السفر الانتقامي وقفزة أسعار التذاكر والتعافي المؤجل

السفر الانتقامي وقفزة أسعار التذاكر والتعافي المؤجل

21 يونيو 2022
الأهرامات من أكثر الآثار جذباً للسياح الغربيين في مصر (getty)
+ الخط -

انتظرت الدول التي تعتمد على القطاع السياحي كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي ومكون هام لمعدلات نموها الاقتصادي طويلا لتعافي السياحة العالمية في أعقاب تدهورها الحاد كنتيجة لتداعيات انتشار فيروس كورونا، لكنه بات من الواضح أن خطط وطموحات تلك الدول مهددة بصورة كبيرة بعد التصاعد المستمر في أسعار تذاكر الطيران حول العالم.
وأعلنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن جائحة كوفيد-19 كلفت السياحة خسائر بتريليونَي دولار عام 2021، وهو مبلغ مماثل للعام السابق له، كما وصفت تعافي القطاع بنهاية عام 2021 بأنه "بطيء" و"هش"، كما أعلنت أن توقعاتها على المدى المتوسط ليست مشجعة، وأن تداعيات الفيروس غير المباشرة تجعل الوضع لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير، وهي التوقعات التي دفعت الدول السياحية للترحيب بالتعافي النسبي في العام الحالي والذي أضحى مهددا بارتفاع أسعار تذاكر الطيران.
وتشير تقديرات إلى أن ارتفاع أسعار التذاكر للوجهات المختلفة وصلت أكثر من 50%، وأن معدلات الزيادة ربما تكون غير مسبوقة خلال الأربعين عاما الماضية، وبذلك فإن تداعيات ذلك التصاعد الكبير في الأسعار تهدد أحلام الملايين من الراغبين في السفر بإلغاء عطلاتهم خارج البلاد، خاصة بعد فترة الإغلاقات الطويلة التي صاحبت فيروس كورونا.
وكانت العديد من التقارير العالمية قد أشارت إلى تعاف كبير نسبيا للقطاع السياحي خلال الصيف الحالي، حيث توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا IATA" عودة أعداد المسافرين إلى مستويات ما قبل الجائحة وتعافي قطاع الطيران خلال عام 2023، أي قبل عام مما كان متوقعا في السابق.
وتعددت أسباب ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وفي مقدمة الأسباب الارتفاع المتنامي لأسعار البترول خلال فترة ما بعد كورونا ومحاولة الدول الصناعية تعويض بعض من خسائر فترات الإغلاق الممتدة، كما أججت الحرب الروسية على أوكرانيا أسعار المحروقات، وتشير التقديرات إلى أن وقود الطائرات يشكّل 37% من متوسط تكاليف شركات الطيران وتصل النسبة لنحو 50% للطيران منخفض التكاليف.
ومن أسباب ارتفاع أسعار تذاكر الطيران كذلك اشتعال الطلب على السفر عالميا فيما اصطلح البعض على تسميته "السفر الانتقامي" كمحاولة من المسافرين لتعويض عامين من قيود السفر والإغلاق، وطبقا للمديرين التنفيذيين للكثير من شركات الطيران الكبرى فإن الزيادات في الطلب على السفر تأتي للمسافرين من أجل الترفيه وفئة رجال الأعمال والعملاء المتميزين والمسافرين الدوليين على حد سواء.

أيضا من الأسباب محاولة شركات الطيران تعويض خسائرها الضخمة خلال فترة كورونا من خلال رفع أسعار التذاكر، ورفع الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" توقعاته لخسائر قطاع الطيران العالمي إلى 201 مليار دولار من 2020 إلى 2022، وأفاد الاتحاد في تقريره الأخير حول توقعات الأداء المالي لقطاع الطيران، بأن خسائر قطاع الطيران الصافية ستنخفض في 2022 إلى 11.6 مليار دولار مقابل 51.8 مليار دولار في 2021.
كما تبرز صعوبات التوظيف كأحد أهم أسباب زيادة أسعار تذاكر الطيران، وكانت شركات الطيران قد اضطرت إلى الاستغناء عن الآلاف من الطيارين والموظفين والعمال لمواجهة الخسائر الكبرى التي واجهت القطاع أثناء فترة كورونا، وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد إيرلاينز، إلى أنّ شركات الطيران الأميركية بحاجة إلى توظيف 13 ألف طيار هذا العام، لكن التدريب يخرج فقط من 5 إلى 7 آلاف طيار سنويًا في الولايات المتحدة.
وأضاف أن معظم شركات الطيران لن تتمكن من تحقيق خطط طاقتها الاستيعابية لأنه ببساطة لا يوجد عدد كاف من الطيارين، على الأقل ليس للسنوات الخمس المقبلة، كما أشار تقرير حديث لـ"بلومبيرغ" إلى إحجام العديد من الأشخاص عن قبول وظائف في المطار لعدم استعدادهم للانضمام إلى صناعة تعمل بشكل متقطع.
ومن بين تلك الأسباب أن شركات الطيران لم تشغّل كامل طائراتها حتى الآن، لذا هناك عدد أقل من الطائرات وطلب كبير من المسافرين، وما زالت الشركات حذرة من إعادة جميع طائراتها المتوقفة عن العمل، وهذا ينطبق بشكل خاص على الطائرات العملاقة مثل طائرات A380 العملاقة من إيرباص وطائرات بوينغ 747-8 الأقدم، حيث تتجه شركات الطيران إلى طرز أكثر كفاءة في استهلاك الوقود مثل A350s و787 دريملاينر.
كما قلصت شركات الطيران عدد خطوطها الجوية خلال وباء كورونا، وهو ما يدفع المسافرين لحجز رحلات طيران تتضمن أكثر من رحلة ترانزيت للوصول إلى وجهاتهم البعيدة، بينما كان من الممكن قبل ذلك السفر مباشرة، الأمر الذي يزيد من تكلفة السفر.
وقد عولت الكثير من الدول علي تنامي انتعاش القطاع السياحي لمساندتها في تجاوز عثرات أزمة كورونا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب على أوكرانيا، ومن أهم الدول التي تتوقع تعافي قطاعها السياحي تبرز تركيا كواحدة من أهم الوجهات السياحية حول العالم.
وتوقع المسؤولون الأتراك أن يحاكي العام 2022 سياحياً عام 2019، وقت أن بلغت تركيا المرتبة السادسة عالمياً، إثر استقطابها نحو 52 مليون سائح، قبل أن تتراجع العائدات وأعداد السياح خلال العامين الماضيين، بسبب أزمة كورونا، وأوضح وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري أرصوي أنهم يهدفون إلى تحقيق 34.5 مليار دولار إيرادات سياحية العام الحالي، في مقابل 12 مليار دولار فقط عام 2020.

وفي مصر تجاوزت إيرادات السياحة 13 مليار دولار في عام 2021، لتعود إلى مستويات ما قبل انتشار الجائحة، وفق ما نقلته رويترز عن نائبة وزير السياحة غادة شلبي. وكانت عائدات السياحة المصرية قد بلغت مستوى قياسيا قدره 13.03 مليار دولار في 2019، قبل أن تهبط بنحو 70% في 2020 جراء الجائحة.
ووفقا لتقديرات الحكومة المصرية فان التعافي كان أسرع من المتوقع حيث توقعت الحكومة عوائد بقيمة من 6-9 مليارات دولار فقط للعام الماضي، وأن التعافي الكامل كان متوقعا بحلول صيف 2022، ولكن سرعة التعافي خلال العام الماضي زادت من الطموحات المصرية حول المزيد من النجاحات للقطاع لا سيما في ظل أزمة العملة الأجنبية الخانقة التي تعانيها البلاد.
وبالطبع فإن البلدين مرشحان للتضرر من تنامي أسعار تذاكر الطيران، وهو الأمر الذي سيتكامل مع النقص المتوقع لأعداد السياح الروس والأوكرانيين ليشكل تحديا كبيرا لهما، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها العملة المحلية للبلدين.
وبالطبع فإن الكثير من بلدان العالم الأخرى ستتضرر من تلك الزيادات في أسعار التذاكر، خاصة أن هناك تفاوتا كبيرا في هذا الارتفاع بين البلدان بعضها البعض، وبالطبع ستكون الوجهات السياحية الكبرى حول العالم في المقدمة لأولئك المتضررين، ولكن الضرر سيكون أشد وطأة للدول التي تعاني من أزمات اقتصادية محلية علاوة على الأزمات العالمية الراهنة.

المساهمون