريباً، من نحو 117 مليار دولار في عام 2008، إلى حوالي 576 مليار دولار في عام 2020.

وتلفت الدراسة إلى أنّه على سبيل المثال، استدانت كلّ من مصر والأردن وتونس في عام 2020 فقط ما مجموعه 10 مليارات دولار من صندوق النقد لسد حاجاتها الملحة للسيولة خلال تداعيات جائحة كورونا.

المساهمون