استمع إلى الملخص
- تتفاوت قيمة "العجارة" بحسب المنطقة ونوع النشاط، وقد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات في المشروعات الكبيرة. يواجه الملاك والمستثمرون ضغوطًا لدفع هذه الإتاوات، والدولة تبدو على علم بالممارسات دون اتخاذ إجراءات حاسمة.
- الحلول المقترحة تشمل التدخلات الأمنية والتشريعية وتقنين أوضاع الأراضي المتنازع عليها، مع وضع آليات تعويض عادلة لأبناء القبائل، لكن الرد الرسمي لا يزال محدودًا، مما يستدعي خطط واضحة لمواجهة الظاهرة.
أعادت الأزمة التي أثارها رجل الأعمال المصري حامد الشيتي، مع القبائل البدوية في الساحل الشمالي تسليط الضوء على ظاهرة "العجارة"، وهي إتاوات تفرضها بعض المجموعات القبلية على عمليات البيع والشراء والبناء في المجتمعات العمرانية الجديدة، التي أُنشئت على أراضٍ كانت تقليديًّا تحت سيطرة القبائل.
فبعد تصريحات الشيتي التي اتهم فيها البدو بعرقلة التنمية والاستثمار، والتي اعتذر عنها لاحقًا، ثارت عاصفة من الغضب، ليس فقط دفاعًا عن البدو، ولكن لأن تصريحاته كشفت عن صراع أعمق حول ملكية الأراضي وآليات توزيع الثروة في مصر.
ومع التباطؤ الاقتصادي وركود سوق العقارات، تصاعدت شكاوى المستثمرين والملاك من عودة "العجارة"، حيث أصبح دفع الإتاوة شرطًا غير رسمي لإتمام عمليات البناء أو البيع في مختلف المحافظات خاصة في مناطق الساحل الشمالي وبرج العرب والعجمي غرب الإسكندرية.
تفاصيل إتاوة العجارة
تتفاوت قيمة "العجارة" بحسب المنطقة ونوع النشاط، حيث تراوح من بضعة آلاف إلى مئات الآلاف من الجنيهات في المشروعات الكبيرة، وتشمل ليس فقط العقارات، بل تمتد أيضًا إلى المشروعات السياحية.
يقول محمود طه أحد المتضررين في منطقة الكابلات بحي العامرية غرب الإسكندرية لـ "العربي الجديد" إن "العجارة" ظاهرة معروفة ومنتشرة في كثير من المناطق بالمحافظة ولا يستطيع ملاك الأراضي أو أصحاب المنازل والمحلات التصرف في أملاكهم التي تم شراؤها إلا بعد التفاوض مع أبناء القبائل التي تقع في نطاقهم ودفع إتاوة لإتمام عملية البيع.
ويشير إلى أنه تعرض لهذا الموقف عندما أراد بيع أحد المنازل المملوكة لعائلته وفوجئ بمن يطلب منه دفع رسوم أو مقابل من دون وجه حق، مع التهديد في حالة عدم الاستجابة باتخاذ إجراءات تصعيدية تتضمّن إلحاق الأذى به إلى جانب البدء في مارثون نزاع قانوني يمتد إلى سنوات يحول دون الاستفادة من الممتلكات، الأمر الذي اضطره إلى الخضوع لمطالبهم.
الدولة على علم بالأمر
يشرح أحد المتضررين الذين تعرضوا لضغوط لدفع "العجارة" وهو مستثمر عقاري رفض الكشف عن اسمه، كيف تتم العملية؟ قائلًا: نحاول الاستثمار في تلك المناطق، لكننا نجد أنفسنا مضطرين إلى دفع مبالغ إضافية غير قانونية لمجرد تجنب المشاكل، فعندما تبدأ أعمال البناء، يأتي شخص من أبناء القبائل ويفرض علينا دفع مبلغ معين بحجة أنها "أرض أجداده"، وإذا رفضنا، يتم تعطيل العمل بطرق مختلفة، سواء بترهيب العمال أو افتعال مشكلات قانونية مع الجهات المحلية.
ويضيف أن "الدولة تبدو على علم بالأمر، لكن لا أحد يتدخل بشكل حاسم مؤكداً أن استمرار فرض الإتاوات يعزز اقتصاد الظل، ويشجع على انتشار ممارسات غير قانونية تهدد بتقويض جهود الدولة في ضبط السوق العقاري.
من جانبه، يؤكد عضو لجنة الحوار ومستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمر هاشم ربيع، أن "العجارة" تعبر عن واقع تعرض له الكثير من المواطنين ورجال الأعمال من إعاقة الاستثمار السياحي وحركة المد العمراني وهو ما بات واضحًا أيضًا من تكرار الشكاوى من تصرفات وإتاوات سكان الساحل الشمالي الأصليين، وكيف تعامل البعض منهم مع الملاك الجدد بكل غلظة وجفوة، بل سرقة ممتلكاتهم والسطو المسلح عليها في بعض الأحيان.
ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنه من الوقائع الشهيرة عندما تم الاعتداء على موقع الضبعة في مطروح من قبل مجهولين وتحرير محضر بمعرفة العاملين بالموقع، بقسم شرطة الضبعة رقم 9 ح والمحضر رقم 1628 جنح مطروح لسنة 2011 ورقم 4803 جنايات مطروح لسنة 2011، وذلك بعد هدم الأسوار وتفجير المكاتب الإدارية والمخازن والورش والجراج ونهب جميع محتوياتها، وسرقة جميع الاستراحات الخاصة بجميع كوادر الهيئة.
ويحذر ربيع من أن استمرار مثل هذه الظواهر يضعف الثقة في المناخ الاستثماري، ويدفع المستثمرين إلى البحث عن مناطق أخرى أكثر استقرارًا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية فهي ليست مجرد قضية محلية، ويمتد تأثيرها ليس فقط على سوق العقارات، بل على الاستثمار في كل مصر.
وسيلة للحصول على جزء من الثروة
في المقابل، يرى آخرون أن "العجارة" ليست سوى وسيلة للحصول على جزء من الثروة التي يتم جنيها من أراضٍ كانت يومًا ما ضمن نطاقهم التاريخي، كما يقول الباحث السياسي، علي الرجال الذي علق على هذه الإشكالية عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بقوله إن "الصراع حول الأرض في مصر تاريخي، ودائمًا ما يؤدي إلى نزاعات عنيفة، لأن الملكية لم تُحسم بشكل عادل، والحكومات المتعاقبة اعتمدت على التواطؤ مع رجال الأعمال بدلًا من خلق حلول عادلة للإدماج الاقتصادي للسكان المحليين".
ويرى المحامي والخبير القانوني محمد علي، أن إنكار المشكلة لا يفيد في حلها وإذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حازمة، فقد يؤدي ذلك إلى إحجام المستثمرين عن التوسع في مشروعاتهم أو حتى الخروج من السوق نهائيًّا". وأضاف أن الحل يتطلب مزيجًا من التدخلات الأمنية والتشريعية إلى جانب تقنين أوضاع الأراضي المتنازع عليها، مع وضع آليات تعويض عادلة لأبناء القبائل، وإلا فإن هذه الظواهر ستستمر بالتجدد كل فترة".
ويضيف المحامي: أما على المستوى الأمني، فإن نجاح الدولة في إنهاء الظاهرة مرتبط بمدى قدرتها على فرض القانون من دون إثارة مزيد من التوترات الاجتماعية، وتجربة التصدي لـ"العجارة" في بعض مناطق سيناء سابقًا قد تكون نموذجًا، لكن تطبيقها في الساحل الشمالي يحتاج إلى مقاربة مختلفة، تأخذ في الاعتبار الخصوصية القبلية والاقتصادية للمكان.
تهدئة الغضب القبلي
وعلى الرغم من أن الدولة تدخلت في بعض الحالات لإزالة التعديات وفرض سيادة القانون، لا يزال رد الفعل الرسمي محدودًا. محافظ مطروح اللواء خالد شعيب، سارع إلى تهدئة الغضب القبلي بعد أزمة الشيتي، مؤكدًا في تصريحات صحافية أن "البدو شركاء في التنمية، وأن الدولة تتعاون معهم لحل المشكلات العالقة".
لكن في المقابل، لم تُعلَن أي خطط واضحة لمواجهة "العجارة" أو تنظيم أوضاع الأراضي. في المقابل، يرفض العديد من كبار العائلات هذه الظاهرة على الرغم من ارتباطها بتصرفات بعض أبناء القبائل كما يقول سامي خير الله، أحد وجهاء قبائل خير الله والمنتشرة من غرب الإسكندرية حتى مطروح، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يفعله البعض لا يمثل الغالبية العظمى من البدو".
وعن سبب انتشار هذه الظاهرة يضيف خير الله: "قد يكون هناك شعور بالظلم لديهم وهم ينظرون إلى الأمر بأن الأراضي الموجودة هي ملك أجدادهم، وباعوها بأثمان بخسة وهم يحصلون على حقوقهم فيها، كما أن الدولة لم تضمن تعويضًا عادلًا أو إشراك أبناء القبائل في المشروعات الاستثمارية التي تقام على أراضيهم. ويشير إلى أن الكثير من أبناء تلك القبائل يواجهون تلك الجباية التي أرهقت أصحاب الحقوق وبثت الرعب والخوف من التعامل معهم.