الصكوك الإسلامية من مدمِّرة إلى منقذة

الصكوك الإسلامية من مدمِّرة إلى منقذة

16 ديسمبر 2020
مقر وزارة المالية المصرية (تويتر)
+ الخط -

قبل نحو 8 سنوات شنت وسائل إعلام مصرية حملة شرسة على قانون الصكوك السيادية الذي تبنته حكومة الدكتور محمد مرسي في عام 2013 وسعت من خلاله إلى تنويع أدوات الدين العام، وجذب أموال ونقد أجنبي من الخارج، خاصة الأموال الخليجية والعربية التي تذهب للبنوك الغربية باحثة عن فرص استثمار قليلة المخاطر مقبولة العائد.

وكذلك الأمر بالنسبة لاستقطاب استثمارات أجنبية مستقرة تلعب دوراً في تأسيس مشروعات جديدة توفر فرص عمل وتزيد الصادرات وتدعم استقرار سوق الصرف الأجنبي، وليس استقطاب أموال ساخنة فقط تدخل البلاد بسرعة بحثا عن سعر الفائدة المرتفعة على أذون وسندات الخزانة الحكومية، وتخرج بسرعة مع حدوث أي قلق أو مخاطر سياسية أو اقتصادية سواء كانت محلية أو خارجية، وبالتالي تترك آثاراً مدمرة على الاقتصادات الوطنية.

وقتها عملت وسائل الإعلام من صحف وفضائيات على "شيطنة" قانون الصكوك، وإلصاق كل نقيصة اقتصادية ودينية به، بل ووصفته بأنه "خطة محكمة من النظام الحاكم لأخونة وأسلمة الاقتصاد والبنوك وأدوات الدين، ومقدمة للتوسع في نشر المصارف الإسلامية، وبالتالي إغلاق البنوك التجارية التي تتعامل بالربا".

وفي اطار خطة الشيطنة راحت الصحف تتحدث بتوسع عن مساوئ ومخاطر قانون الصكوك باعتباره أحد أبرز ملامح أخونة الدولة في حكم الدكتور محمد مرسي، والتأكيد على أنه تم إقراره من الحكومة رغم تأكيد مجمع البحوث الإسلامية مخالفته للشريعة.

بل وتندرت الصحف على الصكوك وقتها حينما أسمتها "صكوك بلحية إسلامية ونقاب"، ونقلت عن كتاب ومفكرين أمثال علاء الأسواني وغيره قولهم إن النظام الحاكم مرر قانون الصكوك رغم مخالفته للشريعة لتحقيق مصلحته الشخصية. 

وتمر السنوات، وإذ فجأة تتحول الصكوك الإسلامية من أداة مالية مدمِّرة للاقتصاد المصري إلى أداة منقذة، وإذا بالحكومة المصرية الحالية تخرج من الأدراج نفس مشروع قانون الصكوك الذي تم إلغاء العمل به في عام 2015 بقرار جمهوري، ليقره مجلس الوزراء قبل أيام، ويحيله إلى البرلمان الذي بدأ على الفور مناقشته أمس الثلاثاء من قبل ثلاث لجان هي: الاقتصادية والتشريعية والخطة والموازنة تمهيدا لإقراره والعمل به.

ومع تبني الحكومة قانون الصكوك وتحمسها لطرح تلك الأداة الإسلامية المنتشرة عالميا تحولت وسائل الإعلام من شيطنته والنقد الشديد له إلى مؤيد قوي ومتحمس له، بل ومروج لها، ومعدداً مزياها التي لا تعد ولا تحصى.

فالصكوك، في رأي الصحف، تساعد في جذب الاستثمارات الخارجية وتدفق النقد الأجنبي، وتساهم حصيلتها في تمويل الموازنة العامة للدولة والمشروعات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية.

والصكوك أحد أنواع الأوراق المالية الحكومية التي من شأنها جذب مستثمرين جدد مصريين وأجانب ممن لا يستثمرون في الإصدارات الحكومية الحالية من الأوراق المالية وأدوات الدين. 

وتنقل الصحف في تقاريرها المنشورة عن محليين قولهم إن التوسع في طرح الصكوك يعد أبرز الحلول لسد الفجوة التمويلية للموازنة العامة، وهناك توقعات بتوسع الحكومة في إصدار الصكوك خلال الفترة المقبلة باعتبارها بديلا أفضل للقروض الدولية المكلفة ماليا وسياسيا.

كما تنقل وسائل اعلام عن محمد معيط وزير المالية قوله إن "إصدار الصكوك يأتي ضمن خطة الوزارة لتنويع قاعدة المستثمرين في الأوراق المالية الحكومية، خاصة أن الصكوك السيادية تصدر بصيغ متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، كما أن السوق يوفر تمويلاً وسيولة إضافية لأسواق المال الحكومية، علاوة على خفض تكلفة تمويل عجز الموازنة العامة للدولة وإطالة متوسط عمر محفظة الدين".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبغض النظر عن التغير الصارخ في المواقف الحكومية والاعلامية تجاه الأداة المالية، فإن هذا لا ينفي حقيقة أن الصكوك تعد واحدة من أبرز أدوات الدين في العالم، وأنها الأكثر انتشارا، وتلقى قبولاً كبيراً في كل أسواق المال بما فيها الغربية، وزاد الإقبال عليها عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومن المتوقع زيادة وتيرة الإقبال عقب انقشاع وباء كورونا.

ويكفي القول إن الأرقام تشير إلى أن عام 2019 شهد إصدارا قياسيا للصكوك بلغت قيمتها 145.7 مليار دولار، بزيادة نحو 18.32% عن عام 2018، وأن سوق التمويل الإسلامي كبير، حيث بلغ حجم التعاملات به نحو 2.7 تريليون دولار حتى نهاية يونيو/حزيران 2020. 

وأن دولاً ذات اقتصادات قوية سمحت لبنوكها ومؤسساتها المالية وشركاتها بطرح الصكوك، ومن بين هذه الدول بريطانيا وألمانيا واليابان، وأن دولة مثل ماليزيا تنفرد وحدها بنحو 60% من إجمالي الصكوك الإسلامية في العالم، وأن السعودية استحوذت على نحو 49.1% من حجم الصكوك المصدرة في دول الخليج خلال العام الماضي 2019، البالغ 57 مليار دولار.

المساهمون