استمع إلى الملخص
- تقدم السعودية حوافز مثل الإعفاء الضريبي وتسهيل التراخيص لجذب الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والسياحة، مما جعلها وجهة مفضلة لشركات كبرى مثل "بيكتيل" و"هاليبيرتون".
- التحسينات القانونية والتركيز على البنية التحتية والطاقة المتجددة جعلت السعودية منافساً قوياً لدبي، مع هدف الوصول إلى 105 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية بحلول 2030.
تمكنت المملكة العربية السعودية من تجاوز هدفها لعام 2030 في جذب مقار الشركات الإقليمية إليها من خلال تنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية التي صنفها مراقبون باعتبارها منافسة لدولة الإمارات، وتشمل فرض قيود على الشركات التي ترغب في التعاقد مع الحكومة السعودية إلى أن تنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة.
ونتيجة لتلك السياسات، كشفت وزارة المالية السعودية، في بيان نشرته بتاريخ الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن عدد الشركات العالمية التي أصدرت تراخيصها لإنشاء مقار إقليمية لها في الرياض وصل إلى 540 شركة حتى النصف الأول 2024.
وكانت الحكومة السعودية قد حددت عدد "500 شركة" هدفاً لنقل مقار الشركات الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2030، لكنها حققت تسارعاً ملحوظاً في تحقيق الهدف عام 2023، ما عزز بقوة مكانة المملكة كمركز إقليمي للأعمال، بحسب تقدير نشرته مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية في التاسع من يونيو/حزيران من العام ذاته.
وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ، على هامش منتدى "بوابة الخليج 2024" في البحرين، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن "هذا العدد سيستمر بالزيادة، لكن الأهم الآن لدينا هو التأكد من تعظيم الأثر والفائدة ليس من ناحية الموظفين من ذوي الكفاءات العالية الذين سيحضرون للإقامة في المملكة، ولكن أيضاً الكفاءات السعودية الذين سينضمون للعمل في تلك الشركات".
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن خطة استقطاب الشركات المتعددة الجنسيات لإنشاء مقار لها في السعودية تأتي ضمن إطار رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، ولتحقيق ذلك تقدم المملكة حزمة من التحفيزات والحوافز للشركات، كالإعفاء من الضرائب لسنوات وتسهيل إصدار التراخيص وتخفيف شروط السعودة.
وتركز المملكة خصوصاً على جذب الاستثمارات إلى قطاعات الاقتصاد الأخضر والسياحة والترفيه والبنية التحتية والقطاع العقاري، وتطمح إلى أن تكون المركز المالي الأهم في المنطقة، بحسب إسماعيل، الذي ينبّه إلى أن السعودية نجحت بالفعل في جذب استثمارات واستقطاب شركات متعددة الجنسيات.
ويتفق إسماعيل مع ما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن الخبير الاقتصادي الأميركي، جوناثان هاريس، بشأن محورية "الاستثمار في البنية التحتية والطاقة المتجددة لتحقيق أهداف رؤية 2030"، وذلك في تقرير نشرته في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مشيراً إلى أن التحسينات القانونية والتشريعية تجعل من السعودية وجهة جذابة للمستثمرين الدوليين.
ويتوقع إسماعيل أن يشهد رقم الشركات الأجنبية المنتقلة إلى السعودية ارتفاعاً خلال الفترة القادمة، ويؤكد أن التنافس لا يزال قائماً مع الإمارات المتحدة كوجهة استثمارية جاذبة، لافتا إلى أن بعض التقديرات تضع الخطوات السعودية الأخيرة في إطار استهداف كسر الاحتكار الإماراتي في استقطاب الشركات متعددة الجنسيات.
ويشير تقرير نشرته مجموعة "أوكسفورد للأعمال" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن التحول في السياسات السعودية جعل الرياض منافساً قوياً لدبي، خاصة مع تركيزها على الاقتصاد الأخضر والبنية التحتية الضخمة. لكن إسماعيل لا يرى في هذا التنافس عاملاً سلبياً بالضرورة، ويعتبره نموذجاً للحداثة والتطور والانفتاح الاقتصادي.
وتسعى المملكة إلى الوصول بإجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها إلى 105 مليارات دولار بحلول عام 2030، بحسب تقرير نشرته وكالة الأناضول في إبريل/نيسان الماضي.
ومن الشركات الكبرى التي وافقت على إنشاء مقار إقليمية في المملكة : "بيكتيل للهندسة والإنشاءات" و"هاليبيرتون لخدمات الطاقة"، و"سيمنز" الألمانية و"بيكر هيوز" الأميركية و"يونيليفر" البريطانية للسلع الاستهلاكية، و"بلاك روك" الاستثمارية وبنك "غولدمان ساكس" من وول ستريت، إضافة إلى شركات صينية وأوروبية وأميركية كبرى أخرى.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن التشريعات والحوافز التي قدمتها السعودية للشركات الإقليمية، وخوف هذه الشركات من فقدان السوق السعودية الضخمة، لم تترك لها أي خيار سوى الاستجابة لهذه الحوافز.
وتعد الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، من أهم المناطق في العالم من حيث صناعة النفط والغاز، وقد سهّلت السعودية كل الأمور للشركات، من تغيير البيئة التشريعية وتسهيل القيادة للسيدات وتحسين مناخ ممارسة الأعمال وتوفّر قوى عاملة ضخمة، بحسب يوسف، الذي يرى أن كل هذه التطورات من شأنها أن تؤدي إلى ازدهار الاقتصاد السعودي وخلق فرص عمل، لكن في المقابل سيؤثر ذلك سلبًا على اقتصاد الإمارات، التي كانت تتميز بسهولة التشريعات والبيئة المفتوحة، موضحا أن البيئة المفتوحة والقوى العاملة الأكبر والانخفاض في تكلفة المعيشة في السعودية ستنافس ميزات الإمارات.