العمال العرب بين عيدين: تقشف وانزواء أمام صندوق النقد والصراعات

العمال العرب بين عيدين: تقشف وانزواء أمام صندوق النقد والصراعات

01 مايو 2022
عمال إحدى الشركات يعتصمون بعد إغلاق الشركة وتسريحهم من دون تعويضات (فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد نداء كارل ماركس "يا عمال العالم اتحدوا" يجدي في هذه الأيام، وبخاصة في دولنا العربية، فما بين بيئة عمل دمرت في دول الحروب (سورية، واليمن، وليبيا، والعراق، والصومال) وبين أوضاع اقتصادية صعبة في الدول العربية الأقل نمواً، وما بين تحديات السياسات التقشفية في الدول العربية، التي تصنف على أنّها دول متوسطة الدخل، التي تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، كما هو الحال في مصر وتونس.

وفي هذا العام، 2022، يحلّ عيد العمال في الأول من مايو/أيار، بالتزامن مع عيد الفطر، بينما ثمة مخاطر عدة تتهدد العمال في كلّ مكان، من مغبة الفصل أو الاستغناء عنهم في أماكن عملهم، أو حصولهم على رواتب دون الحدّ الأدنى المطلوب لمتطلبات المعيشة، لتزداد معاناتهم في الوقت الذي تشهد معظم البلدان العربية صعوبات اقتصادية ومعيشية حادة.

تفاوت ضخم

في دول الخليج، لاحت في الأفق، بوادر تحسن مالي، قد تكون بداية طفرة جديدة بعوائد النفط، كانت ملامحها ظاهرة من خلال ما تم الإعلان عنه في كل من قطر والسعودية، ففي قطر تقرر رفع قيمة رواتب المتقاعدين بحيث لا يقل الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين عن 4.1 آلاف دولار شهرياً.

وفي السعودية قدم الملك سلمان مساعدات لمستفيدي الضمان الاجتماعي في شهر رمضان قدرت بنحو 586 مليون دولار، وهو أمر معتاد كل عام من قبل الملك السعودي، ولكن هذا العام ارتفع المبلغ بشكل كبير لينم عن القدرة المالية، التي أتاحتها فرصة ارتفاع أسعار النفط بالسوق الدولية.

لكن على الجانب الآخر، هناك عمال في تونس يتهددهم الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بشأن سعي الحكومة للحصول على قرض بنحو 4 مليارات دولار، ومن ضمن حزمة الإجراءات التي ستلتزم بها الحكومة التونسية، إذا ما نجحت في الوصول لاتفاق مع إدارة الصندوق، تقليص فاتورة الأجور في الحكومة ومؤسسات القطاع العام، ونفس الشيء في مصر، التي تمر بأزمة تمويلية غير مسبوقة.

وفي مصر كانت تجري احتفالات سنوياً في عيد العمال، وخلال هذا الاحتفال، كانت هناك جملة شهيرة، يرددها أحد العمال الحاضرين، وبخاصة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك "المنحة يا ريس"، ويتم على إثرها، صرف منحة للعمال تصل إلى نصف شهر أو شهر من أجورهم، ولكن اختفت هذه العبارة منذ سنوات، ولم يعد لها أثر، فالسياسة الحكومية تتجه لتقليص عدد العمال في الحكومة وقطاع الأعمال العام.

وإذا كانت هناك حالة من التفاوت في ما يتعلق بقضية الأجور، بين دول الخليج، وبعض الدول العربية متوسطة الدخل، فإن الحديث عن قضية الأجور للعمال في دول النزاع أو الدول العربية الأقل نمواً، غير وارد، فلا مؤسسات تراعي حقوق العمال، ولا أوضاع اقتصادية تسمح بذلك، فالجميع في تلك الدول مشغول فقط بقوت يومه.

قضية صندوق النقد

تجتمع على العمال العرب عدة التزامات مالية، منها ما يتعلق بمصاريف دراسة أبنائهم، وبخاصة أن جزءاً كبيراً منهم يؤدي امتحانات آخر العام، أو يستعد لها، ولا يسلم الأمر من مصاريف إضافية للدروس الخصوصية لمراجعات ما قبل الامتحانات، وكذلك التزامات الأسر في شهر رمضان الذي شارف على الانتهاء، وما يتطلبه الوضع من التزامات اجتماعية تجاه الأسرة والعائلة، ثم متطلبات عيد الفطر، وما اعتادت عليه الأسر العربية، من ضرورة توفير بعض الأطعمة والملابس الجديدة.

لكنّ الأوضاع الاقتصادية متفاقمة في الكثير من البلدان، ففي لبنان، الذي يعاني انهياراً اقتصادياً، وارتفاعاً لمعدلات الفقر، يواجه العمال صعوبات غير مسبوقة، فالجميع يكتوي بارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية، وهو حال مصر والسودان وتونس.

ورغم توجه الحكومات التي خضعت لاشتراطات صندوق النقد نحو تقليص الأجور وأعداد العاملين في الجهات الحكومية والقطاع العام، فإن البيانات الرسمية تظهر تصاعدا في معدلات البطالة.

فالتقرير العربي الموحد لعام 2021، يظهر أنّ نسبة البطالة في المنطقة العربية، هي من أعلى النسب بين أقاليم العالم المختلفة، حيث تبلغ في المتوسط 10%، في حين أنّ المتوسط العالمي في حدود 5%.

وتصل هذه النسبة إلى 26% بين الشباب، وتعتبر المنطقة العربية الآن من أعلى المناطق المصدرة للهجرة غير الشرعية، التي يراها الشباب العرب مخرجاً مهماً من واقعهم الأليم.

ويزداد المشهد في العديد من الدول العربية قتامة مع تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا والديون الحكومية المتفاقمة وتردي الأحوال المعيشية لمعظم السكان.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، توقع صندوق النقد الدولي، أن تفقد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة الدول المستوردة للنفط، زخم التعافي خلال العام الجاري، مع استمرار المعاناة من ارتفاع معدلات التضخم، والديون، مؤكداً أن مصر من بين الدول الأشد تضرراً على الإطلاق من الحرب في أوكرانيا.

ويُجري فريق صندوق النقد الدولي مشاورات مع السلطات المصرية لتنفيذ برنامج اقتصادي قبل تقديم قرض جديد للحكومة، بينما يرى محللون أن تداعيات هذا البرنامج ستكون أشد وطأة على المصريين من سابقه الذي جرى التوصل إليه عام 2016.

تداعيات الحرب الروسية

وأثرت الحرب الروسية على أوكرانيا على ثلاثة مستويات أساسية في مصر، تتضمن التأثير المباشر نظراً للعلاقات التجارية والسياحية مع بلدي الحرب، وكذلك باعتبار مصر أحد الأسواق الناشئة والنشيطة بتقلبات أسعار الفائدة عالمياً، بالإضافة إلى الضغوط على الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تشهدها الأسواق الناشئة، بحسب تصريحات صحافية أخيراً لمدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، جهاد أزعور.

وتتمثل مطالب صندوق النقد، في إصلاح السياسة النقدية، ومرونة أكبر في سعر الصرف، ما يعني خفضا أكبر للجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية في الفترة المقبلة.

وحصلت مصر على قروض من صندوق النقد الدولي تتجاوز 20 مليار دولار منذ نهاية عام 2016 مقابل تطبيق عدة شروط منها تعويم الجنيه المصري، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية، وخفض دعم الوقود والكهرباء والمياه.

المساهمون