نظرة للأرقام الصادرة اليوم الخميس عن مؤسسات عالمية تعطيك نتيجة بأن العالم يعيش أزمة اقتصادية حقيقية، وأن تلك الأزمة تتفاقم يوما بعد يوم وتترك آثارا خطيرة على المواطن ومعيشته، وأن سبب الأزمة ليس طارئا أو بسبب جائحة كورونا، بل لأسباب أخرى كثيرة، منها مثلا تنامي المخاطر الجيوسياسية والحروب والقلاقل وأزمات الغذاء والرقائق والسلع الأساسية والأزمات المناخية حول العالم.
1 - استفحال غلاء الأغذية
الرقم الأول والأخطر يتعلق بارتفاع أسعار الأغذية العالمية لتصل إلى قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما يرفع أعداد الجوعى والفقراء، ويزيد من المخاطر السياسية والاجتماعية، ويضغط على موازنات الدول التي تعتمد أسواقها على الخارج في التزود بالقمح والأغذية وغيرها من السلع الغذائية.
ارتفع مؤشر أسعار الغذاء خلال شهر يناير/ كانون الثاني، ليقترب من أعلى مستوياته على الإطلاق المسجل عام 2011
ووفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) الصادرة اليوم، فقد ارتفع مؤشر أسعار الغذاء خلال شهر يناير/ كانون الثاني، ليقترب من أعلى مستوياته على الإطلاق المسجل عام 2011، وهو ما يضيف أعباء إلى تكاليف المعيشة المرتفعة أصلا والتي يواجهها المستهلكون حول العالم، خاصة المقيمين في الدول المستوردة للغذاء، والتي يقع معظمها في المنطقة العربية وأفريقيا.
أزمة الأغذية ستتواصل خاصة مع قفزة أسعار الأسمدة والتي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي حول العالم، ما يفاقم من موجات الغلاء التي لم تعد تعصف فقط بالمستهلكين في الدول ذات الموارد المالية المحدودة، وإنما أيضا بالبلدان الغنية والاقتصادات المتقدمة.
2 - موجات التضخم
الرقم الثاني يتعلق بموجات التضخم التي تجتاح العالم، فمعدل التضخم بلغ في تركيا 48.7% وفق الأرقام الصادرة اليوم وهو أعلى معدل منذ العام 2002.
هذه الزيادة لا يعود سببها فقط إلى تهاوي سعر الليرة وفقدانها نحو 40% من قيمتها خلال العام الماضي، لكن لأسباب عالمية، منها القفزات التي تشهدها أسعار الطاقة حول العالم والتي تحمل الموازنة التركية أعباء إضافية.
كما تعيش الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول ذات الاقتصادات القوية موجة تضخمية غير مسبوقة، بريطانيا مثلا تشهد أزمة غلاء وقفزات في الأسعار لم تشهدها منذ 30 عاما، والقفزات تشمل أسعار الأغذية والسلع وفواتير الكهرباء والغاز وإيجارات المنازل والتأمين الطبي والمواصلات وباقي تكاليف المعيشة.
تعيش الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وغيرها من الدول ذات الاقتصادات القوية موجة تضخمية غير مسبوقة
يتكرر السيناريو في الولايات المتحدة، حيث قفز معدل التضخم إلى 7% في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو الأعلى منذ 40 عاما، فهناك قفزات في أسعار البنزين والسولار وإيجارات المساكن والأغذية والسيارات المستعملة وغيرها.
ولاحتواء التضخم ستسارع البنوك المركزية الكبرى، ومنها الفيدرالي الأميركي، لرفع سعر الفائدة، وهو ما سيؤثر سلبا على الاستثمار المباشر وتوفير فرص عمل للعاطلين من العمل.
فقد رفع بنك إنكلترا المركزي، اليوم، سعر الفائدة، وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2004 التي يرفع فيها البنك الفائدة في اجتماعين متتاليين، بعدما رفعها خلال ديسمبر للمرة الأولى منذ بداية الوباء.
3 - جموح أسعار النفط
الرقم الثالث يتعلق بالقفزات التي تشهدها أسعار النفط مدفوعة بزيادة الطلب العالمي ومخاوف من غزو روسي لأوكرانيا، فالسعر تجاوز هذا الأسبوع 91 دولارا للبرميل، ومن الممكن أن يصل إلى 100 دولار خلال فترة قصيرة.
وهذه القفزات تؤثر سلبا على المواطنين حول العالم عبر الزيادة في كلفة المشتقات البترولية وأسعار البنزين والسولار، وفي حال استمرار تلك القفزات، فإن بعض الحكومات العربية ستندفع نحو زيادة أسعار الوقود، وهو ما يزيد الأعباء على المواطن والمصانع والمستثمرين على حد سواء.
زيادة سعر النفط سيدفع بعض الحكومات العربية نحو زيادة أسعار الوقود، وهو ما يزيد الأعباء على المواطن والمصانع والمستثمرين على حد سواء
4 - ارتفاع قياسي لسعر الغاز
الرقم الرابع يتعلق بأسعار الغاز الطبيعي التي قفزت بشكل قياسي لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في آسيا وأوروبا في العام 2021 في ظل زيادة الطلب العالمي، واندلاع أزمة أوكرانيا، وممارسة روسيا سياسة الابتزاز ضد أوروبا والتلكؤ في تزويدها باحتياجاتها من الغاز..
وهذا الارتفاع لا ينعكس فقط على أوروبا التي تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، بل ينعكس على كل الدول المستوردة للطاقة خاصة الغاز، خاصة مع توقع وكالة الطاقة الدولية استمرار زيادة الأسعار خلال العام الجاري.
5 - تهاوي العملات الرقمية
أما الرقم الخامس فيتعلق باستمرار تهاوي أسعار العملات الرقمية، والتي كان مضاربون يراهنون عليها في تحقيق مكاسب خيالية خلال فترة قصيرة تعوضهم عن الخسائر التي تكبدوها في استثمارات أخرى.
فقد خسرت العملة الأشهر بيتكوين نحو 40% من قيمتها لتتهاوى من أعلى مستوياتها على الإطلاق البالغ 69 ألف دولار تقريبًا قبل ثلاثة أشهر، إلى نحو 37 ألف دولار في تعاملات اليوم.
خسرت بيتكوين نحو 40% من قيمتها لتتهاوى من أعلى مستوياتها البالغ 69 ألف دولار قبل ثلاثة أشهر، إلى نحو 37 ألف دولار
وفي حال استمرار هذا التهاوي فإن مضاربين عرب سيخسرون مئات الملايين من الدولارات، خاصة المستثمرين من منطقة الخليج.
تدعم استمرار هذا التهاوي عوامل عدة، منها القيود التي فرضتها البنوك المركزية على هذه النوعية من التعاملات، وتنامي حجم الاختراقات لمنصات تلك العملات، فقد تمت أمس سرقة عملات رقمية بقيمة 322 مليون دولار بعد استخدام مخترقين ثغرة أمنية بمنصة العملات المشفرة "وورمهول" Womhole لسرقة وحدات عملة الإيثر.