السياحة المستدامة تحدٍ صعب في المحيط المتجمد الشمالي

السياحة المستدامة تحدٍ صعب في المحيط المتجمد الشمالي

28 مايو 2022
أصبحت السياحة إحدى الركائز الرئيسية للاقتصاد المحلي في الأرخبيل (فرانس برس)
+ الخط -

يسعى أرخبيل نرويجي يقع في أعالي المحيط المتجمد الشمالي إلى التركيز على مفهوم السياحة المستدامة، من خلال إتاحة الاستمتاع بالطبيعة النقية لهذه المنطقة من العالم من دون الإضرار بها، لكنّ هذا الرهان الجذّاب ينطوي عملياً على صعوبة ليصبح في موضع التنفيذ.

تشكّل الرحلة بطائرة عادية إلى أرخبيل سفالبارد (أو سبيتزبرغ) الواقع على بعد 1300 كيلومتر من القطب الشمالي مغامرة قطبية مثيرة، إذ إن المشهد فيه يتألف من مساحات برية شاسعة خلابة، ودببة قطبية، وتمكن مشاهدة الشمس في سمائه في منتصف الليل، أو الاستمتاع بألوان الشفق القطبي، تبعاً للموسم. 

لكنّ هذا الأرخبيل الواقع في منطقة تزيد حرارتها بسرعة تفوق بثلاثة أضعاف سرعة احترار كوكب الأرض، يشكّل أيضاً واجهة للتغيّر المناخي الذي يعانيه العالم، ومؤشر إنذار مبكر لهذه الظاهرة، أشبه بطائر الكناري الذي كان يُستخدم لرصد وجود الغازات في مناجم الفحم.

والواقع أن مناجم الفحم التي كانت السبب التاريخي للوجود البشري في هذه البقعة، أغلقت كلها تقريباً على مرّ السنوات، وأصبحت السياحة، إلى جانب البحث العلمي، الركائز الرئيسية للاقتصاد المحلي، والقطاع الذي يشكّل أكبر مصدر لفرص العمل.

ويعترف مدير جمعية العاملين في القطاع السياحي روني برونفول بأن "من الصعب دائماً الدفاع عن السياحة إذ من المعروف أنها تتسبب بتحديات في كل الأماكن التي يزورها الناس، ولكن من وجهة نظر مناخية كذلك".

لكنه يضيف أن "من غير الممكن منع الناس من السفر، أو زيارة بعضهم بعضاً، لذلك ينبغي إيجاد حلول".

وفي الأرخبيل الذي تشكل 65% من أراضيه محميات، ينبغي على الزوار البالغ عددهم 140 ألف شخص سنوياً (أرقام ما قبل جائحة كوفيد-19) أن يمتثلوا كما السكان البالغ عددهم ثلاثة آلاف لقواعد صارمة، من بينها عدم المس بالحياة البرية.

ويفرض القانون مثلاً غرامات كبيرة على من يتصيد الدببة القطبية أو يقطف الزهور من أراضي الأرخبيل ذات الغطاء النباتي المحدود.

وتقول المصوّرة الفرنسية التي تزور الأرخبيل فريديريك باراجا: "نحن نرى الطبيعة في الواقع، إذ لم تعد توجد مناطق مماثلة"، مضيفة أنّ هذا العامل "يجذب السياح كأي مكان نادر آخر. ولأنّ بيئة الأرخبيل حساسة، ينبغي احترامها عند زيارته".

وحظر منذ بداية العام في مياه الأرخبيل استخدام زيت الوقود الثقيل الذي تعمل به السفن الكبيرة، نظراً إلى أنه عنصر تلويث كبير. وفرض هذا الحظر حتى قبل بدء نفاذ الحظر التدريجي في المنطقة القطبية الشمالية كلها بحلول 2024.

وأثر هذا الحظر سلباً على السفن العملاقة المهترئة التي تنقل أحياناً ما يصل إلى خمسة آلاف راكب إلى منطقة لونغييربيين، وهي عاصمة الأرخبيل، حيث البنية التحتية، من الطرق إلى المراحيض، غير مهيأة لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الزوار.

مركبات كهربائية

وفي قطاع سياحي أصبح موجهاً نحو زبائن محددين نوعاً ما، يقترح بعض الجهات المعنية أفكاراً أكثر تقدّماً وتتخطى القواعد المفروضة، كمجموعة "هورتيغروتن" للنقل التي تسعى إلى أن تصبح "الشركة السياحية الـطكثر احتراما للبيئة في العالم".

ويقول هنريك لاند، وهو أحد كبار المسؤولين في المجموعة، إنّ الاستدامة "ينبغي ألا تشكل ميزة تنافسية، بل مدخلاً للتمكّن من العمل".

وبعدما حظرت المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد عام 2018، توفر الشركة السياحية حالياً رحلات بعربات جليد كهربائية، وأصبحت تقدم منذ مدة قصيرة رحلات بحرية على متن قارب صغير يعمل بالديزل والكهرباء أطلقت عليه تسمية "الدب القطبي" باللغة النرويجية.

ويقول رئيس قسم المركبات البحرية في شركة "فولفو بنتا" يوهان إندين "انتقلنا في مواقع الاستكشاف المثالية إلى المركبات التي تعمل على الكهرباء ولا تصدر أصواتاً أو حتى تبعث دخاناً ناجماً عن اشتعال الوقود".

إلا أن مشكلة صغيرة تُسجل في سفالبارد وتتمثل في أنّ الكهرباء لا تزال تولَّد باستخدام محطة تعمل بالفحم، وهو مصدر أحفوري للطاقة يساهم في تعزيز الاحترار المناخي.

ويؤكد مدير منظمة البيئة النرويجية غير الحكومية "بيلونا" كريستيان إريكسن أنّ "اعتماد الكهرباء مفيد أياً يكن مصدر الطاقة".

سياحة وسفر
التحديثات الحية

وتوفر الكهرباء في كل الأحوال، أكانت تولَّد من مصدر "ملوّث" أو "نظيف"، "انخفاضاً في الانبعاثات"، على ما يقول، مشيراً إلى دراسة أُجريت في شأن السيارات الكهربائية وتوصلت إلى هذا الاستنتاج. لكنه يقول إن "الانخفاض في الانبعاثات سيكون أكبر عندما تُستبدل محطة الطاقة التي تعمل بالفحم" بأخرى صديقة للبيئة.

وليس تنفيذ هذا الإجراء بعيداً، إذ تعتزم لونغييربيين إغلاق محطة الطاقة الملوثة بحلول خريف 2023، واللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة فيها إلى 80% بحلول سنة 2030.

ويقول روني برونفول: "علينا أن نقوم بما نستطيع إنجازه محلياً كاتخاذ إجراءات تحدّ من الانبعاثات الناجمة عن عربات الجليد أو السيارات، وينبغي أن ندرك أنّ المشكلة الكبيرة الفعلية تتمثل في النقل من سفالبارد وإليها إن ضمن رحلات سياحية أو على مستوى تنقل السكان المحليين الذين يعيشون في هذه المنطقة".

ويضيف أن "البصمة المناخية للفرد في لونغييربيين تسجل مستويات جنونية".

(فرانس برس)

المساهمون