الزراعة في قبضة الشركات العالمية: أزمة ملكية الأراضي والموارد في الجزائر ومصر

18 مارس 2025
الأراضي الزراعية في الجزائر، 19إبريل2021 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه دول شمال أفريقيا تحديات في الأمن الغذائي بسبب سياسات تخصيص الأراضي واستغلال الموارد المائية التي تخدم الشركات الدولية أكثر من السكان المحليين، مما يثير مخاوف بشأن العدالة في توزيع الموارد.

- في الجزائر، تستثمر شركات أجنبية مثل "بلدنا" القطرية في مشاريع زراعية ضخمة، مما يثير قضايا بيئية واجتماعية بسبب الاعتماد على الموارد المائية غير المتجددة.

- في مصر، يهدف مشروع "مستقبل مصر" لاستصلاح الأراضي إلى تعزيز الأمن الغذائي، لكنه يثير مخاوف بشأن السيطرة على الموارد الطبيعية وتفاقم عدم المساواة في ملكية الأراضي.

يواجه الأمن الغذائي في شمال أفريقيا، لا سيما في الجزائر ومصر، تحديات متزايدة نتيجة سياسات تخصيص الأراضي واستغلال الموارد المائية التي تبدو وكأنها تصب في مصلحة الشركات الدولية أكثر من السكان المحليين. وتسعى الحكومات إلى دعم الزراعة تعزيز الإنتاج الزراعي من خلال تقديم حوافز لمشروعات استصلاح أراضٍ ضخمة في المناطق الصحراوية، بالتعاون مع شركات أجنبية.

وعلى الرغم من أن هذه الاستثمارات تعزز الإنتاج الزراعي وتوفر فرص عمل، إلا أنها تعيد رسم خريطة ملكية الأراضي الزراعية، بما قد يشكّل تهديدًا للأمن الغذائي المحلي إذا لم تُوضع سياسات تضمن عدالة توزيع الموارد.

وفي هذا السياق، سلط الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نُشر بموقع "إنسايد أوفر" الإيطالي في 5 مارس/آذار، بعنوان "الهجوم على أفريقيا الذي يهدد الأمن الغذائي"، الضوء على الدور المتنامي للشركات الأجنبية في قطاع الزراعة بالقارة الأفريقية، مشيرًا إلى أن هذه الاستثمارات لا تخلو من تداعيات بيئية واجتماعية مثيرة للجدل.

الجزائر: استثمار في الزراعة أم استنزاف للموارد؟

وأوضح غاليانو أن شركة "بلدنا" القطرية تُعد من أبرز المستثمرين في قطاع الأغذية الزراعية بالجزائر، حيث وقّعت اتفاقًا مع الحكومة الجزائرية في يوليو/تموز 2024 لزراعة الأعلاف وتربية 280 ألف بقرة على مساحة 117 ألف هكتار في ولاية أدرار.

ووفقًا لمنظمة "Grain" غير الحكومية، فإن المشروع يهدف إلى تقليل اعتماد الجزائر على الحليب المجفف المستورد، لكنه يطرح إشكاليات بيئية جسيمة، إذ يتطلب استهلاك نحو 1700 مليار لتر من المياه الجوفية غير المتجددة لتلبية احتياجات الشركة.

وأشار الكاتب إلى أن المشروع، رغم ترويجه من قِبل الحكومة الجزائرية و"بلدنا" على أنه ركيزة للأمن الغذائي الوطني، يخفي أهدافًا تجارية بحتة، إذ تركز الشركة القطرية بالدرجة الأولى على تحقيق "عائد مهم على الاستثمارات" أكثر من خدمة المصالح الوطنية للشعب الجزائري.

التوسع الإيطالي: مجموعة BF وخطة ماتي

أما في ما يتعلق بإيطاليا، فقد أشار غاليانو إلى أن مجموعة "بونيفيكي فيرّاريزي BF" الإيطالية تلعب دورًا محوريًا في التوسع الزراعي داخل الجزائر، حيث حصلت مؤخرًا على امتيازين كبيرين بقيمة 420 مليون دولار، الأول على مساحة 900 هكتار في ولاية ورقلة، والثاني، الأكبر حجمًا، في ولاية تيميمون بمساحة 36 ألف هكتار، مع خطط لزراعة القمح والعدس والفاصوليا، إلى جانب بناء مصنع لإنتاج المعجنات، بعد حصول المجموعة على تراخيص لحفر آبار مياه لري الأراضي.

وتُدار هذه الأنشطة من خلال شركة "BF El Djazair Spa"، وهو مشروع مشترك بين مجموعة BF الإيطالية والصندوق الوطني الجزائري للاستثمار، حيث تمتلك الشركة الإيطالية 51% من الأسهم.

وأبرز غاليانو أن التقارير تشير إلى أن الهدف الفعلي لهذا المشروع ليس دعم الأمن الغذائي في الجزائر، بل تعزيز الطاقة الإنتاجية للمجموعة الإيطالية في الخارج وضمان توريد القمح لمصانعها في إيطاليا لإنتاج المعجنات والكسكس، مع تصدير ما يقارب 30% من الإنتاج إلى السوق الإيطالية، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن مدى استفادة السكان المحليين من هذا الاستثمار.

مصر: أرض خصبة لاكتناز الموارد

لم تكن مصر بمعزل عن هذه الظاهرة، حيث أطلقت الحكومة المصرية، أكبر مستورد للقمح في العالم، مشروع "مستقبل مصر" الهادف إلى استصلاح 1.6 مليون هكتار من الصحراء وتحويلها إلى أراضٍ زراعية. ورغم ذلك، لا تزال إدارة هذه الأراضي محل تساؤل، في ظل عجز مائي يبلغ نحو سبعة مليارات متر مكعب سنويًا.

وأشار غاليانو إلى أن مجموعة BF الإيطالية تلعب دورًا بارزًا في هذا الملف أيضًا، عبر مشاركتها ضمن خطة ماتي في إنتاج القمح وفول الصويا والذرة وعباد الشمس على مساحة 15 ألف هكتار في منطقة الضبعة، بالشراكة مع شركة "مستقبل مصر" المصرية.

بين الأمن الغذائي والمصالح التجارية

ورأى غاليانو أن هذه المشاريع، رغم تقديمها من قبل الحكومات والشركات في خطوة لضمان الأمن الغذائي في أفريقيا، إلا أنها تُعدّ وسيلة للسيطرة على الموارد الطبيعية والتوسع الاستراتيجي للشركات الكبرى في قطاع الأغذية الزراعية. وحذّر من أن الاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي والموارد المائية قد يؤدي إلى تعميق مشكلات عدم المساواة في ملكية الأراضي على حساب المجتمعات المحلية، في قارة تمتلك فيها 84% من الشركات الزراعية أقل من 12% من الأراضي.

من جهته، أوضح الباحث الإيطالي بجامعة روما، ماتّيا جامباولو، أن التنمية الزراعية في شمال أفريقيا، خصوصًا في الجزائر ومصر، شهدت منذ مطلع الألفية الجديدة موجة من الإصلاحات النيوليبرالية التي مالت لمصلحة كبار ملاك الأراضي، سواء من المحليين أو الأجانب.

وأشار جامباولو، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الإصلاحات هدفت إلى توجيه الزراعة نحو التصدير، ما أدى إلى تضرر السكان المحليين من خلال نزع ملكية الأراضي واستنزاف الموارد المائية لصالح الشركات الكبرى. وبيّن أن هذه المشاريع عادةً ما تُنفّذ في مناطق قاحلة أو شبه قاحلة مزودة بأنظمة ريّ تعتمد في البداية على المياه السطحية، ثم على المياه الجوفية، مما تسبب في تهميش المجتمعات الرعوية المحلية، وحرمانها من الموارد الأساسية لمواصلة أنشطتها، وما ترتب على ذلك من فقدان للدخل.

وأضاف أن هذا الوضع فاقم من أعباء العمل على السكان المحليين الذين باتوا يعتمدون على الأمطار في الزراعة في ظل توجيه معظم الموارد المائية نحو الشركات الكبرى، مشيرًا إلى أن الوضع ازداد سوءًا بسبب تغيّر المناخ وفترات الجفاف الطويلة، ما جعل هذه الفئات أكثر عرضة للمخاطر. وأوضح أن الشركات الكبرى، ورغم استغلالها الكبير للمياه والتربة، لجأت جزئيًا إلى تعديل إنتاجها لصالح محاصيل أقل استهلاكًا للمياه، لكنها لم تتكبد خسائر تُذكر في أرباحها.

وختم الباحث الإيطالي بالإشارة إلى أن الجزائر ومصر، إلى جانب المغرب وتونس، تعدّ من بين الدول الأكثر عرضة لخطر الصدمات المناخية، لا سيما أنها شهدت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي موجة من الإصلاحات النيوليبرالية، فتحت أبوابها أمام اقتصاد السوق وخصخصة الأراضي.

المساهمون