الغاز الروسي يطوّق المستهلكين في ألمانيا...والتحول نحو قطر ليس سهلاً

الغاز الروسي يطوّق المستهلكين في ألمانيا... والتحول نحو قطر ليس سهلاً

11 ابريل 2022
مصنع صلب في مدينة أيزنهويتنشتات شرقيّ ألمانيا (فرانس برس)
+ الخط -

رغم التحركات الواسعة التي انتهجتها ألمانيا لاستبدال الغاز الروسي، إلا أنها تواجه العديد من الصعوبات في الوصول إلى أهدافها في الوقت القريب، ولا سيما ما يتعلق باستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر واحتياج بنيتها التحتية إلى استعدادات لاستقبال هذه النوعية من الغاز.

قبل نحو ثلاثة أسابيع، أعلن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، أن بلاده توصلت إلى شراكة طويلة الأمد مع قطر في مجال الطاقة، حسبما أفادت شبكة "إيه.آر.دي" الإخبارية الألمانية، من دون الخوض في تفاصيل طبيعة هذه الشراكة أو كميات الغاز التي ينتظر استيرادها من قطر.

لكن محللين ألماناً، أشاروا إلى صعوبة زيادة الإمدادات من قطر في ظل التعاقدات الفعلية للدولة الخليجية مع زبائنها، خاصة الدول الآسيوية، وفق صحيفة هاندلسبلات الألمانية، مشيرة في تقرير لها إلى أن قطر باعت ما بين 90% إلى 95% من الإنتاج بعقود طويلة الأجل لتلك الدول، وأن الشراكة معها تحتاج إلى تخطيط طويل الأمد.

محللون ألمان، أشاروا إلى صعوبة زيادة الإمدادات من قطر في ظل التعاقدات الفعلية للدولة الخليجية مع زبائنها، خاصة الدول الآسيوية

ولفتت صحيفة فرانكفورتر الألمانية إلى ضرورة أن تكون البنية التحتية للغاز المسال جاهزة في ألمانيا، ولا سيما أن التقارير تشير إلى أن بناء محطة للغاز المسال يستغرق عادة حوالي خمس سنوات.

لكن هناك من يرى أنّ بالإمكان إنشاء هذه المحطات في فترة تصل إلى نحو 18 شهراً في حال الرغبة في الإسراع في استيراد الغاز المسال، حيث قررت ألمانيا بناء محطتين في مدينتي برونسبوتل وبريمرهافن شماليّ البلاد، حيث يمكن أن ترسو الناقلات في الموانئ.

وفي مقابل هذه التصورات، قالت البروفيسورة انكه فايدليش من معهد النظم التقنية المستدامة في جامعة ألبرت لودفيغ فرايبورغ في تصريحات لصحيفة هيسيشه نيدرزكزيشه تسايتونغ، إن "الأمر سيستغرق وقتاً، لكونه يجب تحويل البنية التحتية بالكامل ومراجعة عقود التوريد السابقة لدولة قطر، عدا عن أن ألمانيا ليس باستطاعتها استيراد الغاز المسال لأنها لا تملك المحطات التي يُعاد فيها تحويل الغاز المسال إلى الحالة الغازية".

في السياق، قال المدير التنفيذي لاتحاد صناعة الطاقة والمياه البافارية ديتليف فيشر، في مقابلة مع موقع ميركورأون لاين، إن "محطات استقبال الغاز المسال ظلت محل جدل سياسي واقتصادي لسنوات، ويتطلب إنشاؤها وقتاً للتخطيط والموافقة والبناء، كما تحتاج مبالغ مالية باهظة".

وعلى الجانب القطري، كانت قطر للطاقة قد ذكرت في بيان لها في 21 مارس/آذار الماضي، أن "النقاشات مع الشركات الألمانية بخصوص توريد الغاز الطبيعي المسال القطري إلى ألمانيا تعود لعدة سنوات، ومع ذلك لم تتجسد هذه المناقشات في اتفاقيات نهائية بسبب الافتقار إلى الوضوح بشأن الدور طويل الأجل للغاز في مزيج الطاقة في ألمانيا من جهة والبنية التحتية اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من جهة ثانية".

يضع استبدال الغاز الروسي ألمانيا في مأزق. إذ يعتمد أكبر اقتصاد في أوروبا على تلك الإمدادات بنسبة 49% لتدبير احتياجاتها، بينما ما يقرب من ثلث احتياجاتها يصل من النروج

لذا، يضع استبدال الغاز الروسي ألمانيا في مأزق. إذ يعتمد أكبر اقتصاد في أوروبا على تلك الإمدادات بنسبة 49% لتدبير احتياجاتها، بينما ما يقرب من ثلث احتياجاتها يصل من النروج وكميات صغيرة من هولندا.

ونهاية مارس/آذار الماضي، فعّلت ألمانيا المستوى الأول من خطة طارئة لضمان توفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك للصحافيين، إنّ هذه الخطة الطارئة تشمل ثلاثة مستويات إنذار، وفي هذه المرحلة إن "أمن الإمدادات" بالغاز مضمون في ألمانيا والخزانات ممتلئة حالياً بنسبة 25%.

وتابع أنّ "الغاز والنفط يصلان حالياً وفقاً للطلبيات" و"الإجراء المتخذ مسألة وقائية"، مشيراً إلى أنّ وقف التسليم ستكون له "تداعيات خطيرة"، لكنّ ألمانيا "ستتمكن من مواجهتها".

وعلى صعيد القارة الأوروبية بشكل عام، تظهر البيانات أن قطر توفر نحو 5% فقط من إمدادات الغاز إلى أوروبا، لكن وفق أندرياس لوشيل، رئيس اقتصاديات البيئة والموارد في جامعة الرور في بوخوم، إحدى أكبر الجامعات الألمانية، فإنه في الأشهر القليلة الماضية زاد حجم شحنات الغاز المسال بأكثر من 65% مقارنة بالعام السابق.

وفي خضم إدراك صعوبة استبدال الغاز الروسي في الأمد القريب، قال وزير الاقتصاد الألماني في تصريحات لشبكة "إيه ار دي" الإخبارية أخيراً، إن بلاده ستستمر في الاعتماد على الغاز الروسي في الشتاء المقبل، موضحاً أنه "على الرغم من كل الجهود نحتاج إلى فترة طويلة نسبياً لتصحيح الأخطاء الاستراتيجية التي حدثت في العقود القليلة الماضية، وهذا لا يمكن حدوثه في غضون أسابيع".

وفي تقرير لها في وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى أن انتقال الأوروبيين إلى موردين آخرين أو التوجه نحو المزيد من مصادر الطاقة المتجددة سيكون مكلفاً ومؤلماً، بشكل عام، وسيعاني الأوروبيون لبضع سنوات على الأقل بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع النشاط الاقتصادي الناجم عن نقص الإمدادات.

نيويورك تايمز الأميركية: انتقال الأوروبيين إلى موردين آخرين أو التوجه نحو المزيد من مصادر الطاقة المتجددة سيكون مكلفاً ومؤلماً، بشكل عام

وتُظهر البيانات الواردة من وكالة الاتحاد الأوروبي لتعاون منظمي شؤون الطاقة، أن العديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل حصري على الغاز الروسي، ويبرز في هذا الجانب: جمهورية شمال مقدونيا والبوسنة والهرسك ومولدافيا.

كذلك إنّ الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، بلغ نسبة تجاوزت الـ 90% بالنسبة إلى فنلندا ولاتفيا، بينما وصل إلى 89% بالنسبة إلى صربيا.

أما بلجيكا، فبلغت نسبة تبعيتها للغاز الروسي 77%، وألمانيا 49%، وإيطاليا 46%، وبولندا 40%. أما فرنسا، فوصلت النسبة إلى 24%. ويجري تسليم معظم الغاز الذي تشتريه أوروبا من روسيا لتزويد مرافقها الكهربائية بالطاقة عبر خطوط الأنابيب، براً أو تحت البحر.

المساهمون