القرض الاستهلاكي الجزائري: مشروع مهدد بتراجع الدينار وارتفاع الفوائد

القرض الاستهلاكي الجزائري: مشروع مهدد بتراجع الدينار وارتفاع الفوائد

23 أكتوبر 2021
الغلاء يسيطر على أسواق الجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

يعرف "القرض الاستهلاكي" الذي أطلقته الحكومة الجزائرية قبل خمس سنوات والموجه لتشجيع شراء المنتجات المحلية، عزوفاً كبيراً من طرف المواطنين، بسبب غلاء السلع وارتفاع نسب الفائدة، فيما لا تزال صيحات المختصين والخبراء مستمرة لإنقاذ هذه الصيغة من القروض التي تهدف حسب الحكومة إلى حماية القدرة الشرائية ودعم كل منتج حامل لوسم "صنع في الجزائر".

ولا تكاد تخلو واجهات المصارف ومحلات بيع الأدوات الكهرومنزلية أو الأثاث، من اللافتات المروجة للعروض المقدمة في إطار "القروض الاستهلاكية"، إلا أنه وحسب التجار فإن الإقبال على اقتناء السلع من طرف الجزائريين لا يزال بعيدا عن تطلعاتهم.

يقول جمال عبدلي، وهو مالك لمحل في شارع "الحميز" المشهور في الجزائر ببيع الأدوات والأجهزة الكهرومنزلية، إنه متشائم من مستقبل هذه الصيغة، "فالقدرة الشرائية للمواطن تنهار يوما بعد يوم، وحتى البيع بالتقسيط أصبح لا يغري الزبون".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أنه سيضطر إلى مراجعة الاتفاق الذي أبرمه مع البنك، في مسعى لخفض نسبة الفائدة على هذا القرض. من جانبه، يؤكد كمال بدر الدين، تاجر أثاث، أن عزوف المواطنين أصبح جليا، ففي الأسبوع الواحد يستقبل طلبا واحدا أو طلبين لاقتناء الأثاث من خلال الاستفادة من القرض الاستهلاكي، حتى عمليات الشراء العادية تقلصت، "فالمواطن الجزائري أصبح يحسب ألف حساب قبل أن يشتري أي شيء بفعل تدهور قدرته الشرائية و تراجع قيمة الدينار".

وكانت الحكومة الجزائرية قد أطلقت القروض الاستهلاكية سنة 2017، بعدما جمدت العمل بها عام 2009، للتحكم في الواردات وكذا مديونية العائلات، ويشترط الحصول على القرض الاستهلاكي شراء كل ما يُصنع أو يُجمع في الجزائر من أجهزة إلكترونية وكهرومنزلية، بالإضافة إلى الأثاث والهواتف الذكية وكذا السيارات على ألا يتعدى القسط الشهري، 30 في المائة من المداخيل الصافية للمقترض.

فيما تركت الحكومة الجزائرية تحديد نسبة الفوائد على القروض إلى البنوك الممولة لهذه الصيغة. ويقول وليد عموري، وهو موظف في دائرة الضمان الاجتماعي، إنه "لا يُعقل أن تكون نسبة الفائدة تفوق 7 في المائة على الأجهزة والسلع المقتناة، و بالتالي لا يمكن أن نحمي القدرة الشرائية للمواطن بزيادة ديونه".

فيما تشرح نعيمة، التي تشتغل في قطاع الاتصالات، أنها "قصدت هي وزوجها كافة البنوك المعتمدة بحثا عن عرض مغرٍ، إلا أنها فوجئت بنسبة الفوائد التي لا تقل عن 7 في المائة".

وتضيف لـ"العربي الجديد": "حتى البنوك الإسلامية وضعت شروطا تعجيزية على عروضها التي سوقتها على أنها قروض مرابحة". وكان الخبراء والمتتبعون لشأن الاقتصادي والبنكي في الجزائر قد توقعوا فشل "القروض الاستهلاكية " في إغراء الجزائريين وفق الصيغة التي طرحتها الحكومة الجزائرية.

ويرى الخبير المصرفي والمستشار الحكومي أمين بن صاولة أن "عزوف المواطنين كان منتظرا ومتوقعا منذ البداية، وذلك لعدة عوامل أولها نسب الفوائد، فكل قرض بنكي مرتبط بنسبة الفائدة ومدى تأثيرها على سعر السلعة، فإذا كان جهاز كهرومنزلي مثلا سعره 50 ألف دينار (364 دولاراً) فإن سعره سيرتفع إلى حوالي 70 ألف دينار (510 دولارات) بفعل احتساب نسبة الفائدة وتكاليف دراسة الملف من طرف البنك، فما بالك مثلاً بسعر السيارة".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "الحديث عن الفوائد الربوية لم يعد ذا أولوية عند الجزائريين، بل المهم عندهم اليوم كيف يحافظون على قدرتهم الشرائية، فكل التخوفات حول الربا من عدمها زالت عند الجزائريين مقابل تخوفهم من انهيار بات وشيكا لقدرتهم الشرائية بفعل تهاوي قيمة الدينار".

ويواصل الدينار الجزائري فقدان بريقه أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار، الذي سجل مستوى تاريخياً جديداً. وتعدى سعر الصرف عتبة 137 ديناراً للدولار الواحد، في التعاملات الرسمية عند بداية الشهر الحالي، بعد تسجليه 137.17 ديناراً، مواصلاً بذلك منحى التهاوي.

ويعتبر التراجع التاريخي للدينار في التعاملات الرسمية الخامس من نوعه في غضون شهرين، ففي 25 يوليو/ تموز المنصرم، سجل الدولار 135.09 ديناراً للدولار الواحد، ثم 135.41 ديناراً في 9 أغسطس/ آب المنصرم، ثم واصل الدينار تسجيل الأرقام القياسية بعدما سجل سعر الصرف الرسمي في 23 أغسطس/ آب المنصرم 135.88 ديناراً للدولار الواحد، وأخيراً 136.36 ديناراً للدولار الواحد في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، و136.9 ديناراً في 20 من نفس الشهر.

من جانبه، يقول مدير مكتب الدراسات الاقتصادية "ايكو ايتود" عمر شعبان لـ "العربي الجديد" إن "انطلاقة القروض الاستهلاكية كانت سيئة ووفق دراسة لا تتماشى مع الواقع، حيث لم تتم مراعاة نسبة التضخم ولا قيمة الدينار عند وضع آليات الاستفادة منه، وإذا كانت الحكومة الجزائرية تسعى فعلا إلى حماية "الإنتاج المحلي" كان عليها إعفاء مثل هذه القروض من الرسوم الإضافية وغيرها حتى ينزل السعر المرجعي، وبالتالي يكون القرض في متناول الجميع".

المساهمون