استمع إلى الملخص
- تتبنى السعودية استراتيجية لزيادة الإنتاج تدريجياً حتى أكتوبر 2025، لتحقيق توازن في السوق، مع اجتماع أوبك+ في يوليو لمراجعة الإنتاج وسط تحديات جيوسياسية.
- ارتفعت أسعار النفط بعد قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج بوتيرة أقل من المتوقع، مما أدى إلى صعود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 2.8%، وسط توترات جيوسياسية.
كشفت بيانات مسح أجرته وكالة بلومبيرغ الأميركية أن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" رفعت إنتاجها من الخام خلال شهر مايو/أيار بمقدار 200 ألف برميل يومياً، ليصل الإجمالي إلى 27.54 مليون برميل يومياً. ويمثل هذا الارتفاع بداية ما وصفه مراقبون بـ"سلسلة زيادات موسعة"، تقودها المملكة العربية السعودية ضمن استراتيجية تهدف إلى استعادة الحصة السوقية ومعاقبة بعض الدول الأعضاء غير الملتزمة. وتأتي هذه الزيادة بعد قرار مفاجئ في إبريل/نيسان بإحياء الإنتاج بمعدل يفوق بثلاثة أضعاف الخطط الأصلية.
ونقلت "بلومبيرغ" عن مصادر داخلية في أوبك قولها إن السعودية كانت المحرك الرئيسي لهذه الخطوة، حيث رفعت إنتاجها بمقدار 110 آلاف برميل يومياً، ليبلغ 9.08 ملايين برميل يومياً خلال مايو/أيار. ورغم ذلك، لم تستغل الرياض كامل الحصة المتاحة لها بموجب الاتفاق، ما يشير إلى توجه حذر رغم التصعيد. ويُنظر إلى هذه السياسة على أنها محاولة لاستعادة الانضباط داخل أوبك+ من جهة، وللضغط على بعض الدول التي تجاوزت حصصها الإنتاجية من جهة أخرى، وسط تقلبات شديدة في أسعار السوق.
اللافت أن أكبر زيادة بعد السعودية جاءت من ليبيا، التي لا تخضع لحصص الإنتاج بموجب اتفاق أوبك+، نظراً لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيشها منذ سنوات. وقد أضافت ليبيا 50 ألف برميل يومياً ليصل إنتاجها إلى 1.32 مليون برميل، في مؤشر على تعافٍ تدريجي في قدرتها التصديرية. أما العراق، الذي لا يزال يضخ فوق حصته الرسمية، فقد أبقى على مستوى إنتاجه عند 4.18 ملايين برميل يومياً، ما قد يعكس احتراماً مؤقتاً لالتزاماته السابقة بتعويض الإنتاج الزائد.
وسجلت الإمارات العربية المتحدة زيادة طفيفة بلغت 10 آلاف برميل يومياً، ليصل إنتاجها إلى 3.31 ملايين برميل يومياً. إلا أن بيانات بلومبيرغ تشير إلى تجاوز أبوظبي لحصتها بشكل ملحوظ، رغم أن الأرقام الرسمية لأمانة أوبك في فيينا تُظهر التزاماً نسبياً. ويعكس هذا التباين في الأرقام فجوة بين البيانات التي تعتمد على تتبع حركة الشحنات وتلك التي تعلنها الدول رسمياً، ما يزيد من صعوبة ضبط الالتزام داخل تحالف أوبك+.
الاستراتيجية السعودية الحالية لا تقتصر على زيادة واحدة، بل تشمل سلسلة من "الزيادات الشهرية المسرّعة" بمقدار 411 ألف برميل يومياً. وتخطط الرياض، وفق مصادر مطلعة، للوصول إلى إلغاء جميع التخفيضات المتبقية بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025. وهذه الخطوات، رغم اعتراض بعض الشركاء في أوبك+، تمثل توجهاً حازماً تقوده السعودية لإعادة ضبط توازن السوق لصالح المنتجين المنضبطين. وفي ظل أسعار تتأرجح قرب 65 دولاراً لبرميل برنت، تسعى الدول المنتجة للحفاظ على سعر يحقق توازناً بين الإيرادات والاستقرار السوقي.
ومن المقرر أن تعقد أوبك+ اجتماعاً جديداً في 6 يوليو/تموز لمراجعة مستويات الإنتاج لشهر أغسطس/آب. ويشارك في هذا الاتفاق أيضاً دول خارج أوبك مثل روسيا وكازاخستان، ما يجعل من الاجتماعات المقبلة لحظة اختبار جديدة لقدرة التحالف على التماسك، خصوصاً وسط تصاعد التحديات الجيوسياسية وتقلب الطلب العالمي. وتُبنى التقديرات الواردة في تقرير بلومبيرغ على بيانات تتبع الشحنات، وتصريحات رسمية، وتحليلات خبراء من شركات مثل Rapidan Energy Group، FGE، Kpler Ltd. وRystad Energy.
وفي السياق، ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل ملحوظ خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، بعد أن قررت أوبك+ زيادة الإنتاج بوتيرة أقل من التوقعات، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وإيران. وصعد خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 2.8% ليغلق قرب 63 دولاراً للبرميل، بينما كانت الأسواق تترقب ضخاً أكبر بكثير مما اتُّفِق عليه. وجاء الاتفاق خلال اجتماع أوبك+ الأخير على زيادة بمقدار 411 ألف برميل يومياً لشهر يوليو، رغم اعتراضات من بعض الأعضاء، أبرزهم روسيا.
وقال المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "أويلتيكس" (Oilytics)، وهي شركة تحليل بيانات متخصصة في أسواق النفط، كيشاف لوهيا، إن القرار المفاجئ بعدم التوسع في رفع الإنتاج بالشكل الذي كان يُتوقع، دفع المتعاملين في الأسواق إلى التخلص من رهاناتهم على انخفاض الأسعار، ما عزز من الاتجاه الصعودي في التداولات المبكرة. وتشير التقديرات إلى أن بعض المضاربين أغلقوا مراكزهم القصيرة (short positions) على خلفية تراجع مخاوف الزيادة المفرطة في المعروض. وكان خام برنت قد سجّل أعلى مستوى من المراكز البيعية منذ أكتوبر الماضي، ما جعل السوق مهيأً لحركة تصحيح قوية نحو الأعلى.
وأضاف كيشاف لوهيا، بحسب بلومبيرغ: "الأسوأ من المخاوف قد زال، وهذا ما منح السوق زخماً صعودياً". وأوضح أن الارتفاع الأخير في رهانات البيع على خام برنت، بالتزامن مع استمرار العوامل الأساسية الإيجابية، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاعات مفاجئة في الأسعار في حال استمرار قوة الطلب. هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ديناميكيات السوق التي سادت خلال النصف الأول من 2022، حين دفعت اضطرابات الإمداد الأسعار إلى مستويات تاريخية.
وأضافت التوترات الجيوسياسية طبقة أخرى من التعقيد للأسواق. ففي أوكرانيا، أفادت تقارير بشن هجمات على قواعد جوية روسية، بينما تصاعدت حدة التوتر بين إيران والغرب بعد تقرير جديد عن زيادة مخزون طهران من اليورانيوم المخصب. وتثير هذه التطورات مخاوف من عرقلة تدفق الإمدادات من بعض أعضاء أوبك+ الخاضعين للعقوبات، وعلى رأسهم إيران وروسيا. كذلك إن حرائق الغابات في كندا، رابع أكبر منتج للنفط عالمياً، تهدد بدورها جزءاً من الإنتاج المحلي.