العالم على موعد مع حروب اقتصادية شرسة

09 مارس 2025
ترامب يلقي كلمة في منتجع مارالاغو، 18 فبراير 2025 (جو رايدل/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد العالم تصاعدًا في التوترات العسكرية والجيوسياسية، مع استعدادات أوروبية لحرب محتملة مع روسيا وتحركات ناتو، وسط مخاوف من تحركات روسية تجاه دول البلطيق وبولندا.
- أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حروبًا اقتصادية ضخمة تشمل صراعات تجارية وتقنية بين الدول الكبرى، مع التركيز على السيطرة على الموارد الطبيعية والمعابر الدولية، مما يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق العالمية.
- تتسابق الدول الكبرى للسيطرة على الموارد الطبيعية والمعادن النادرة، مما يسبب توترات اقتصادية وسياسية عالمية، مع فرض رسوم جمركية متبادلة تهدد استقرار التجارة العالمية.

بات العالم على مقربة من حربَين كبيرتَين، حرب عالمية ثالثة قد يصاحبها فوضى عسكرية واسعة النطاق، وحروب اقتصادية قد تتسبب في حدوث انهيارات كبرى في الاقتصادات والأسواق الدولية، وكساد غير مسبوق مع تراجع الاستهلاك، أو على الأقل ركود وتضخم وعرقلة النمو وأنشطة التجارة والصناعة والسياحة والنقل، وحدوث قفزات في أسعار السلع والخدمات وتكاليف المعيشة، وكذا في مستوى الدين العام وعجز الموازنات العامة، مع توقعات بعودة أسعار الفائدة المرتفعة، وتعقد سلاسل التوريد وانهيار عملات، وزيادة كلفة مستلزمات الإنتاج، وزيادة معلات البطالة وتراجع فرص العمل، وربما يصاحب ذلك انهيارات في القطاع المالي والمصرفي على غرار ما حدث مع الأزمة المالية العالمية في العام 2008.

على مستوى الحرب الأولى، العسكرية، فإن العالم بات على فوهة بركان، فهناك تنامٍ شديد في منسوب الحروب والقلاقل والتوترات والمخاطر الجيوسياسية؛ دول أوروبية تشرع سراً في وضع الأسس لحرب محتملة مع روسيا، وحلف شمال الأطلسي (ناتو) يستعد لرسم سيناريوهات عدة لحرب مفتوحة، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية، برونو كاهل، يخرج علينا قائلاً إن "روسيا تستعد لحرب مع الغرب". مخاوف غربية على دول البلطيق وبولندا من روسيا، وفي المقابل موسكو تهدد بالرد على "عسكرة" أوروبا، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يحذر قبل أيام من حرب عالمية ثالثة، وقبلها بسبعة شهور يحذّر من أن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة وكساد اقتصادي عظيم، وقال إنه الوحيد القادر على مواجهة ذلك.

هناك قلاقل متوقعة بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الصين وكندا والمكسيك وإيران والاتحاد الأوروبي والدنمارك وغيرهم على خلفية خلافات عسكرية وتجارية

وهناك قلاقل متوقعة بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الصين وكندا والمكسيك وإيران والاتحاد الأوروبي والدنمارك وغيرهم على خلفية خلافات عسكرية وتجارية، وقلاقل أخرى من الممكن أن تنفجر في أي لحظة داخل منطقة الشرق الأوسط إذا عادت إسرائيل لاجتياح غزة ولبنان وهاجمت إيران والعراق واليمن وسورية، ومع تجمع كل تلك المخاطر فإن الجميع يشاهد كيف يجرّ ترامب العالم وبسرعة نحو حرب ثالثة.

على مستوى الحرب الثانية، الاقتصادية، فقد أطلق ترامب شرارة أضخم الحروب الاقتصادية في التاريخ الحديث، حروب ستتحوّل ليس إلى تكسير عظام بين الدول فحسب، ومزاحمةٍ في الأسواق، وتنافس على السلع، وعراك اقتصادي وتقني حاد، وسعي نحو تحقيق فوائض ضخمة في الإيرادات والموازنات العامة وتقوية العملات المحلية، بل حرب إبادة مالية وقنابل تكنولوجية من الدول صاحبة أكبر اقتصادات في العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة والصين وكندا والاتحاد الأوروبي، وربما لاحقاً اليابان وكوريا الجنوبية والهند.

الحروب الاقتصادية التي بدت في الأفق لا تتوقف على الحرب التجارية الشرسة التي شنها ترامب على شركائه التجاريين فحسب، بل ستمتد إلى حروب أخرى أبرز ملامحها، سطو المستعمرين الجدد على ثروات الشعوب وفي المقدمة النفط والغاز والمعادن النادرة، التي باتت تسيل لعاب كلّ هؤلاء، وسيطرة القوى الكبرى على المعابر الدولية وأبرزها قناة بنما، واضطرابات عنيفة في أسواق الصرف والطاقة، وحروب عملات بين الدولار من جهة والعملات الرئيسية من جهة أخرى، وفي مقدمتها اليورو واليوان الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني، وهناك حروب تقنيةٍ وتكنولوجيا معلومات، ومعارك شرسة حول الرقائق الإلكترونية والملكية الفكرية، وحروب أخرى في الأسواق وموانئ التصدير تعرقل وصول السلع للمستهلكين مع حدوث قفزات فيها، والنتيجة النهائية هي عودة موجة التضخم إلى أسواق العالم التي يكتوي المستهلك بنارها.

الحرب الاقتصادية التي انطلقت بالفعل هذه الأيام ولا أحد يعرف كيف يوقفها يمكن رصدها في ملامح عدّة، الأول هو السباق العنيف بين الدول الكبرى للسطو على ثروات الشعوب، وأبرز مثال على ذلك دخول كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا في سباق للسطو على المعادن النادرة في أوكرانيا، فعقب إعلان ترامب عن قُرب توقيع اتفاق المعادن مع حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لاستراد مساعدات عسكرية بقيمة 350 مليار دولار، دخلت فرنسا على الخط عبر وزير دفاعها، سيباستيان لوكورنو، الذي كشف قبل أيام أن بلاده مهتمة هي الأخرى بالمعادن الأوكرانية النادرة، وذلك من أجل صناعتها العسكرية.

وإذا كانت عين ترامب على 50% من المعادن الأوكرانية، أو ما قد يصل إلى 500 مليار دولار، فإن أعين المستعمرين الجدد على النسبة الباقية، وهناك دول أخرى في الخلفية لا تريد أن تكون غائبة عن المنافسة، وهي تسعى للحصول على حصة مما تختزنه أوكرانيا من أراضٍ ومعادن نادرة.

في إطار الحروب الاقتصادية تعهد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما وكندا وجزيرة غرين لاند، وبالفعل باتت موانئ قناة بنما تحت سيطرة أميركا بغطاء استثماري

لا يتوقف الأمر على أوكرانيا، فقد كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة تجري محادثات استكشافية مع الكونغو الديمقراطية، سعياً لعقد صفقة من شأنها أن تسمح لها بالحصول على المعادن الثمينة من هذا البلد الأفريقي الذي يواجه تمرداً مسلحاً، ولديه مخزونات كبيرة من النحاس والكوبالت واليورانيوم ومعادن أخرى.

الصين تنهب هي الأخرى ثروات أفريقيا الضخمة في صمت، وذلك بالتنافس مع الاستعمار الجديد المتمثل في الولايات المتحدة والقديم الذي تقوده فرنسا. وإذا كان نهب واشنطن خشناً، فإنّ الصين تمارس السطو الناعم عبر منح قروض ضخمة لدول القارة تجاوزت قيمتها 134 مليار دولار، وتعهدات بزيادة دعم القارة بتمويل بقروض جديدة تبلغ نحو 51 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع رهن أصول تلك الدول الاستراتيجية من مطارات وموانئ ومعادن مقابل تلك القروض.

الملمح الثاني للحروب الاقتصادية هو الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على كندا والمكسيك والصين، حيث نفذ ترامب تهديده بفرض رسوم مشددة على واردات الدول الثلاث التي تعد من أكبر الشركاء التجاريين لبلاده، وهو ما أثار ردود فعل عنيفة وسريعة من دول العالم، خاصة الاتحاد الأوروبي الذي أكد أن الرسوم الأميركية تهدد الاستقرار الاقتصادي على جانبي الأطلسي، وتهدد بتعطيل التجارة العالمية. صحيح أن تنفيذ قرار فرض الرسوم على الدول الثلاث تأجل حتى بداية الشهر المقبل، لكن لا يزال الخطر قائماً.

كما توعد ترامب بفرض رسوم جمركية مشددة على الدول الأوروبية أيضاً وغيرها من دول العالم، وهذه الدول المستهدفة برسوم ترامب لن تقف عاجزة، بل سترد برسوم انتقامية هي الأخرى كما فعلت الصين مع الواردات الأميركية والكندية، كما حذرت أوروبا من أنها سترد "بحزم وفوراً" على أيّ إجراء أميركي جديد بحقها، وهذا ما يزيد توتر أسواق السلع حول العالم.

وفي إطار الحروب الاقتصادية أيضاً تعهد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما وكندا وجزيرة غرين لاند، وبالفعل باتت موانئ قناة بنما تحت سيطرة أميركا بغطاء استثماري، إذ أعلنت مجموعة من المستثمرين بقيادة كونسورتيوم تقوده شركة بلاك روك BlackRock عن اتفاقٍ لشراء حصص أغلبية في موانئ على جانبي قناة بنما من شركة CK Hutchison مقابل 22.8 مليار دولار، وبالتالي انتقلت ملكية الموانئ الواقعة على جانبي ممر بنما المائي، إلى أيدٍ أميركية، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لأن تستعيد الولايات المتحدة السيطرة على القناة التي يعود عمرها إلى قرن من الزمن بالقوة.

المساهمون