القارة العجوز تريد محاصرة استثمارات الصين في القارة السمراء

القارة العجوز تريد محاصرة استثمارات الصين في القارة السمراء

18 فبراير 2022
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس غانا نانا أكوفو أدو في بروكسل (Getty)
+ الخط -

شهدت العلاقة الأوروبية - الأفريقية تشنجات متعددة، وغير بعيدة عن تزايد النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني في القارة الأفريقية. ويحاول قادة دول الاتحاد الأوروبي، في لقاء قمتهم التي بدأت أمس الخميس وتستمر حتى اليوم الجمعة، مع قادة 40 دولة في أفريقية، تجسير الهوة بين الجانبين، من خلال عودة أوروبا إلى ضخ مئات المليارات في شرايين الاقتصاد الأفريقي، وخصوصاً في البنية التحتية الأفريقية.

ويأمل المجتمعون في بروكسل بأن تؤدي خطط تخصيص مئات مليارات اليوروهات في تحسين علاقة الجانبين، وبما يحفظ مصالح القارة العجوز واستغلال تراجع الشركات الصينية التي استثمرت المليارات في تطوير الطرقات وسكك الحديد، وغيرها من البنية التحتية في القارة الأفريقية.

وتركز عيون الأوروبيين على إصلاح العلاقة المتوترة مع جيرانهم في القارة السمراء، وذلك خدمة لمصالح الطرفين ولتجنب نشوب صراعات جديدة وخطيرة في القارة الأفريقية، وذلك في ظل مناخ تتراجع فيه الديمقراطية لمصلحة عودة الانقلابات العسكرية وتزايد مشكلة النمو السكاني غير المتلازمة مع تطوير اقتصادات الدول، هذا بالإضافة إلى قلق الأوروبيين من "تمدد التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة" ومن تدفق مستقبلي للمهاجرين نحو قارتهم.

وحملت الأشهر الأخيرة توترات جديدة بين الجانبين، وخصوصاً بين مالي والدنمارك، التي اضطرت لسحب قواتها بطلب من سلطات الانقلاب، وتلويح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسحب كل القوات الفرنسية من مالي وبقية دول الساحل.

واندفاع الأوروبيين نحو فتح محافظهم المالية لا يستهدف فقط مساعدة الأفارقة، بل أيضاً مساعدة أنفسهم، تحقيقا لمصالح أوروبية تتعلق برؤى حول الحد من مخاطر التغيرات المناخية والتي تحتاج فيها أفريقيا للوصول إلى موارد طبيعية تساهم في التحول الأخضر نحو طاقة مستدامة، وكذلك لتجنيب الأوروبيين الزحف الصيني الثابت من خلال مشاريع تتعلق بخطوط التجارة الضخمة التي أرادت بكين الاستثمار فيها على مدى السنوات العشر الماضية.

ورغم أن الأجواء بقيت متوترة منذ بدء موجة انقلابات القارة السمراء خلال السنوات الماضية يبدو أن أوروبا تستغل تعثر مشاريع الصين أخيراً في البنى التحتية، والتململ الأفريقي من الشروط القاسية التي تولدها استثمارات بكين وطرق سدادها.

ويطرح القادة الأوروبيون في اجتماعهم مع نظرائهم الأفارقة في بروكسل مشاريع استثمار هائلة في بنى تحتية تشمل السكك الحديدية والطرق وشبكات الجيل الخامس وكابلات الألياف وغيرها من المشاريع، أملاً في زيادة نفوذ المعسكر الأوروبي حول العالم.

وإلى جانب تلك الاستثمارات التي تأتي تحت مظلة مشروع "البوابة العالمية" Global Gateway، يضع الأوروبيون نصب أعينهم مواجهة استثمارات بكين التي ركزت على الجسور والطرقات، وبالتالي محاصرة هيمنة بكين موارد الدول الأفريقية.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد أعلنت، الأسبوع الفائت، عن أن أوروبا ستذهب لتركيز استثماراتها في أفريقيا خلال السنوات السبع القادمة "وخصوصاً في مشاريع البنية التحتية"، وأضافت: "في هذا المجال فإن أوروبا هي الشريك الأكثر موثوقية لأفريقيا"، مؤكدة على أن الأموال ستكون من الخزائن العامة للدول ومن مستثمري القطاع الخاص.

وحسب ما صرح رئيس مؤسسة أبحاث برنتهارست الجنوب أفريقية Brenthurst Foundation ريشارد مورو للتلفزيون الدنماركي، أمس الخميس، فإن البوابة العالمية تعتبر "أفضل أداة لتحسين الأمن في أفريقيا".

وأضاف مورو أن "الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تلك الأداة لتحقيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا، والتي تعد الآن أفضل حماية للاتحاد الأوروبي ضد جميع التحديات الأمنية التي يمكن رصدها في القارة الأفريقية"، واعتبر أيضاً أن السياسة السابقة "بنشر القوات في مكان والمساعدة الإنمائية في مكان آخر" لم تكن مفيدة في مساعدة الاتحاد الأوروبي حقاً"، ولكن من "المأمول أن تتمكن البوابة العالمية من القيام بذلك"، على حد قوله.

وستطرح القمة الحالية، وهي السادسة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، على طاولات النقاش، اليوم الجمعة، عدداً من القضايا المتعلقة بالمناخ واللاجئين وسياسات الهجرة في القارتين.

ويقود عدد واسع من الشركات والمستثمرين الأوروبيين المساعي المكثفة للضغط على ساسة بروكسل لالتقاط الفرص الناشئة عن تراجع الصين، بحسب تقرير لـ"بوليتكو أوروبا" أول من أمس، وانتشار شكوك أفريقية بمآرب استثمارات بكين.

وينشأ التعويل على نجاح الاستثمار الأوروبي من أن الشركات الصينية عادة ما تُحضر اليد العاملة من الصين لتنفيذ مشاريعها وتسييرها، بينما الأوروبيون يعتمدون أكثر على توفير الفرص للعمال المحليين في الدول الأفريقية، وهو ما ركز عليه أيضاً مدير مكتب "الصناعات الدنماركية" في شرق أفريقيا كلاوس لين كريستنسن باعتماد مستثمري أوروبا على المهارات المحلية الأفريقية بدل الأوروبية.

وأثار أحد أكبر مشاريع بكين في أوغندا، وهو عبارة عن أطول طريق سريع بين عاصمتها كمبالا والمطار، سجالاً وتحفظاً أفريقياً حول مآرب الصين من استثماراتها، وذلك بعدما توالت الضغوط الكبيرة لاسترجاع القروض لتنفيذ ذلك المشروع، ومن خلال فرض رسوم هائلة على استخدامه، ما أثار أيضاً توسع رفض وجود الصينيين الذين لا يساهمون في خفض البطالة في دول الاستثمار.

ويتعلق أحد أهم جوانب التعاون بين أفريقيا وأوروبا بالمواد الخام المرتبطة بإحداث ثورة الانتقال الأخضر وربطها بمشاريع التغيرات المناخية، حيث تحتاج أوروبا إلى مواد الليثيوم والنحاس والكوبالت ومعادن هامة أخرى تحاول الصين منذ زمن احتكارها في القارة الأفريقية، وذلك قبل أن تنشأ حالة "جفاف تدفق الأموال الصينية" خلال الأعوام القليلة الماضية "بالتزامن أيضا مع زيادة الشكوك لدى حكومات أفريقيا من أهداف الهدايا الصينية لدولهم على شكل استثمارات"، بحسب ما صرح كريستنسن للصحافة الدنماركية.

في كل الأحوال، ينتظر الطرفان الأوروبي والأفريقي فرصا كثيرة للاتفاق العملي على ضخ الاستثمارات الهائلة، التي تحدثت عنها فون ديرلاين قبيل القمة، رغم أن بعض الدول الـ55 المكونة للاتحاد الأفريقي لن تكون مشمولة بضخ الأموال الأوروبية، وذلك بسبب الانقلابات العسكرية وتعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي، مثل مالي وبوركينا فاسو والسودان.

ولا يعرف على وجه الدقة ما إذا كان الأوروبيون، وخصوصا ألمانيا والدول الاسكندينافية، سيلتزمون بمعاييرهم التي عبروا عنها ونصت على أن سياستهم الخارجية والمساعدات التنموية الدولية "ستعتمد أكثر على القيم والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية".

ويشهد العالم تحولات مهمة خلال العقود المقبلة ستزداد فيها الحاجة للمعادن والموارد الطبيعية التي تمتلكها القارة الأفريقية، ومن المتوقع أن يقود ذلك إلى حدوث نمو اقتصادي كبير في القارة الأفريقية.

ونشرت مؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز" للخدمات المهنية الدولية في لندن تقريراً بعنوان "العالم في عام 2050"، توقعت فيه أن تحقق اقتصادات الأسواق الصاعدة الكبرى نمواً بوتيرة أسرع مرتين مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.

ويتوقع التقرير صعود بعض الدول في العالم النامي، من بينها دول أفريقية مثل نيجيريا، في مراتب متقدمة ضمن أكبر اقتصادات العالم في العقود الثلاثة المقبلة.

وقال التقرير: تحدثنا إلى سكان البلدان الخمسة التي يتوقع أن تشهد نموا استثنائيا في العقود المقبلة، لنرى مدى تأثير التغيرات المتسارعة على حياتهم، وما هي المزايا التي تعود عليهم من العيش في هذه البلدان والتحديات التي ستواجههم في حال صعودها لتصبح ضمن الاقتصادات الكبرى.

المساهمون