استمع إلى الملخص
- أكدت كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، استمرار دعم الصندوق للاقتصاد المصري، بينما تواجه مصر ضغوطًا أميركية بشأن تهجير سكان غزة.
- ترفض مصر تاريخيًا أي حلول على حساب حقوق الفلسطينيين، معتبرة تهجيرهم تهديدًا للأمن القومي، وتدعو إلى إعادة تقييم موقفها من تيار الإسلام السياسي و"حماس".
يشير ما نراه في وسائل الإعلام الأميركية إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال مصراً على خطته لتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، مؤكداً رغبته في إدارة غزة بشكل مباشر، وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". ويرى ترامب أن الفلسطينيين سيعيشون بأمان في أماكن أخرى غير غزة، ويشدد مع إخوانه الصهاينة على عدم وجود حركة حماس فيها في اليوم التالي لإيقاف الحرب.
ورغم نفيه الواضح في مؤتمر صحافي، أثناء زيارة الملك عبد الله للعاصمة الأميركية، إيقاف المساعدات المقدمة لمصر والأردن حال استمرار رفضهما استقبال الغزيين، يدرك الكثيرون أن "الثور الهائج" الموجود حالياً في البيت الأبيض، والذي فرض التعرفات الباهظة على حلفائه من الدول قبل خصومه، و"قطع عيش" عشرات الآلاف من العاملين في الإدارات الأميركية المختلفة، لن يتردد في قطع المساعدات عن البلدين إذا رفضا استقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة. وقال ترامب: "نفعل الكثير من أجلهم، وهم سيفعلون ذلك"، في إشارة إلى ضرورة تعاون البلدين مع خطته".
ومن ناحية أخرى، وفي نشرتها اليومية، نقلت "إيكونومي بلاس" يوم الاثنين عن مواقع عربية قول كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، إن الصندوق سيظل يدعم الاقتصاد المصري، بالتزامن مع تنفيذه للإصلاحات الاقتصادية، وإشارتها إلى أن "المسائل السياسية خارج اختصاصها"، فيما اعتبرته المواقع إشارة إلى ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مصر بشأن تهجير جزء من سكان غزة إليها.
وكان ملك الأردن أشار، من واشنطن، إلى وجود خطة مصرية للتعامل مع القطاع وأهله، فيما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أهمية بدء عملية إعادة إعمار قطاع غزة بشكل فوري مع عدم تهجير الفلسطينيين.
وقالت غورغييفا إن "دعم الاقتصاد المصري أولوية وسيظل كذلك، وما يهمنا هو الوضع الكلي للبلاد ونركز على الاقتصاد، أما المسائل السياسية فهي خارج اختصاصنا ولسنا أفضل من يعلق عليها".
وتابعت مديرة صندوق النقد مؤكدة أن المراجعات والتنسيق مع الحكومة المصرية يتمّان وفقًا للجدول الزمني المحدد، إذ تتوقع مصر موافقة المديرين التنفيذيين لصندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج القرض مع مصر، وحصولها على دفعة تقدر بنحو 1.2 مليار دولار، إضافة إلى تمويل من صندوق الصلابة والاستدامة بنحو 1.3 مليار دولار، والمتوقع صرفه على شرائح. ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة كانت، على مدار عقود ومنذ إنشائه، هي المُوجه الأكبر لقرارات صندوق النقد الدولي، خاصة ما يتعلق بالتسهيلات الممنوحة للدول المقترضة.
وتحدث الرئيس الأميركي مع الرئيس المصري هاتفياً، حيث قالت "العربي الجديد" إن الاتصال أعاد قضية سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة، مشيرة إلى معلومات تفيد بأن ترامب عرض على السيسي التوسط مرة أخرى لحل الأزمة مع إثيوبيا. وكان لافتاً في هذه المحادثة أن بيان البيت الأبيض أشار إلى أن الزعيمين ناقشا قضية السد، في حين لم يأتِ البيان الرئاسي المصري على ذكر هذه النقطة، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت القضية قد طُرحت في سياق أوسع يشمل ضغوطاً أميركية على القاهرة فيما يتعلق بملف غزة.
ويوم الاثنين الماضي، قالت وكالة رويترز إن مصر وقبرص وقعتا اتفاقيات تتيح تصدير الغاز من الحقول البحرية القبرصية إلى مصر من أجل تسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا، وذلك في إطار سعي البلدين إلى تعزيز دور منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بما هي مركز للطاقة.
وقالت الوكالة إن هذه الاتفاقيات، التي تم توقيعها خلال معرض مصر للطاقة 2025، جاءت لتُضفي الطابع الرسمي على خطة طال انتظارها لربط احتياطيات الغاز القبرصية بمنشآت الغاز الطبيعي المسال في مصر. وتستفيد هذه الخطة من البنية التحتية القائمة في مصر لمعالجة وشحن الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية.
وقال بيان للرئاسة القبرصية إن جوهر هذه الاتفاقيات لا يقتصر على تعزيز استغلال الرواسب، بل يوسع آفاق التعاون في مجال الطاقة مع مصر، مما يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز الموقع الجيوسياسي للبلدين. وقالت رويترز إن الاتفاق يمنح دفعة لمصر، التي عانت من تراجع إنتاج الغاز المحلي وعادت العام الماضي إلى كونها مستوردة صافية للغاز الطبيعي. ووقعت مصر مؤخرًا صفقات بقيمة 3 مليارات دولار لشراء الغاز الطبيعي المسال مع شركتي شل وتوتال إنرجيز، وذلك لتلبية الطلب المحلي لعام 2025.
ورغم كل تلك الضغوط، ومع كامل التقدير لأي ظروف اقتصادية استثنائية تتعرض لها مصر حالياً، أو تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة، لا يحق لمصر أن تستجيب لأي إغراءات دولية تهدف إلى قبول تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، إذ يمثّل ذلك مساسًا خطيرًا بالقضية الفلسطينية وتهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري. ولن يكون تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء أزمة إنسانية فحسب، بل سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي خطير يهدد استقرار المنطقة ويفتح الباب أمام مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
مصر لديها موقف ثابت تاريخيًا في رفض أي حلول تأتي على حساب حقوق الفلسطينيين، وهي تملك أوراق ضغط قوية تستطيع استخدامها، سواء من خلال دورها الإقليمي وسيطاً رئيسياً في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، أو عبر شراكاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدول الكبرى، التي يصعب على أي طرف تجاهلها.
يرتبط الأمن القومي المصري ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية، وأي خلل في التوازن الجغرافي والديموغرافي على حدود مصر الشرقية قد يؤدي إلى تداعيات أمنية خطيرة، فوجود الفلسطينيين في غزة خطاً دفاعياً ضد الاحتلال الإسرائيلي يحمي سيناء من أي مشاريع توسعية تهدد السيادة المصرية.
أتمنى أن يعي الجيش المصري وقادته تلك الأمور، وأن يعيدوا تقييم موقفهم من تيار الإسلام السياسي الذي تمثله "حماس" ومن العدو الذي يواجهونه، حتى لا يفاجأوا يوماً ما بأنهم "أُكِلوا يوم أُكِل الثور الأبيض".