الغلاء يزيد معاناة التونسيين: شكاوى من ندرة السلع وتحذير من الأسوأ

الغلاء يزيد معاناة التونسيين: شكاوى من ندرة السلع وتحذير من الأسوأ

10 ديسمبر 2022
ترتفع الأسعار عادة بعد شح السلع (Getty)
+ الخط -

"كنت مستعداً لدفع ضعف ثمن علبة حليب من أجل أن أوفر هذه المادة الأساسية لأطفالي، غير أني قضيت أكثر من ساعة أتنقل بسيارتي بين الأحياء في مدينتي ولم أعثر على ليتر واحد". هكذا يصف محمد الطرفاوي (42 عاما) معاناته في البحث عن الحليب، الذي اختفى من أسواق تونس بعد أزمة إنتاج هوت بالمعروض في كل محافظات البلاد، بما في ذلك تلك المنتجة للألبان.

يقول محمد لـ"العربي الجديد" إن "كل المواد التي اختفت من الأسواق عادت بأسعار أعلى بنسبة لا تقل عن 20 في المائة"، مؤكدا أن أغلب الأسر لم تعد تهتم للأسعار بقدر اهتمامها بتوفر السلع. ويرى أن من يحكمون السوق يعتمدون سياسات جديدة لتعويد المواطنين على الغلاء، في انتظار قفزة مرتقبة بداية العام المقبل مع بدء تطبيق الرفع التدريجي للدعم.  ويصف المواطن الأربعيني ما يعيشه التونسيون بما يشبه الحرب النفسية التي تدمّر جيوبهم وحياتهم، نتيجة الضغوطات المعيشية التي يعانونها وتوسّع دائرة المواد المختفية من السوق.

هكذا، تفرض السوق أحكامها الجديدة على التونسيين الذين صاروا أكثر تقبلا للغلاء مقابل توفير سلع أساسية اختفت من السوق بسبب المضاربة والاحتكار، حسب التبريرات الرسمية.

وتعرف أسواق تونس نقصا غير مسبوق في مواد أساسية، غالبا ما تختفي من الأسواق لتعود مجددا بأسعار أغلى يقبلها المواطنون على مضض حين تغيب الخيارات البديلة. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، سجّل التضخم أعلى مستوياته منذ ثلاثة عقود ببلوغه نسبة 9.2 في المائة، وهي نسبة مرجحة للزيادة مدفوعة بالتعديل الأخير لأسعار المحروقات بنسبة 7 في المائة وبدء تطبيق تعريفات جديدة لخدمة النقل الفردي بداية من 15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وتكشف البيانات الرسمية لمعهد الإحصاء الحكومي الخاصة بالتضخم السنوي أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 15,1 في المائة خلال شهر واحد (نوفمبر) مقابل 12.3 في المائة قبل شهر واحد. ويرجح المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن يكون عام 2023 الأصعب على التونسيين، مؤكدا أن كل ما سبق من زيادات في الأسعار واختفاء للسلع هو تمهيد لمرحلة جديدة ستكون قاسية اجتماعياً.

ويقول بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن المقايضة بين الغلاء وتوفر السلع أصبحت أمراً مكشوفاً، مؤكداً أن هذه الممارسات ستصعّد الاحتقان الاجتماعي وترفع نسق الاحتجاجات ذات الطابع المعيشي إلى مستويات قياسية خلال الأشهر المقبلة. ويتحدّث بن عمر عن غياب مؤشرات لاحتواء الأزمة وبوادر جادة لخفض الأسعار، متوقعا المزيد من الغلاء عقب التعديل الأخير لأسعار المحروقات التي تعد المحرك الأساسي لكل الأنشطة الاقتصادية، وفق قوله. ويوافق الناطق الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أن ندرة السلع تجعل المواطنين أكثر تقبلا للغلاء.

ويتهم الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي الحكومة باعتماد سياسة "التحايل" على المواطنين، معتبرا أن إخفاء مواد أساسية وإعادة ضخها في الأسواق بأسعار مرتفعة سياسة رسمية تعتمدها السلطات لزيادة الأسعار.

ويحذّر الطبوبي في خطاب عام نظمته جامعة النقل أخيراً "من معركة اجتماعية على خلفية الزيادات الأخيرة في الأسعار"، ويشدد على أن من حق الشعب معرفة تفاصيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ويعتبر الأمين العام للنقابة العمالية الأكثر تمثيلا في تونس أن "الحكومة تتحايل على المواطنين في رفع الدعم، مضيفاً: "حول الدعم، أقول إنه رُفع بطرق ملتوية بالزيادات في الطاقة وغيرها".

والأربعاء الماضي، أقرت الحكومة التونسية زيادة في أسعار المحروقات، هي الخامسة خلال العام الحالي، في إطار برنامج تعديل أسعار البترول. ويواجه الاقتصاد التونسي أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي، بسبب عدم الاستقرار السياسي منذ ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتداعيات جائحة كورونا، وسط مطالبات للسلطات بالقيام بإصلاحات اقتصادية.

وتشهد العلاقة بين الحكومة واتحاد الشغل توترات، ارتفعت حدتها مع خوض الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد للدخول في برنامج إصلاحات اقتصادية. ويترقب التونسيون بقلق كبير مشروع موازنة 2023، التي ستكشف ملامح السياسات الاقتصادية العامة القادمة مع بدء المرحلة الأولى في التحول من دعم المواد الأساسية نحو التعويض المادي المباشر.

في المقابل، دعت هيئة الخبراء المحاسبين التونسية وزارة المالية إلى عدم اعتماد إجراءات في مشروع قانون المالية لعام 2023، من شأنها الترفيع في الضغط الجبائي ونسبة التضخم وإثقال كاهل المواطنين والمؤسسات بأعباء إضافية والتأثير على المقدرة الشرائية ومناخ الأعمال والاستثمار. وأكدت الهيئة في بيان لها، صدر الإثنين، ضرورة أن يتضمن مشروع قانون المالية للعام المقبل إجراءات تكون منطلقا حقيقيا لإصلاح ضريبي جبائي عميق وشامل.

المساهمون