استمع إلى الملخص
- تواجه بريطانيا أزمة في سوق الإيجارات، حيث تباطأ نمو الإيجارات الجديدة، لكن الضغوط على المستأجرين مستمرة. زيادة الأسر الأكبر سنًا المستأجرة قد تؤدي إلى ظروف سكنية غير مستقرة، مما يزيد الضغط على المالية العامة.
- التضخم المرتفع في قطاع الخدمات يعقد مسار السياسة النقدية لبنك إنكلترا. تنمو الإيجارات بوتيرة أسرع من الأجور، مما يخلق فجوة في القدرة على تحمل التكاليف، وانخفض عدد المقيمين الأجانب الأثرياء بسبب تغييرات في السياسات الضريبية.
في وقت لا تزال حكومة كير ستارمر تدور في حلقة مفرغة من العجز والمديونية العامة، يحذر خبراء في بريطانيا من أن الارتفاع المفاجئ في معدل التضخّم البريطاني إلى 3.6% في يونيو/حزيران الماضي يعكس عوامل حقيقية لا يمكن ردّها إلى ضوضاء مؤقتة في الأرقام، ومن هؤلاء كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة لدى مؤسسة "بانثيون ماكرو إيكونوميك"، روب وود، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "تضخّم الخدمات لا يزال يتجاوز بكثير المعدلات المتوافقة مع هدف التضخّم، حيث ساهمت تذاكر الطيران وأسعار الإقامة وخدمات الترفيه، المدفوعة جزئيًا بتكاليف الأجور في رفع المستوى العام للأسعار".
وأشار وود إلى أن بعض مكونات هذا الارتفاع، مثل أسعار المواد الغذائية والكحول، شهدت تسارعًا كبيرًا، بينما أظهرت مؤشرات التضخم الأساسي بعد استبعاد الإيجارات والعطلات الخارجية والعناصر المتقلبة، استقرارًا مقلقًا عند نطاق 4.3%، وهو أعلى مما يجب لبلوغ هدف التضخم البالغ 2%. وأضاف: "نعلم أن لجنة السياسة النقدية لن تعتبر ارتفاع التضخم بمقدار 150 نقطة أساس فوق الهدف أمرًا يمكن تجاوزه بسهولة، خصوصًا بعد سنوات من الفشل في تحقيق الاستقرار السعري، ما يعزز المخاوف من انزلاق التوقعات التضخمية".
وعلى الرغم من ذلك، يرى وود أن البيانات المنتظرة لسوق العمل، وتحديدًا أرقام الرواتب لشهر يونيو/حزيران، ستكون العامل الحاسم في تحديد مسار تخفيض أسعار الفائدة، موضحًا أن "أي انخفاض حاد جديد في التوظيف قد يفتح المجال أمام خفض أسرع للفائدة، بينما ستُضعف مراجعة إيجابية لأرقام مايو/أيار هذه الفرضية، وتؤيد النهج الحذر الذي تتبناه اللجنة في الوقت الراهن".
هل تواصل بريطانيا خفض الفائدة؟
بدوره، يرى كبير اقتصاديي المملكة المتحدة في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، بول دايلز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الارتفاع المفاجئ في التضخّم قد لا يمنع بنك إنكلترا من المضي قدمًا في خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال آب/أغسطس المقبل، رغم أنه يعزّز الضغط نحو نهج أكثر حذرًا في الوتيرة. وأوضح أن استمرار ارتفاع تضخّم الخدمات عند 4.7%، وتجاوز تضخّم الأغذية 4.5%، يعكس ضغوطًا تضخمية "عنيدة" مدفوعة جزئيًا بنقل الشركات لتكاليف زيادة الأجور والمساهمات التأمينية إلى الأسعار النهائية، مشيرًا إلى أن مؤشرات الأسعار المرتبطة بالأغذية والملابس قد ترتفع أكثر خلال الشهور المقبلة.
ومع ذلك، توقّع أن يبقى التضخّم عند مستويات مرتفعة نسبيًا حتى نهاية العام، على أن يبلغ ذروته عند 4% في أيلول/سبتمبر. ورأى دايلز أن ضعف سوق العمل سيحدّ من تأثير هذا الارتفاع على الأجور، بخلاف ما حدث في الفترة بين عامي 2021 و2023، مضيفًا أن بيانات سوق العمل التي ستصدر قريبًا ستكون حاسمة في ترجيح كفّة الاستمرار في خفض الفائدة أو التريث.
تفاقم أزمة السكن والإيجارات
في جانب معيشي آخر مهم، اعتبرت الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة "ريزولوشين فاونديشين"، فليشيا أودامتن، أن وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة لن تؤثر بشكل مباشر على الضغوط التي يواجهها المستأجرون من القطاع الخاص. وقالت لـ"العربي الجديد" أن "من النتائج المباشرة التباطؤ الحاد في نمو إيجارات المستأجرين الجدد، مما يعني أن نمو الإيجارات الخاصة سيستمر في التراجع، بغض النظر عما يحدث لأسعار الفائدة".
وأضافت أن "الزيادة الحادة في عدد الأسر الأكبر سنًا في سن العمل التي تستأجر من القطاع الخاص قد تكون لها عواقب وخيمة، لا سيما وأن هذه الفئة من غير المرجح أن تصبح مالكة منازل. ومن المرجح أن يعني ذلك تزايد عدد المتقاعدين الذين يعيشون في ظروف سكنية غير مستقرة، ويتلقون دعمًا من إعانة الإسكان لدفع إيجاراتهم، مما سيزيد الضغط على المالية العامة".
ومن جهته، رأى ديفيد هولينغوورث، مدير الاتصالات في شركة "إل آند سي للرهون العقارية، أن الارتفاع غير المتوقع في معدّل التضخّم إلى 3.6% في حزيران/يونيو قد يكون كافيًا لإبطاء الزخم النزولي الذي شهدته أسعار الرهن العقاري في الأشهر الماضية، دون أن يدفعها إلى الارتفاع مجددًا بالضرورة. جاء ذلك في رده على استفسارات "العربي الجديد". وأوضح أن "المقرضين كانوا سريعين في عكس توقعات الأسواق بخفض أسعار الفائدة من خلال تحسين عروض القروض الثابتة"، مضيفًا أن "بيانات التضخّم الأخيرة قد تختبر ثقة الأسواق، لكنها لم تُضعفها كثيرًا حتى الآن، خاصة في ظل بيانات النمو الضعيفة وسوق العمل المتراجعة".
وأشار إلى أن "التخفيضات الأخيرة على معدلات القروض كانت متكررة ولكنها صغيرة"، متوقعًا أن "تتباطأ وتيرتها قليلًا بعد بيانات حزيران/يونيو، من دون أن يعني ذلك انعكاسًا في الاتجاه العام". ولفت هولينغوورث إلى أن الأسعار الثابتة لا تتبع مباشرة قرارات بنك إنكلترا، بل تتأثر أكثر بتوقّعات الأسواق لمسار الفائدة، موضحًا أن "المنافسة بين المقرضين تدفعهم إلى تقديم أسعار حادة، لكن أي تغيّر في المزاج العام تجاه التضخّم قد ينعكس سريعًا على تلك العروض". وختم بالقول إن "الرسالة للمقترضين واضحة: قد يكون من الأفضل تأمين سعر ثابت جيّد الآن مع خيار مراجعته قبل التفعيل، تحسّبًا لأي تغيّر محتمل في الاتجاهات الحالية".
الأسواق تترقب بنك إنكلترا
أما جيمس سميث، كبير الاقتصاديين في شؤون الأسواق المتقدمة لدى مؤسسة "آي إن جي" المالية (ING)، فرأى في تحليل أرسله ردًا على استفسارات "العربي الجديد"، أن البيانات الجديدة "تضع عتبة مرتفعة أمام أي تسريع في وتيرة خفض أسعار الفائدة"، مشيرًا إلى أن التضخّم في قطاع الخدمات لا يزال "مرتفعًا على نحو غير مريح" بالنسبة لبنك إنكلترا، وهو ما يعقّد مسار السياسة النقدية في المدى القريب.
وفي سياق موازٍ، سلّط تقرير جديد صادر عن مؤسسة القرار، في 16 يوليو/تموز الضوء على استمرار الضغوط في سوق الإيجارات الخاصة، رغم تباطؤ النمو السنوي للإيجارات إلى 6.7% في يونيو، مقارنة بـ7% في مايو. ولفت التقرير إلى أن الإيجارات لا تزال تنمو بوتيرة أسرع من الأجور، إذ ارتفعت بنسبة 24.2% منذ مايو 2022، مقابل ارتفاع الأجور بنسبة 18.6% فقط خلال الفترة ذاتها، ما أحدث "فجوة في القدرة على تحمّل التكاليف" تعادل نحو 720 جنيهًا إسترلينيًا سنويًا على كاهل الأسر المستأجرة.
هروب أثرياء من بريطانيا
انخفض عدد المقيمين الأجانب الأثرياء في المملكة المتحدة، الذين يطالبون بمعاملة ضريبية تفضيلية على دخلهم ومكاسبهم في الخارج، بنسبة 0.5% العام الماضي، مع سعي صانعي السياسات إلى إلغاء هذا النظام. وفقاً للأرقام الأولية التي نشرتها هيئة الضرائب الوطنية، الخميس، ناهز عدد المقيمين الأجانب ما يقارب 73700 في السنة الضريبية المنتهية في الخامس من إبريل/نيسان 2024، بانخفاض عن 74100 في الاثني عشر شهراً السابقة.