الغزو الروسي لأوكرانيا يهدد حركة نقل البضائع إلى ألمانيا وأوروبا

الغزو الروسي لأوكرانيا: أزمة إمدادات جديدة تهدد نقل السلع إلى ألمانيا وأوروبا

02 مارس 2022
العقوبات الاقتصادية على روسيا بدأت ترخي بظلالها على المجتمعات الأخرى (Getty)
+ الخط -

بعد مرور أيام قليلة على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت تظهر مشاكل النقل والخدمات اللوجستية في ألمانيا، خاصة فيما يتعلق بالسلع والبضائع اليومية، وذلك بسبب اختناقات الإمداد في حركة الشاحنات وإغلاق المجال الجوي بعد العقوبات على موسكو، إضافة إلى الانقطاعات في حركة قطارات الشحن.

ويشير ذلك إلى أن العقوبات الاقتصادية على روسيا بدأت ترخي بظلالها أيضا على المجتمعات الأخرى، في ظل عدم استعداد البنوك والشركات لتلك التغيرات السريعة، والتي لم تحدث منذ عقود بهذا الشكل والشمول.

أزمة قطارات الشحن من الصين

صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية أكدت في تقرير لها أنه بات من غير المؤكد تدفق حاويات السكك الحديدية من الشرق الأقصى، وذلك بعد انقطاع خط النقل من الساحل الشرقي للصين إلى الغرب منذ غزو القوات الروسية لأوكرانيا.

وأشارت الصحيفة إلى مخاوف إضافية تتعلق باحتمالات توقف الإمدادات الصينية أيضا عبر الطريق الشمالي المار بروسيا البيضاء، وهو ما ينذر بكبوة لطرق الشحن عبر القطارات بعد الطفرة التي شهدتها خلال الأعوام القليلة الماضية.

يضاف إلى ذلك مخاوف تتعلق بالهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تخرج اتصالات القطارات عن الخدمة، والعقبات المحتملة التي ستواجه آلية الدفع في المستقبل. 

وأفادت الصحيفة نقلا عن أحد المديرين في ميناء ديسبورغ الألماني، أن الصين سيكون لديها مصلحة في الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة تشغيل المسار.

تعطل الشحن الجوي

ونوهت الصحيفة أيضا لأزمة الشحن الجوي، وهي مرتبطة بتداعيات العقوبات على موسكو بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أغلق الاتحاد الأوروبي مجاله الجوي أمام الخطوط الروسية وهو ما ردت عليه موسكو بحظر الطيران الأوروبي من التحليق في أجوائها.

ووفق متحدثة من شركة "لوفتهانزا" أكبر شركات الطيران الألمانية، فإن أزمة الشحن الطارئة تلك ستدفع الشركات للبحث بشكل عاجل عن بدائل سريعة، بينها التحليق جنوبا للرحلات المتجهة إلى آسيا لتفادي المجال الجوي لأكبر دولة في العالم من حيث المساحة.

وأضافت المتحدثة أن تعديل خطط ومسارات الرحلات الجوية من أوروبا الوسطى إلى اليابان وكوريا والصين سيستغرق أحيانا عدة ساعات إضافية كما ستقل نسبة الشحن بنسبة 20% .

في المقابل، فإن شركة النقل الجوي الروسية "فولغا دنيبير"، والتي لها مقر في مطار "لايبزيغ" الألماني وتمتلك نحو 10 طائرات شحن كبيرة من طراز انتونوف 124 ستكون أمام تحديات كبيرة. 
وفي سياق متصل، قال خبير الشحن يواخيم فون فينيغ  في لقاء مع شبكة "ايه ار دي" الإخبارية، إن المسافات إلى آسيا ستزداد طولا، يتزامن معه ارتفاع أسعار وقود الطائرات مع ارتفاع أسعار النفط كأحد تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما سيرفع أسعار الشحن الجوي في ضوء المشاكل المتزايدة في حركة الشحن البحري بسبب الأزمة ذاتها.

وكانت الشبكة قد أكدت في تقرير لها أن حركة الملاحة البحرية ستتأثر أيضا بتداعيات الأزمة، حيث توقعت أن يشهد ميناء هامبورغ ضعفا في حركته سيما وأنه توجد حاليا 10 رحلات بحرية بين أحد أهم المرافئ الأوروبية وروسيا، سبع منها إلى سان بطرسبورغ، وثلاث إلى كالينيغراد. 
علاوة على ذلك تفيد التقارير، بأن الطائرات الروسية تقطعت بها السبل في المطارات الألمانية، حيث كان بعضها محملا بالبضائع كالأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى، التي كان من المفترض شحنها إلى المدن الروسية من مراكز الشحن الألمانية في فرانكفورت ولايبزيغ.

وتوقعت بعض التحليلات أن تتحايل بعض شركات الشحن الروسية كمجموعة "فولغا دنيبر" لإعادة تسجيل فروعها في دول أوروبية كبريطانيا وألمانيا من أجل تفادي العقوبات، لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، قطعت السبيل أمام هذا الاحتمال بالتأكيد على أن العقوبات تنطبق على كل الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها أو مسجلة أو تحت إدارة ورقابة روسيا. 

وأمام ذلك، يرى خبير الطيران غيرالد فيسيل أن هناك فرصا تجارية كبيرة لشركات الطيران العربية الكبرى مثل الإماراتية والقطرية التي ستستمر كما الصين في استخدام المجال الجوي الروسي، وحيث لا يتعين عليهم تغيير مساراتهم مع الشرق الأقصى، بينما من المرجح أن تحول الشركات الأميركية مساراتها إلى المحيط الهادئ.

نقص سائقي الشاحنات

من جهة ثانية، تفيد التقارير الاقتصادية بتناقص هائل بين سائقي الشاحنات لدى شركات النقل في عدة دول مثل ألمانيا وبولندا وليتوانيا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتوظف شركة هيلمان والتي تملك حوالي 6000 شاحنة تعمل بأغلبيتها بين دول أوروبا الشرقية آلاف الأوكرانيين، كما أن الشركات البولندية توظف نحو 103 آلاف سائق أوكراني، بالإضافة إلى 22 ألفا من بيلاروسيا. 
وفي الاطار، وبحسب المتحدث باسم الاتحاد الفيدرالي الألماني للخدمات اللوجستية توماس هانشه، فإنه ومع اندلاع الحرب غادر سائقون أوكرانيون إلى بلدهم لمساندة عائلاتهم أو للقيام بدعم قوات بلادهم.

وأشارت "هاندلسبلات" إلى أن العديد من السائقين الأوكرانيين توقف عن العمل فورا، حتى أن بعضهم ترك الشاحنات إلى جانب الطرقات وتركوا مفاتيحها في محطات الوقود على الطرق السريعة، مشيرة إلى صعوبة عودتهم بعد قرار الحكومة الأوكرانية بعدم السماح لمن هم في سن العمل بمغادرة البلد بسبب التعبئة والدفاع الوطني.

أزمة الشحن البحري

من جهة ثانية، يبرز خطر حدوث نقص موظفي الشحن البحري، فوفقا لحسابات غرفة الشحن الدولية فإن 14,5% من جميع البحارة يأتون من أوكرانيا وروسيا. وفي الوقت نفسه، أوقفت شركات شحن الحاويات مثل "هاباك لويد" و"ميرسك" و"سي ام اي سي جي ام " و"ام اس سي" عن الإبحار للموانئ الأوكرانية بسبب الغزو الروسي، حتى أن شركة "اتش اتش ال اي" لتشغيل المحطات ومقرها هامبورغ اضطرت إلى إرسال موظفيها والبالغ عددهم 480 موظفا إلى منازلهم مع بداية الغزو، كما يتم حاليا، تحويل معظم سفن الحاويات إلى ميناء "كونستانزا" الروماني أو "بيرايوس" في اليونان. 
وفي القطاع الزراعي تبرز الخشية من أن تؤدي الحرب والعقوبات إلى اختناقات شديدة في الإمدادات، خاصة وأن أوكرانيا توصف بمخزن حبوب أوروبا، ويمكن أن تهدد الحرب بتعريض المحاصيل والحصاد للخطر في الموسم الحالي.

كانت أوكرانيا قد حققت موسما قياسيا لحصاد القمح بلغ 33 مليون طن، قامت بتصدير نحو 24 مليون طن منه للأسواق الأوروبية والدولية. 

وفي إطار ذلك، توقع مدير "يوروسيوتش" لإدارة الأصول، توماس بوكلمان أن تنخفض عمليات التسليم المقبلة بشكل كبير، إما بقرار من روسيا أو احتراق المحاصيل بسبب العمليات الحربية، أو من خلال العقوبات، محذرا من أن ضعف الإنتاج وعمليات التسليم، قد يؤدي لمجاعات في المناطق الفقيرة كأفريقيا، كما أن الفقراء قد لا يتحملون الزيادات المتوقعة في أسعار السلع الضرورية والإستراتيجية لهم كالحبوب والواردات الغذائية.

المساهمون