الصومال... الزراعة تسحب البساط من الهجرة غير الشرعية

24 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 06:45 (توقيت القدس)
مزرعة على مشارف مقديشو، 12 يونيو 2022 (حسن علي علمي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراجعت جاذبية الهجرة غير الشرعية إلى دول الخليج للشباب الصومالي بسبب تجارب سلبية في اليمن والسعودية، مما دفعهم للعودة والبحث عن فرص عمل محلية مثل الزراعة.
- في بيدوا، جنوب غرب الصومال، نجح محمود نور حسن في التحول من التسول إلى الزراعة، محققًا دخلًا جيدًا، وهو مثال على نجاحات الشباب العائدين الذين بدأوا مشاريع زراعية جماعية.
- تعكس هذه القصص العلاقة بين البطالة والإرهاب والهجرة غير الشرعية، حيث تقدم الزراعة بديلاً اقتصاديًا يحمي الشباب من المخاطر ويعزز ثقتهم في بناء مستقبلهم في الصومال.

لم تعد الهجرة غير الشرعية عبر قوارب صيد صغيرة إلى دول الخليج سيما السعودية، وهي رحلة شاقة وخطيرة تستغرق ساعات طويلة قبالة سواحل اليمن، فكرة تستهوي الكثير من الشباب الصومالي، وذلك بعد تجربة الشباب الذين وصلوا إلى اليمن والسعودية ويعودون طواعية تدريجياً بعد تعذر حصولهم على فرص عمل جيدة، ما دفع الكثير منهم إلى البحث عن مهن جديدة في وطنهم لتأمين مصدر رزقهم.

في مدينة بيدوا بجنوب غرب الصومال، يعيش محمود نور حسن (39 عامًا) حياة مستقرة لم يكن يتوقعها قبل سنوات قليلة. فالرجل الذي كان ضحية للهجرة غير الشرعية إلى السعودية، أصبح اليوم مزارعًا ناجحًا قادرًا على إعالة أسرته وتوفير دخل ثابت. حسن هو واحد من خمسين شابًا صوماليًا قرروا تحويل إخفاق تجربة "التَهرِيب" وما رافقها من معاناة إلى فرصة عمل جماعي من خلال استئجار أراضٍ زراعية.
يقول حسن إنه جنى في موسمه الأول أكثر من 800 دولار من بيع الخضروات في أسواق بيدوا، وهو دخل مكّنه من استئجار منزل، والإنفاق على تعليم طفلَيه، والادخار لأول مرة في حياته. ويضيف: "في الماضي كنت أعيش على التسول، أما اليوم فأخرج صباحًا إلى مزرعتي وأعود محملاً بالخضروات التي تعيل أسرتي. لم أعش يومًا أفضل من هذا الوضع".

تجربة حسن ليست استثناءً، بل قصة متكررة بين العشرات من الشباب الذين عادوا صفر اليدين بعد محاولات فاشلة للهجرة غير الشرعية عبر اليمن إلى السعودية.

بعضهم قضى شهورًا في سجون التهريب، وآخرون دفعوا مبالغ باهظة بمثابة فدية لإطلاق سراحهم. هؤلاء الشباب، الذين دفعتهم البطالة وانعدام الأمل إلى ركوب البحر، وجدوا في النهاية الحل في الأرض التي تركوها وراءهم.
إبراهيم موسى، أحد المشاركين في مشروع استئجار أراضٍ زراعية، يروي أنه بعد سنوات من التسول والاعتماد على أقارب لتوفير وجبة واحدة يوميًا، أصبح قادرًا اليوم على دفع إيجار منزل صغير وتعليم ثلاثة من أطفاله، بعد أن حقق دخلاً تجاوز 700 دولار من بيع محاصيل مثل الطماطم والبصل واللوبياء. ويؤكد: "كل واحد منا بات قادرًا على إعالة أسرته، وادخار جزء من دخله للطوارئ. هذا التحول منحنا الكرامة والطمأنينة".
أما إسحاق نور، رئيس المجموعة الزراعية، فيوضح أن المبادرة بدأت في مارس/ آذار الماضي برأسمال جماعي بلغ 15 ألف دولار جُمعت من قروض وتبرعات عائلية. استثمر الشباب الأموال في حفر بئر وشراء مضخة مياه، ما مكنهم من زراعة مساحات واسعة من الخضروات والذرة. ويشير إسحاق إلى أن نجاح التجربة جعلهم يتطلعون إلى مشاريع أكبر لزيادة الإنتاج والدخل.

قصص هؤلاء الشباب تكشف عن العلاقة المباشرة بين البطالة والإرهاب والهجرة غير الشرعية في الصومال. فمعدلات البطالة بين الشباب تتجاوز 70% وفق تقارير البنك الدولي، فيما يدفع غياب فرص العمل آلافًا منهم إلى خيارين أحلاهما مر: إما الانخراط في صفوف جماعات مسلحة مثل حركة الشباب، أو المخاطرة برحلة تهريب محفوفة بالموت والجوع والابتزاز.
الهجرة غير الشرعية عبر خليج عدن والبحر الأحمر باتت واحدة من أخطر الظواهر الإنسانية المرتبطة بالصومال، حيث تفيد المنظمة الدولية للهجرة (IOM) بأن مئات الصوماليين يتم ترحيلهم سنويًا بعد فشلهم في الوصول إلى وجهاتهم. كثير منهم يعودون بخيبة أمل، مثقلين بديون أسر دفعت فدىً ضخمة لإنقاذهم من قبضة المهربين.
ما يميز تجربة شباب بيدوا هو أنها تقدم نموذجًا عمليًا لإيجاد بدائل اقتصادية تحصّن الشباب من الانجرار وراء الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية. فالمشروع الزراعي وفّر دخلاً ثابتًا، وأعاد الثقة للشباب في قدرتهم على صنع مستقبل داخل وطنهم، بدلًا من البحث عن فرص وهمية خارجه.
ويقول محمود نور حسن، مبتسمًا وهو يتفقد محصوله: "لو استثمرنا جهدنا وعرقنا في أرضنا، فلن نحتاج إلى المخاطرة بحياتنا. البطالة هي العدو الأكبر، والعمل هو الطريق إلى الكرامة".

المساهمون