استمع إلى الملخص
- التداعيات الاقتصادية والصناعية: أثار القرار قلق الشركات التي تعتمد على هذه المعادن في تصنيع المحركات والرقائق، مع تحذيرات من آثار وخيمة على الاقتصاد الأميركي وتعقيد العلاقات التجارية.
- احتكار الصين للمعادن النادرة: تسيطر الصين على 99% من إنتاج المعادن النادرة، مما يمنحها نفوذاً كبيراً في تعطيل سلاسل التوريد العالمية، خاصة مع زيارة الرئيس الصيني لمصنع رئيسي في 2019.
تدخل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة منعطفاً جديداً بتعليق بكين صادراتها من مجموعة واسعة من المعادن النادرة، ما يهدد بقطع إمدادات المكونات الأساسية عن صناعات حيوية عدة في الولايات المتحدة وحول العالم، رداً على الرسوم الجمركية الضخمة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتوقفت شحنات المعادن النادرة والمغناطيسات الضرورية لتجميع كل شيء من السيارات والطائرات بدون طيار إلى الروبوتات والصواريخ، في العديد من الموانئ الصينية، ريثما تضع الحكومة الصينية نظاماً تنظيمياً جديداً. وبمجرد تطبيقه، قد يمنع النظام الجديد وصول الإمدادات إلى شركات معينة، بما في ذلك المقاولون العسكريون الأميركيون بشكل دائم.
وفي الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، فرضت الحكومة الصينية قيوداً على تصدير ستة معادن نادرة ثقيلة، تُكرّر بالكامل في الصين، بالإضافة إلى مغناطيسات أرضية نادرة، يُنتج 90% منها في الدولة. ومن بين هذه المعادن "التنغستن" و"التيلوريوم" و"البزموت" و"الموليبدنوم". ولا يُمكن الآن شحن هذه المعادن والمغناطيسات الخاصة المصنوعة منها، خارج الصين إلا بتراخيص تصدير خاصة. لكن الصين لم تبدأ بعدُ في إنشاء نظام لإصدار التراخيص. وقد أثار ذلك قلق المسؤولين التنفيذيين في العديد من الصناعات خارج الصين.
إذا نفدت مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة القوية من المصانع في ديترويت بالولايات المتحدة وأماكن أخرى، فقد يمنعها ذلك من تجميع السيارات وغيرها من المنتجات المزوّدة بمحركات كهربائية تتطلب هذه المغناطيسات. وتتفاوت الشركات بشكل كبير في حجم مخزوناتها الاحتياطية لمثل هذه الحالات الطارئة، لذا يصعب التنبؤ بتوقيت انقطاع الإنتاج.
كما تدخل المعادن النادرة في المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع المحركات النفاثة والرقائق الإلكترونية التي تُشغّل خوادم الذكاء الاصطناعي والهواتف الذكية. ووفق مايكل سيلفر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "أميركان إليمنتس"، وهي شركة توريد مقرها لوس أنجليس، إن شركته أُبلغت بأن إصدار تراخيص التصدير واستئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس سيستغرقان 45 يوماً. وأضاف سيلفر لصحيفة نيويورك تايمز أن شركته زادت مخزونها الشتاء الماضي تحسباً لحرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، ويمكنها الوفاء بعقودها الحالية ريثما تصدر التراخيص.
لكن دانيال بيكارد، رئيس اللجنة الاستشارية للمعادن الأساسية في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة ووزارة التجارة، أعرب عن قلقه بشأن توافر المعادن الأرضية النادرة. وقال بيكارد "هل من المحتمل أن يكون لضوابط أو حظر التصدير آثار وخيمة في الولايات المتحدة؟ نعم". وأكد بيكارد ضرورة إيجاد حل سريع لمشكلة المعادن الأرضية النادرة، مشيرا إلى أن استمرار انقطاع الصادرات قد يضر بسمعة الصين من حيث هي مورد موثوق.
وفي تعقيد محتمل، منعت وزارة التجارة الصينية، التي أصدرت قيود التصدير الجديدة بالاشتراك مع الإدارة العامة للجمارك، الشركات الصينية من التعامل مع قائمة متزايدة من الشركات الأميركية، وخاصة المقاولين العسكريين. وقال جيمس ليتينسكي، أحد رواد التعدين الأميركيين والرئيس التنفيذي لشركة "إم بي ماتيريالز"، إن إمدادات المعادن الأرضية النادرة للمقاولين العسكريين تُثير قلقاً بالغاً. وأضاف: "تُعتبر الطائرات بدون طيار والروبوتات على نطاق واسع مستقبل الحرب، وبناءً على كل ما نراه، فإن المدخلات الأساسية لسلسلة التوريد المستقبلية لدينا قد توقفت". وتمتلك "إم بي ماتيريالز" منجم المعادن الأرضية النادرة الوحيد في الولايات المتحدة، وهو منجم "ماونتن باس" في صحراء كاليفورنيا بالقرب من حدود نيفادا، وتأمل في بدء الإنتاج التجاري بنهاية العام لصالح شركة "جنرال موتورز" وغيرها من الشركات.
تحتفظ بعض الشركات اليابانية بمخزونات من المعادن الأرضية النادرة تزيد عن إمدادات عام كامل، بعد أن تضررت في عام 2010، عندما فرضت الصين حظراً لمدة سبعة أسابيع على هذه الصادرات إلى اليابان خلال نزاع إقليمي. لكن العديد من الشركات الأميركية لا تحتفظ بمخزون كبير، أو لا تحتفظ به على الإطلاق، لأنها لا ترغب في إيداع أموالها في مخزونات من مواد باهظة الثمن. ويُباع أحد المعادن الخاضعة للضوابط الجديدة، وهو "أكسيد الديسبروسيوم"، بسعر 204 دولارات للكيلوغرام في شنغهاي، وأكثر من ذلك بكثير خارج الصين.
وتُشكل مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة حصة ضئيلة من إجمالي صادرات الصين إلى الولايات المتحدة وغيرها. لذا، فإن إيقاف الشحنات لا يحمل الكثير من الضرر الاقتصادي على الصين، بينما يحمل في طياته احتمالية حدوث آثار كبيرة في الولايات المتحدة وغيرها.
ويمنع مسؤولو الجمارك الصينيون صادرات المعادن الأرضية النادرة الثقيلة والمغناطيسات، ليس فقط إلى الولايات المتحدة، بل إلى أي دولة أخرى، بما في ذلك اليابان وألمانيا. وتحتوي معظم مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، وليس كلها، على معادن أرضية نادرة ثقيلة، وهي ضرورية لمنعها من فقدان مغناطيسيتها في درجات الحرارة العالية أو في بعض المجالات الكهربائية، فيما تُصنع بعض المغناطيسات من معادن أرضية نادرة خفيفة، ولا تخضع لقيود التصدير، إذ يسمح مسؤولو الجمارك في بعض الموانئ الصينية بتصديرها المغناطيسات إذا كانت تحتوي على آثار ضئيلة فقط من معادن أرضية نادرة ثقيلة، وإذا لم تكن المغناطيسات متجهة إلى الولايات المتحدة.
حتى عام 2023، أنتجت الصين 99% من إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة، مع إنتاج ضئيل من مصفاة في فيتنام. لكن هذه المصفاة أُغلقت خلال العام الماضي بسبب نزاع ضريبي، مما ترك الصين في حالة احتكار. كما تنتج الصين 90% مما يقرب من 200 ألف طن سنوياً من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة في العالم، وهي أقوى بكثير من مغناطيسات الحديد التقليدية، فيما تنتج اليابان معظم الباقي، وتنتج ألمانيا كمية ضئيلة أيضاً، لكنهما تعتمدان على الصين في الحصول على المواد الخام.
وتقع أغنى رواسب المعادن النادرة الثقيلة في العالم في وادٍ صغير بمقاطعة جيانغشي في جنوب وسط الصين. وتُدير شركة "JL Mag "، التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة غانتشو، أشهر مصنع في الصين لهذه المغناطيسات. وقال مسؤولون تنفيذيون في صناعة المعادن النادرة إن المصنع يزود أكبر شركتين لإنتاج السيارات الكهربائية في العالم، "تسلا" الأميركية و" بي واي دي" الصينية، بالمغناطيسات التي تُشغّل سياراتهما. وصرحت شركة السيارات الصينية بأنها تشتري بعضاً من أحدث وأقوى المغناطيسات في العالم من شركة "JL Mag"، بقوة مغناطيسية تفوق 15 ضعفاً مقارنةً بمغناطيس الحديد التقليدي.
وقام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بزيارة تفقدية خاصة لمصنع "JL Mag" في عام 2019، خلال التوترات التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الأولى. وقد فُسِّرت الرحلة على أنها تلميح إلى أن الصين مستعدة لاستخدام سيطرتها على المواد لتعطيل سلاسل التوريد الأميركية، وهي خطوة لم تتخذها آنذاك، ولكنها تفعلها الآن.