السوق الموازية الجزائرية: مساع لمحاصرة المخالفات بإلزامية "الفوترة"

السوق الموازية الجزائرية: مساع لمحاصرة المخالفات بإلزامية "الفوترة"

17 يوليو 2021
التجار يستبعدون الالتزام بالفواتير (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

قررت الحكومة الجزائرية إعادة شن حملة واسعة ضد الاقتصاد الموازي أو ما يُعرف بـ"السوق السوداء" التي تأبى التوقف عن التمدد والتوسع أمام أعين السلطات الرسمية.

إذ تتجه الحكومة نحو تفعيل قانون الممارسات التجارية المُصادق عليه قبل عشر سنوات والذي يلزم التجار من مختلف القطاعات بالتعامل بالفواتير كخطوة أولى، على أن تحمل الخطوة الثانية إلزامية التعامل بالصكوك البنكية في التعاملات التجارية.

إلا أن هذه الخطوة دونها الكثير من العقبات الهيكلية والذاتية، خاصة أنها تقابل بالرفض من قبل التجار والقوى الاحتكارية التي تواجه تنفيذ القانون برفع الأسعار ما يدفع إلى توتر الشارع.

ويكشف حسان بلقندوز، وهو مدير فرعي في قسم ترقية المنافسة في وزارة التجارة الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، أن "إلزام التعامل بالفواتير ليس بالأمر الجديد، فالقانون التجاري الجزائري تحدث عن هذه النقطة في العديد من المواد، إلا أنه بسبب الظروف التي مرت على البلاد منذ 1991 أصبحت التعاملات التجارية تتم خارج الإطار الرسمي".

ويضيف المصدر ذاته أن "السلطات عازمة على تطبيق القوانين بحذافيرها في أقرب الآجال، مهما كانت النتائج، إذ لا يعقل أن تستمر الأمور بهذه الطريقة في العام 2021 في ظل توافر كل الإمكانيات التقنية المصرفية لتنظيم العمل التجاري".

وحول القطاعات المعنية بهذا الإجراء، يلفت بلقندوز إلى أن "القانون سيطبق بحذافيره على جميع القطاعات، احتراما لقانون المنافسة الذي يقر المساواة بين المتعاملين الاقتصاديين، إلا أننا أخذنا بالاعتبار خصوصية كل قطاع، فالخدمات ليست كالزراعة والعقار مثلاً".

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم المبادلات التجارية غير "المفوترة" خلال السداسي الأول من 2021 بلغ 410 ملايين دولار، في مقابل 389 مليون دولار في الفترة ذاتها من السنة الماضية، بزيادة وصلت إلى 32 في المائة.

معاملات بلا فواتير

ويشرح بلقندوز أن وزارة التجارة استحدثت "سند المعاملة التجارية، الذي ينوب عن الفواتير في التعاملات التجارية التي تتم في قطاع الزراعة بمختلف شعبها من خضر وفواكه وبيعٍ للمواشي والأسماك، حيث يكون السند عقدا بين البائع والمشتري يتم فيه تحديد نوع المنتج محل المعاملة والكمية والمبلغ، وهو ما سيقضي على المضاربة والوسطاء لأنه سيسمح بتتبع أثر السلع".

وفي ما يخص الرقابة ومدى امتثال المتعاملين الاقتصاديين والتجاريين لهذه الإجراءات، يؤكد أن "دوريات تابعة لوحدة مكافحة الغش في الوزارة ستشرع في جولات ميدانية مفاجئة، وفي حال تسجيل أي تجاوزات ستتم إحالة المخالفين إلى القضاء بعد إنذارهم".

وليست هذه المرة الأولى التي تتوجه فيها الحكومة الجزائرية نحو فرض "فَوترة" التعاملات التجارية بمختلف أنواعها، تطبيقا للمادة العاشرة من قانون الممارسات التجارية الأخير الذي دخل مرحلة التطبيق في بداية سنة 2011، والذي ينص على أن "كل بيع لسلعة أو خدمة بين بائع ومشتر يجب أن تكون من خلال فاتورة أو وثيقة تقوم مقامها".

وقد توجت المحاولة الأولى للحكومة الجزائرية في فرض القانون على التجار والمتعاملين الاقتصاديين بالفشل، بعدما اندلعت موجة احتجاجات شعبية في بداية سنة 2011، سُميت بأحداث "الزيت والسكر"، بسبب ارتفاع أسعار المادتين بعد المضاربة التي أحدثها التجار المسيطرون على الاقتصاد الموازي للي ذراع الحكومة. وجمدت الحكومة حينها القانون تخوفا من تحول أحداث "الزيت والسكر" إلى ثورة شعبية بسبب تزامنها مع أولى ثورات "الربيع العربي".

معاندة تجارية

ولا يبدو تجار الجملة في أسواق الخضر والفواكه وحتى أسواق المواد الغذائية مستعدين للامتثال لتعليمات الحكومة، حيث يؤكد العديد ممن التقتهم "العربي الجديد" رفضهم القاطع للتعامل بالفواتير وبالصكوك البنكية لأسباب مالية وضريبية وحتى إدارية. يقول حمزة مسعودي، وهو بائع بالجملة لمواد الترصيص، إنه لا يثق في النظام البنكي ولا في النظام الضريبي في الجزائر، وبالتالي لا يفضل التعامل بالفواتير ولا بالصكوك البنكية.

ويشرح لـ"العربي الجديد"، أنه اعتاد إنهاء التعاملات التجارية في وقتها وقبض الأموال في عين المكان "أما في حال التعامل بالفواتير، فسيضيع الكثير من الوقت لاحتساب الضريبة على القيمة المضافة". من جانبه، يؤكد نبيل غافور، وهو تاجر جملة في سوق الخضر والفواكه في العاصمة الجزائرية، أنه غير مستعد للعمل بالفواتير أو بـ"سند المعاملة التجارية"، لأن طبيعة التعاملات التي تتم في هذا المجال لا تسمح بذلك، "فالسوق تغلق أبوابها عند السادسة صباحا وبائع التجزئة لا يستطيع أن ينتظرك حتى تحرر له الفاتورة أو السند".

ويتساءل المتحدث ذاته: "من سيدفع الرسم على القيمة المضافة الذي يبلغ 19 في المائة أنا أم المشتري؟". هذه المخاوف هي التي جعلت غافور يتخوف من ارتفاع الأسعار مستقبلا لأن التعاملات التجارية غالبا ما تتم وفق مبدأ "الليونة" في تحديد الأسعار مع زبائنه، إلا أن الفواتير ستجعله يضع الأسعار وفق هامش ربح محدد سلفا مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة، "وبالتالي الأكيد أن الأسعار سترتفع"، وفق تعبيره.

عوائق التطبيق

وكانت الحكومة الجزائرية قد ألزمت باستخدام وسائل الدفع الورقية بالنسبة لشراء الممتلكات العقارية التي تساوي قيمتها أو تتجاوز 5 ملايين دينار(43 ألف دولار)، وكذا اقتناء السيارات الجديدة والتجهيزات الصناعية الجديدة واليخوت وزوارق الاستجمام والممتلكات القيمة لدى تجار الأحجار والمعادن النفيسة والتي تساوي قيمتها أو تفوق مليون دينار(9 آلاف دولار).

وقد أثبت هذا الإجراء عدم استعداد الجزائريين للتعامل بالفواتير والصكوك البنكية في الوقت الراهن، والذي أرجعه الخبراء إلى مشاكل بنكية وأخرى إدارية.

وفي السياق، يرى العضو السابق في مجلس المنافسة الجزائري عبد الرحمان مبتول أنه "يستحيل أن يكون هناك إقبال على استعمال الفواتير في المعاملات التجارية، وذلك لوجود ضغط جبائي كبير في الجزائر من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة المنظومة البنكية في الجزائر تعطل العمل بها وبالصكوك لأن تحويل أي مبلغ من حساب بنكي إلى آخر يستغرق أكثرمن 36 ساعة إذا كانت الحسابات في بنك واحد و48 ساعة لتحويل الأموال من بنك إلى آخر".

وعليه ينصح المتحدث ذاته، في حديث مع"العربي الجديد"، بتأجيل العمل بمثل هذه الإجراءات، لأن الاقتصاد الجزائري لا يحتمل ضغطا إضافيا في الوقت الراهن. إذ لا يستبعد مبتول "تكرار سيناريو 2011، والسيناريوهات التي رافقت كل محاولات الحكومة فرض الفواتير، من خلال حدوث المضاربة على المواد الغذائية الأساسية وسحب الأموال من الاقتصاد الموازي، ما يؤدي إلى نقص السيولة في البلاد".

المساهمون