استمع إلى الملخص
- يواجه تعدين العملات المشفرة تحديات مثل الإقبال الشبابي، تقلبات الأسعار، وارتفاع تكاليف التعدين، ويعتبر جزءاً من الاهتمامات الاستثمارية الجديدة للشباب الخليجي.
- يقترح الخبير علي أحمد درويش تنظيم التعدين عبر ثلاث طبقات: تحديد مناطق صناعية، استخدام معدات صديقة للبيئة، ووضع إطار قانوني، تماشياً مع رؤية السعودية 2030.
تسجل دول الخليج تحولات لافتة في تعاملها مع تعدين العملات المشفرة، خاصة مع تزايد إقبال الشباب على هذا القطاع الذي يُعد من أكثر الأنشطة استهلاكاً للطاقة، ففي الكويت حيث تشهد درجات الحرارة صيفاً ارتفاعاً قياسياً، كشفت وزارة الداخلية عن عمليات تعدين تستخدم كهرباء تصل إلى 20 ضعف الاستهلاك المنزلي العادي، ما أدى إلى انخفاض الاستهلاك بنسبة 55% في منطقة الوفرة، بعد حملة أمنية استهدفت 100 منزل مشتبه بها.
ويرجع هذا التأثير إلى الطبيعة المكثفة للطاقة التي يتطلبها التعدين، حيث تستهلك عملية واحدة لـ"بيتكوين" طاقة تعادل استهلاك منزل أميركي لمدة شهر، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة "رويترز"، ولذا صرحت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الكهرباء الكويتية، فاطمة جوهر حياة، بأن الحملة الميدانية التي أطلقتها الوزارة ساعدت على تقليص استهلاك الكهرباء بنحو 60% في المناطق المتأثرة، وفقاً لما أوردته صحيفة "كويت تايمز".
وفرضت الكويت حظراً شاملاً على جميع أنشطة العملات المشفرة، بما فيها التعدين منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما سلط الضوء على تحولات أوسع في دول الخليج، بشأن علاقة العملات المشفرة باستهلاك الطاقة والاقتصاد.
غير أن تعدين العملات المشفرة لا يزال تحدياً أمام استهلاك الطاقة في دول خليجية أخرى، مثل الإمارات التي تبنت إطاراً تشريعياً، عبر هيئات مثل "فارا" و"ADGM"، ما جعلها وجهة عالمية للمستثمرين، خاصة في ظل اعتمادها إعفاءات ضريبية، وفقاً لتقرير نشرته منصة "باينانس" العالمية لتداول العملات المشفرة.
ويعزز من تلك التحديات إقبال الشباب في دول الخليج على التداول، إضافة إلى التقلبات السريعة لأسعار العملات الرقمية وارتفاع تكاليف التعدين عالمياً، حيث أظهرت بيانات حديثة أن تكلفة تعدين "بيتكوين" في الولايات المتحدة تتجاوز 100 ألف دولار، وفقاً لما أورده تقرير نشرته منصة DatacenterDynamics المتخصصة في صناعة مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإقبال المتزايد على تعدين العملات المشفرة من الشباب الخليجي بات جزءاً من الاهتمامات الاستثمارية الجديدة، إذ يُعد هذا القطاع صناعة معقدة تتطلب معرفة بالأسواق المالية العالمية، وخاصة أسواق التداول الرقمية، لكنها في الوقت ذاته تحمل جاذبية كبيرة لدى الجيل الصاعد.
ويوضح درويش أن هذا الاهتمام لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لتطورات عالمية وإعلامية لعبت دوراً في دفع هذا النوع من الاستثمار نحو دائرة الضوء، بينها زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي سلطت الأضواء على العملات الرقمية، ولا سيما "بتكوين" التي لا تزال الأكثر شهرة واستخداماً.
ويوضح درويش أن الشباب الخليجي يستخدمون أدوات التعدين بشكل فردي، أو من خلال ما يُعرف بـ"مجموعات التعدين"، وهي معدات مستوردة غالباً من الولايات المتحدة والصين، وتتراوح بين أجهزة تقليدية وأخرى متطورة، مشيراً إلى أن هذا الاستخدام، سواء كان فردياً أو جماعياً، يؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الكهرباء، نظراً لطبيعة العمليات الحسابية المعقدة التي تقوم بها هذه المعدات، والتي تتطلب طاقة كهربائية هائلة.
وفيما يتعلق بإمكانية تنظيم هذا القطاع، في ظل رؤية السعودية 2030، يرى درويش أن هناك حاجة إلى بناء بيئة صديقة للعملات الرقمية وقطاع التعدين، وهو أمر يمكن تحقيقه عبر ثلاث طبقات تنظيمية.
ويحدد درويش الطبقة الأولى بالتركيز على عمليات التعدين في مناطق صناعية محددة، توفر الطاقة بتكاليف منخفضة، فيما تتعلق الطبقة الثانية باستيراد معدات صديقة للبيئة، أو ربط استخدام هذه المعدات بمصادر طاقة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية، لتقليل البصمة الكربونية الناتجة عن هذا النشاط. أما الطبقة الثالثة فتتمثل، حسبما يرى درويش، في الحاجة الملحة إلى وضع إطار قانوني شامل ينظم هذا القطاع.