العطش يضرب اليمنيين... صعوبات متزايدة للحصول على مياهٍ للشرب

العطش يضرب اليمنيين... صعوبات متزايدة للحصول على مياهٍ للشرب

24 أكتوبر 2020
حفر عشوائي للآبار في محافظات مختلفة (عيسى أحمد/ فرانس برس) 
+ الخط -

لا ينحصر الفقر في اليمن بالموارد الاقتصادية وعدم قدرة نسبة كبيرة من السكان على توفير احتياجاتهم من الغذاء والدواء، بل يمتد إلى فقر شديد في الموارد المائية والتي تشكل تهديداً رئيسياً يطاول غالبية اليمنيين الذين يجدون صعوبة بالغة في الحصول على مياه الشرب. وضاعفت الحرب الدائرة في البلاد هذه المعضلة المزمنة لتحولها إلى إحدى أهم الأزمات التي تهدد عنصراً أساسياً للحياة.

ويواجه المواطنون سلسلة من الأزمات المتعاقبة منذ سنوات، تنعكس من خلال صدمات قوية أثرت بشدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأوضاع الأمن الغذائي والمعيشي للسكان.

وهذه الأزمات تتسع لتشمل جميع أنواع الخدمات في ظل اختناقات متواصلة في المشتقات النفطية ساهمت في تفاقم المشكلات. ويأتي كل ذلك بالتزامن مع اتساع معدلات الفقر والبطالة وكذلك ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الرئيسية مثل المياه والصحة والتعليم، إضافة إلى ارتفاع حدة انعدام الأمن الغذائي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول المواطن ماهر عباس من سكان محافظة صعدة شمال اليمن والمحاذية للسعودية، إن أزمة المياه تؤرقهم بشكل كبير، إذ يعاني سكان هذه المحافظة التي يصفها ماهر بالمنسية من صعوبات بالغة في جلب المياه من مسافات بعيدة وشاقة في ظل انخفاض كبير في توزيع المياه من الشبكات العامة التي تعرض معظمها لقصف طيران التحالف السعودي والإماراتي. ويشير ماهر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ما يتعرض له اليمنيين في كل المحافظات من تجويع وتدمير ما كان متاحا من الخدمات وذلك بصورة متعمدة.

إذ وصل الأمر إلى أن الحصول على ما تيسر من المياه الصالحة للشرب يتطلب رحلات بحث شاقة لجلبها خصوصاً في المحافظات والمناطق النائية التي تفتقد لأبسط الخدمات العامة ومشاريع البنى التحتية.

ارتفاع في الأسعار

في المقابل، تشهد المدن الرئيسية مثل صنعاء وعدن وتعز وحضرموت ارتفاعات قياسية في أسعار المياه التي يتم توزيعها على المنازل عبر الصهاريج، والتي تضاعفت بنسبة تتجاوز 400 في المائة خلال سنوات الحرب. ويصل متوسط سعر الصهريج المحمول بالشاحنات في صنعاء إلى نحو 10 آلاف ريال، بينما يتجاوز في عدن التي تغرق في العديد من الأزمات المعيشية والخدمية الـ 12 ألف ريال، لكمية من المياه تغطي احتياجات استخدامها في المنازل مدة لا تزيد عن 15 يوماً.

ويؤكد سمير القديمي من سكان صنعاء، أن المياه أصبحت تكاليفها باهظة لا يقوى الكثير من السكان على تحمل نفقاتها نظراً إلى محدودية الدخل، وما توفر منه يتم إنفاقه على أولويات ملحّة مثل الدواء.

ويرى في حديث مع "العربي الجديد"، أن معدل استهلاك عائلته التي يبلغ عددها 8 أفراد حوالي صهريجين في الشهر، لكن خلال الفترة الأخيرة اضطرت عائلة سمير وفق حديثه، إلى تخفيض إنفاقها على المياه والاكتفاء بشراء صهريج واحد لفترة محددة في الشهر تصل إلى 20 يوماً، والبقاء من دون مياه كافية للمدة المتبقية من الشهر.

في محافظة تعز جنوب غربي اليمن تتركز المعاناة الحقيقية في توافر المياه، حيث تواجه أكبر نسبة سكانية في اليمن مشكلة النقص الحاد للمياه، والأزمة هنا مزمنة حيث يتم ترحيل الحلول من عام إلى آخر منذ ما قبل الحرب.

وتعاني المحافظة المجزأة بين أطراف الصراع اختناقاً بالأزمات الخدمية خصوصاً المياه مع وصول أسعار توفيرها إلى مستويات تفوق قدرات ثلثي سكان المحافظة.

وفي الوقت الذي يراوح سعر صهريج المياه في تعز ما بين 15 إلى 20 ألف ريال، يوضح ياسر الشرجبي أحد موزعي المياه عبر الصهاريج أنه استأجر الصهريج بنحو 5 آلاف ريال في اليوم الواحد، ويلفت إلى أن سبب الارتفاع في أسعار المياه إلى جانب شح الموارد ومنابع المياه المتوفرة، الارتفاع الحاصل في أسعار الوقود خصوصاً مادة الديزل التي تعمل عليها مضخات المياه في المنابع والاَبار والشاحنات العاملة في نقلها.

ويؤكد الشرجبي لـ"العربي الجديد" وجود نشاط ملحوظ في تهريب كميات كبيرة من الوقود من داخل المدينة، فيما تأتي كميات عبر بعض المنافذ من عدن جنوب اليمن إلى مناطق أخرى واقعة تحت سيطرة الحوثيين والتي تعاني نقصاً كبيراً في معروض المحروقات.

تضرر الشبكات

وتفيد تقارير رسمية بأن اليمن يستهلك بشكل مفرط موارده من المياه خاصة مع تضرر الشبكات، مع وصول النسبة المقدرة لما يتم استهلاكه إلى معدلات توازي تجدد الإمدادات، الأمر الذي تسبب في انخفاض المعروض في مقابل ارتفاع الطلب المتزامن مع ما تشهده البلاد من توسع سكاني لافت.

ووفق تقديرات أولية لوزارة المياه والبيئة، فإن خسائر قطاع المياه في اليمن بسبب الحرب وقصف التحالف نحو 5 مليارات ريال، تشمل تخريب وتدمير وقصف شبكات وخزانات ومنظومات ومحطات الضخ للمياه في العديد من المدن والمحافظات اليمنية، ما أدى لأضرار كبيرة أثرت في وصول الخدمة إلى المواطنين بشكل متفاوت.

كما تتحدث وزارة المياه والبيئة عن تسبب ذلك في توقف معظم فروع مؤسسة المياه بمختلف المناطق وتراجع نشاطها في تقديم الخدمات الخاصة توصيل المياه. وتقدر نسبة السكان في اليمن الذين لا يستطيعون الوصول الى مصادر مياه محسنة بحوالي 55 في المائة، وتزداد المخاوف من تداعيات ارتفاع أسعار المياه المنقولة بالشاحنات إلى أكثر من 60 في المائة من الأسر في اليمن التي تقضي أكثر من 30 دقيقة وتقطع مسافات أكبر للحصول على المياه.

هدر واستنزاف

ويرى الباحث الاقتصادي حسام السعيدي، أن أزمة المياه تعتبر الأكثر فتكاً باليمنيين، فهي أزمة صامتة تستشري بشكل واسع في البلاد، حيث يتزايد هدر واستنزاف الموارد، بالتزامن مع الحفر العشوائي للآبار والعبث وتدمير الشبكات، ما يمنع حصول المواطنين على كميات كافية من المياه. ويلفت إلى أنه لا يتم تسليط الأضواء على مشكلة المياه مقارنة بأزمات معينة أخرى، رغم التشابك والترابط الكبير في المشكلات التي يواجهها اليمنيون.

ويشدد في حديثه مع "العربي الجديد"، على ما وصل إليه اليمنيون من حرمان والذي يتطلب معالجات مستدامة للجوانب الإنسانية والتنموية، خصوصاً تلك المتعلقة بخلق فرص العمل ودعم مشاريع تؤمن سبل المعيشة للسكان المتضررين من هذه الحرب التي طال أمدها والتركيز على وسائل إنتاجية مجدية.

وذلك إضافة إلى حفر آبار لتوفير مياه الشرب والزراعة معاً، حيث إن استمرار الحرب يجعل الوضع الاقتصادي الحرج يتجه نحو مزيد من التدهور وسط تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية والمنشآت الاقتصادية.

المساهمون