استمع إلى الملخص
- التحديات القانونية والإدارية في قبول الاستقالات: رغم أن الدستور يجيز الاستقالة، إلا أن تعليمات شفهية تمنعها في بعض الوزارات، مما يخلق فوضى إدارية، حيث وصلت الاستقالات إلى 10% في 2023.
- الأزمة الإنسانية والاقتصادية في سوريا: الحرب المستمرة جعلت سوريا أكبر أزمة لجوء، مع 13.8 مليون لاجئ ونازح، وتراجع الرواتب وزيادة الأسعار صعّب تلبية الاحتياجات الأساسية، مما يدفع العمال للهجرة.
دفع تراجع الأجور، العمالة السورية، خاصة في القطاع الحكومي، إلى الاستقالة والهجرة، ما أدى إلى تراجع قوة العمل، حسب متخصصين، إلى النصف منذ عام 2011 حتى الآن.
تشير وثيقة صادرة عن اتحاد العمال السوري إلى أن نحو 4500 موظف حكومي استقالوا من عملهم العام الماضي، وفي حال موافقة الجهات الحكومية على الاستقالات المقدمة، لربما تضاعف العدد عدة مرات، حسب مصادر لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن القانون يوجب عدم تجميد الاستقالة أكثر من 60 يوماً للبت بها، لكن الواقع أن الرد على طلبات الاستقالة يستغرق أكثر من أربعة أشهر في بعض الحالات، وأحياناً لا يتم الرد أبداً، بالمخالفة لقانون العاملين الموحد في سورية.
وبعد أن كان يعمل في القطاع العام نحو 3.5 ملايين سوري، لا يزيد العدد اليوم عن 1.8 مليون موظف، حسب تقديرات المستشار السابق باتحاد العمل في دمشق، عماد الدين المصبح.
يكشف المصبح لـ"العربي الجديد" أن عدد العمال في تناقص مستمر بسبب تدني الأجور إلى أقل من 5% من تكاليف المعيشة للأسرة السورية، ففي حين لا يزيد متوسط الأجور في سورية عن 300 ألف ليرة (الدولار = نحو 14775 ليرة)، ترتفع أسعار المنتجات وإيجار المنازل وتكاليف التعليم والطبابة، ما يدفع العمال إلى الاستقالة والسفر، أو العمل في عمل ثان إن توفر لمن يمتلكون الخبرة والمهارة، لأن البطالة، بواقع الحال، تزيد عن 80%.
ويحذّر المصبح من آثار تهديم القطاع الحكومي وخسارة الأيدي العاملة والاختلالات التي تجتاح سوق العمل منذ سنوات، مضيفاً أن آثار هجرة وهروب العمالة تظهر على الإنتاج، كماً ونوعاً، كما أن الفقر والبطالة يؤثران على بنية المجتمع السوري.
يقول عضو المكتب التنفيذي وأمين السر في اتحاد عمال دمشق، عمر محمود البوشي: إن كل المواد في الدستور السوري تجيز للعامل أن يستقيل، ولا يوجد ما يمنعه من ذلك إلا في حالات معينة، وعليه فإن صدور تعليمات شفهية وتعميمات بمنع الاستقالات في بعض الوزارات أو المؤسسات خلق نوعاً جديداً من الفوضى.
منع الاستقالة في سورية
وعن حالات منع الاستقالة، يضيف المسؤول باتحاد العمال خلال تصريحات نقلها موقع "أثر برس" القريب من حكومة بشار الأسد، يمكن منع الاستقالة لأشهر معينة نتيجة لحالة طارئة، لكن في الواقع الحالة الطارئة أصبحت هي الأساس، مشيراً إلى أن التعليمات الحالية سارية منذ عامين ومستمرة، ما يعتبر مخالفة للقانون. ويكشف البوشي أن نسبة الاستقالات في القطاع العام السوري وصلت إلى 10% خلال عام 2023.
وأرجع المسؤول النقابي السبب في كثرة الاستقالات إلى عدم تطبيق معادلة الأجر العادل للعامل وفقاً للدستور السوري، الذي حدد معيار الأجر بأن يكون مناسباً لأفراد الأسرة، ما اعتبره السبب الرئيسي لبحث العاملين في المؤسسات الحكومية عن منافذ أخرى وفرص عمل مناسبة لتحسين وضعهم المعيشي.
تأتي استقالات العمالة السورية، بعد موجة التسريح التعسفي لكل من تظاهر أو ساند المتظاهرين خلال الثورة السورية، ما أفرغ القطاع الإنتاجي في سورية من معظم الكفاءات والخبرات، حسب المدير العام السابق لمؤسسة النسيج بسورية، سمير رمان.
ويبيّن رمان لـ"العربي الجديد" أنه مع بداية الثورة السورية فعّلت حكومة بشار الأسد "بالاستناد لتقارير أمنية" المادة 137 من القانون الأساسي للعالمين في الدولة "القانون 40 لعام 2004" فسرّحت عشرات آلاف العمال من المناطق الثائرة أو المؤيدة للثورة، الأمر الذي أخلّ ببنية العمالة وقتذاك، فأعلنت عن وظائف لسد عجز العمالة بمن هم غير متخصصين، لتواجه ذلك بالبطالة المقنّعة وتراجع حجم ونوعية الإنتاج الذي تحصد نتائجه بتراجع الصادرات والإنتاج.
حول حق الجهات الحكومية في وقف الاستقالة وعدم قبولها، يضيف رمان أنه بعد ظهور تراجع العمالة في القطاع الحكومي السوري، أصدرت الحكومة منذ منتصف عام 2022 قراراً منعت خلاله تقديم الاستقالة، وشددت العقوبات على من ينقطع عن العمل، ووصلت إلى الغرامة المالية الكبيرة والسجن.
ويرى المدير العام السابق لمؤسسة النسيج أن "على حكومة الأسد المحافظة على العمالة المؤهلة والمدربة، من خلال رفع الأجور إلى مستوى التكاليف المعيشية، لأن خسارة العمالة التي استثمرت عليها الدولة لعقود، لا تعوّض بسهولة "حتى لو تتطلع الحكومة إلى خصخصة القطاع العام، فتلك العمالة ضرورية للقطاع الخاص".
وكان تقرير صادر عن الأمم المتحدة قد أكد أن سورية تمثل أكبر أزمة لجوء في العالم، حيث بلغ عدد اللاجئين والنازحين قسراً 13.8 مليون شخص داخل وخارج البلاد حتى نهاية عام 2023، وذلك بسبب الحرب المستمرة منذ 2011.
لكن تراجع الرواتب والأجور وزيادة الأسعار ومتطلبات الأسر، هو السبب الثاني بعد الحرب، بل والأول بعد تراجع القتال في سورية، إذ يبلغ متوسط الأجور والرواتب بسورية نحو 287 ألف ليرة، في حين تزيد تكاليف معيشة أسرة مكونة من 5 أشخاص، عن 12.5 مليون ليرة، بحسب مركز "قاسيون" من دمشق، الأمر الذي يدفع العمال والموظفين إلى الاستقالة والهجرة لتحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة.