العرب يستوردون الغاز من إسرائيل في زمن الإبادة

27 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 02:09 (توقيت القدس)
حقل ليفياثان، 29 أغسطس 2022 (جاك جيز/وكالة فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت شركة نيو ميد إنرجي الإسرائيلية عن صفقة لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، مما يعزز الاقتصاد الإسرائيلي المتأثر بتكاليف الحرب على غزة، وسط توترات سياسية في مصر والدول العربية.

- تعتمد مصر والأردن بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي، مما يؤثر على اقتصادهما وأمنهما القومي. إغلاق حقل غاز تمار بسبب الحرب أدى إلى خسائر كبيرة في صادرات الغاز، وتأثر الاقتصاد الأردني والمصري سلباً.

- تمتلك مصر احتياطيات كبيرة من الغاز في حقل ظهر، والأردن يمتلك احتياطيات من النفط الصخري والغاز الطبيعي، مما يوفر بدائل اقتصادية لاستيراد الغاز من إسرائيل ويعزز الاستقلال الاقتصادي.

بالتزامن مع حرب الإبادة والتجويع والتهجير التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، أعلنت شركة نيو ميد إنرجي الإسرائيلية، إحدى الشركات الثلاث المالكة لحقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز في السابع من أغسطس/ آب الحالي عن عقد اتفاق يسمح لإسرائيل بتصدير ما يصل إلى 35 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040.

في عام 2024، أنتج الحقل نحو 11 مليار متر مكعب من الغاز، صُدِّرَ 50% منها إلى مصر، في حين وُزِّعَ الباقي بين الاقتصاد الإسرائيلي والتصدير إلى الأردن. بموجب الاتفاقية الجديدة، سيُصدّر حقل ليفياثان نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر. تشمل المرحلة الأولى تصدير 20 مليار متر مكعب ابتداءً من مطلع العام المقبل بعد تركيب خطوط أنابيب إضافية. أما الكمية المتبقية، والبالغة 110 مليارات متر مكعب، فستُصدّر بعد توسعة حقل ليفياثان وإنشاء خط أنابيب نقل جديد.

وتنضم هذه الصفقة إلى الصفقة التي أبرمت في فبراير/ شباط 2018 لبيع 62 مليار متر مكعب خلال عشر سنوات وتستمر حتى عام 2030، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن البلاد أحرزت "جوناً" (هدفاً) في تلك الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل، وقال باللهجة المصرية "احنا جبنا جووون.. جبنا جووون يا مصريين في الموضوع ده". ولكن الصفقة الأخيرة وتوقيتها أثارا ضجةً شعبيةً وسياسيةً وسخطاً واستنكاراً في مصر والدول العربية فاقا الضجة التي صاحبت الصفقة الأولى.

مكاسب لإسرائيل

الصفقة الجديدة رافعة للاقتصاد الإسرائيلي المنهار بسبب تكاليف الحرب على غزة، وإنعاش للخزانة العامة النازفة، وكسر للعزلة الاقتصادية التي فرضتها كثير من الدول على إسرائيل.

قبل خمسة أيام من حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عرضت شركتا الطاقة العملاقتان بريتيش بتروليوم البريطانية وأدنوك الإماراتية شراء نصف أسهم شركة نيوميد في حقل ليفياثان، بقيمة 14.1 مليار شيكل، بزيادة 70% عن قيمتها السوقية في ذلك الوقت. وفي مارس/ آذار 2024 أعلنت نيوميد انسحاب المشترين من الصفقة بسبب الحرب وزيادة المخاطر الأمنية واحتمال تعرض حقل الغاز للقصف.

بعد عقد الصفقة الأخيرة مع مصر، ارتفعت قيمة أسهم شركة نيوميد إلى ما يقرب من ضعف قيمتها مقارنةً بتاريخ إلغاء الصفقة، بزيادة قدرها ثمانية مليارات شيكل. وصرح الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد، يوسي أبو، لصحيفة غلوبس المالية العبرية في أول مقابلة له بعد توقيع الاتفاقية التاريخية بقوله إن الاتفاقية ستكون بمثابة فرصة لخلق التطبيع مع الدول الأخرى في المنطقة، وتُشكّل ركيزةً أساسيةً للاستثمار في تطوير المرحلة الثانية من إنتاج حقل ليفياثان.

تتوقع سلطة الضرائب الإسرائيلية تحصيل ما بين 57 و74 مليار دولار من ضرائب أرباح الغاز والنفط خلال العقد المقبل، وفق موقع تايمز أوف إسرائيل في يناير/ كانون الثاني الماضي، تذهب من جيب المستهلكين في مصر والأردن إلى صندوق الثروة السيادي الإسرائيلي، أو كما يُسمى رسمياً "صندوق المواطنين الإسرائيليين"، والذي يُستخدم لتجميع جزء من إيرادات شركات الغاز مقابل إنتاج وبيع احتياطيات الغاز من الأراضي الاقتصادية الإسرائيلية.

من المدهش، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية هي التي بررت السخط العربي بتزامن الصفقة مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، واستيلاء الجيش على معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفي) الممتد على الحدود بين غزة المحاصرة ومصر. وهو التبرير الذي يعد بمثابة إدانة للسلطات المصرية بإبرام الصفقة في ظل الصمت على جرائم الإبادة والتجويع التي يرتكبها جيش الاحتلال والحصار والتجويع بمنع دخول المساعدات عبر معبر رفح، والسكوت عن احتلال محور صلاح الدين، الذي اعتبره رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية ضياء رشوان في فبراير 2024 تهديداً خطيراً وجدياً للعلاقات المصرية الإسرائيلية.

بعد إعلان الصفقة الجديدة مباشرة عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن شعوره بأنه في "مهمة تاريخية وروحية"، وأنه "متمسك جداً" بتحقيق رؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، "وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر وسورية ولبنان والعراق" بحسب "تايمز أوف إسرائيل". وكان هذا التصريح بمثابة إعلان حرب ومبرر لتراجع مصر عن إتمام الصفقة ووقف استيراد مصر والأردن الغاز من إسرائيل، ولكنه لم يحدث حتى الآن!

خسائر لمصر والأردن

لمدة طويلة تستمر حتى 2040 تضع صفقة استيراد الغاز من إسرائيل الاقتصاد المصري والأردني والأمن القومي للدولتين في قبضة الساسة في إسرائيل الذين لا يعنيهم مصالح الآخرين. وفي بداية "طوفان الأقصى"، أغلقت إسرائيل حقل غاز تمار، بسبب قربه من قطاع غزة. وأدى هذا الإغلاق إلى انخفاض صادرات الغاز الطبيعي بنسبة 70%، أي ما يعادل خسائر بقيمة 200 مليون دولار شهرياً تقريباً، وقطعت دولة الاحتلال الغاز عن الأردن من دون تعويض.

وتكبدت الحكومة الأردنية كلفة مالية إضافية زادت عن أربعة ملايين دولار يومياً، لشراء الديزل والمازوت لتعويض النقص في كميات الغاز المستخدمة في توليد الكهرباء في المملكة، وفق تصريح وزير الطاقة الأردني، صالح الخرابشة، ما يؤكد أن استيراد الأردن الغاز من إسرائيل واستخدامه في توليد 90% من الكهرباء، يمكن دولة الاحتلال من التحكم في أمن الطاقة والاقتصاد الأردني، حيث تعطي إسرائيل الأولوية للسوق المحلي من دون التزام بتلبية احتياجات الزبون العربي.

وبعد الهجوم على إيران في يونيو/ حزيران الماضي وقصف حقل بارس الإيراني للغاز، توقعت إسرائيل أن تقصف طهران حقول الغاز بالمثل، فأوقفت العمل في حقلي ليفياثان وكاريش وأوقفت ضخ الغاز لمصر والأردن لمدة أسبوعين، وقدرت الشركات المشغلة للحقلين الخسائر في الإيرادات بنحو 12 مليون دولار، وأعلنت دراسة إمكانية المطالبة بالحصول على تعويض من دولة الكيان بسبب توقف الإنتاج.

وأوقفت مصر ضخ الغاز لمصانع الإسمنت والأسمدة وتكبدت خسائر ضخمة وتوقفت محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز وانقطعت الكهرباء في عموم محافظات مصر. ووقعت حالات وفاة لعدد من المصريين الذين علقوا في المصاعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي وأصابت الاقتصاد المصري خسائر كبيرة، ولم يعط المورد الإسرائيلي أي اعتبار للخسائر التي وقعت في مصر، ولن تطالب مصر بتعويض خوفاً من رفع الأسعار.

بدائل عربية للغاز الإسرائيلي

تحول مصر من مصدر للغاز إلى مستورد غير متوقع ولا معقول، وكان من الممكن تجنبه إلى حد كبير لولا تأخر مصر في دفع مستحقات شركات البحث والتنقيب والتطوير، رغم تخفيض فاتورة دعم الغاز والمنتجات البترولية بدرجة كبيرة، نظراً إلى وجود كميات مشجعة من احتياطيات مصر في المياه العميقة بحوض البحر المتوسط، لكن ديون الحكومة للشركات جعلت الاستثمار في الغاز المصري غير جذاب لشركات الطاقة الأجنبية، وربما تكون سياسة متعمدة لفتح السوق المصري أمام الغاز الإسرائيلي في ظل التقارب السياسي بينهما.

في 30 أغسطس 2015، أعلنت شركة الطاقة الإيطالية إيني أنها اكتشفت حقل ظهر في المياه العميقة للبحر المتوسط على مساحة 100 كيلومتر مربع ويبعد 93 ميلاً شمال مصر، ويحتوي على ما يقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة، تكافئ 850 مليار متر مكعب، من احتياطيات الغاز الطبيعي، ويمثل نصف احتياطي مصر من الغاز المكتشف قبله، ويفوق احتياطي ليفياثان بنسبة 40%، ويقع ضمن العشرين الأكبر من حيث الحجم في العالم.

زيادة الإنتاج من حقل ليفياثان في إسرائيل وتدهور الإنتاج في حقل ظهر المصري وتراجعه، رغم تقارب موقعه الجغرافي في البحر مع ليفياثان، بسبب وقف استثمارات تطوير ظهر لصالح الاستيراد من ليفياثان، تُسأَل عنها القاهرة. أما استيراد الأردن الغاز من إسرائيل بدلاً من السعودية المجاورة، فعليه علامة استفهام. ولدى الأردن بدائل اقتصادية عديدة في مجال الغاز والنفط.

يقول المنسق العام لحملة "غاز العدو احتلال"، هشام البستاني، إن الأردن يمتلك ثالث أكبر احتياطي في العالم من النفط الصخري، واحتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي التي يمكن استخراجها وتطويرها خلال سنوات قليلة، خاصة في حقل الريشة، والسكوت عليها لصالح الاستيراد من إسرائيل يعتبر جريمة أمن قومي وإهدار المال العام.

كما يعتبر الأردن من أفضل بلدان العالم في مجال الطاقة الشمسية. ولدى الأردن ميناء للغاز المسال في العقبة، ما يسهل استيراد الغاز من أي مكان في العالم، كدولة قطر، كما كان يتم في أوقات سابقة.

المساهمون