الزج بملايين المصريين في مستنقع الفقر: تقليص الدعم متواصل

الزج بملايين المصريين في مستنقع الفقر: تقليص الدعم متواصل مقابل زيادة الإنفاق على الأثرياء

24 ديسمبر 2021
الفقراء أكثر المتضررين من سياسات رفع الدعم (Getty)
+ الخط -

تواصل الحكومة المصرية سياساتها الهادفة إلى رفع الدعم الموجه للفقراء ومحدودي الدخل من أجل تخفيف أزمتها المالية، وفي المقابل زادت مخصصات الإنفاق على المشروعات التي تهم الأثرياء، الأمر الذي يدفع نحو الزج بملايين جدد إلى مستنقع الفقر.

وفاجأ الرئيس، عبد الفتاح السيسي، المصريين، بحذف الملايين من بطاقات دعم السلع التموينية، بعدما كلف الحكومة عدم إصدار بطاقات جديدة نهائياً، وقصر المستفيدين من بطاقات التموين الحالية على فردين بحد أقصى، وحذف باقي أفراد الأسرة، بحجة عدم قدرة الدولة "الحكومة"، على صرف المزيد من الدعم.

وقال السيسي، في كلمة له بمناسبة افتتاح مشروع لإنتاج البنزين في محافظة أسيوط، يوم الأربعاء، إن "الإنفاق على الدعم مثّل سبباً رئيسياً في تأخر التنمية في الدولة لعشرات السنوات، وهو أمر غير حاصل في أي دولة في العالم"، لاستغلال أموال الدعم في مشروعات أخرى جديدة.

قرار مفاجئ، لكنه في نفس الوقت متوقع وسط إجراءات وسياسات رفع الدعم عن السلع والمنتجات على مدار السنوات الماضية، ضمن برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار مدته 3 سنوات وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي في عام 2016.

إلغاء دعم الوقود

البداية كانت مع تقليص دعم الوقود كبند رئيسي في اتفاقية صندوق النقد الدولي، على أن تتوالى متتالية رفع أسعار النقل والمنتجات الغذائية والخبز وسلع أخرى، وهو ما يزيد الضغوط الاقتصادية على المصريين الذين عاشوا بالفعل بضع سنوات في تقشف.

وأبلغت الحكومة صندوق النقد أنها ستلغي الدعم بالكامل لمعظم منتجات الوقود بحلول 15 يونيو/حزيران 2016 بعد أن رفعت الأسعار بشكل مطرد على مدار السنوات الأربع الفائتة.

وحاليًا تطبق مصر آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية بشكل ربع سنوي منذ الانتهاء من تحرير أسعار أغلب هذه المواد في يوليو/تموز 2019، حيث يتم تحديد الأسعار بناءً على تطور الأسعار العالمية للبترول الخام وأيضا التغير في سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية في الشهور الثلاثة السابقة على قرار التسعير، وأيضا أحيانا تسهم التوقعات بشأن الأسعار العالمية في القرار أيضا. ثم تبع رفع الدعم عن الوقود، رفع دعم باقي مشتقات الطاقة الذي كان يشكل ما يصل إلى 20 بالمئة من الميزانية الحكومية في السنوات القليلة الماضية.

ثم أثار الرئيس المصري في أغسطس/آب الماضي، الجدل حول الفارق في الأسعار، إذ قال "إنه لا يعقل أن يكون عشرون رغيفاً بثمن سيجارة واحدة".

وأوضح السيسي، في تصريحات خلال افتتاح أحد مشاريع الغذاء في شمال الدلتا، أن عزمه خفض الدعم عن الخبز يأتي للمساعدة في وفاء الحكومة بالتزاماتها ودعم التغذية المدرسية للأطفال.

وقال الرئيس المصري إن الزيادة المقترحة في سعر رغيف الخبز المدعم لن تصل إلى التكلفة الفعلية التي تتراوح كما قال بين 60 و65 قرشاً، وإنما ستكون "الزيادة معقولة". ولا تزال الحكومة المصرية تدرس قرار زيادة سعر رغيف العيش، ومن المتوقع أن يصدر القرار قريبًا.

تقليص بطاقات التموين

وأخيرًا، أثار السيسي الجدل مجددًا، بقرارته عن رفع دعم السلع وتقليص بطاقات التموين المدعم. وفيما بلغت قيمة إنفاق الدولة المصرية على الدعم نحو 1.6 تريليون جنيه (102.432 مليار دولار) خلال 10 سنوات، قفز إجمالي دعم السلع التموينية إلى 420 مليار جنيه (26.888 مليار دولار) خلال السنوات الخمس الماضية، بواقع 84 مليار جنيه (5.377 مليارات دولار) سنوياً، وفق البيانات الرسمية. وتتضمن موازنة العام الحالي تخصيص نحو 321 مليار جنيه (20.550 مليار دولار) للدعم، منها 87.2 مليار جنيه (5.582 مليارات دولار) لدعم السلع التموينية بما يوازي 27 في المئة من إجمالي مخصصات بند الدعم.

ويستحوذ الخبز المدعم على نحو 50.6 مليار جنيه (3.239 مليارات دولار) توازي نحو 64% من إجمالي مخصصات دعم السلع التموينية. ويدفع المواطن 5 قروش مقابل كل رغيف يحصل عليه مقابل تحمّل الدولة 55 قرشاً عن كل رغيف يتم صرفه للمواطن، حسب بيانات حكومية. كما توجد في مصر نحو 23.179 مليون بطاقة خبز يستفيد منها نحو 71.479 مليون مستفيد.

غضب الفقراء وإنفاق على الأثرياء

حسب خبراء اقتصاد، فإن نصف عدد السكان في مصر تقريباً يقبعون تحت خط الفقر، نتيجة سياسات الحكومة الاقتصادية، التي لم تضع محدودي الدخل ضمن أولوياتها، ورضخت إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، وخفض أعداد الموظفين الحكوميين، ما أدى إلى إنتاج مزيد من الفقراء.

في المقابل، اتجهت نحو مشروعات عملاقة تهم الأثرياء وليس لها أي مردود على المواطن، مثل مشروعات العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وغيرها.

ويمتلك الجيش 51% من شركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" المشرفة على تنفيذ المشروع، الذي يقع في قلب الصحراء على بعد 45 كيلومتراً شرق العاصمة القاهرة، وبلغت تكلفة المرحلة الأولى منه نحو 300 مليار جنيه (19 مليار دولار تقريباً)، مقابل 49% لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان المصرية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وكانت مظاهرات مناوئة للسيسي شهدتها محافظات مصرية عدة في سبتمبر/أيلول 2019، رفضاً لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، قد أجبرت وزارة التموين على إعادة مليون و800 ألف مستبعد إلى بطاقات صرف السلع التموينية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري الذي طاولته فضائح فساد (آنذاك) تتعلق ببناء قصور فخمة تتكلف المليارات من الجنيهات، بينما يعاني ملايين المصريين من الفقر المدقع.

وقال وزير التموين علي المصيلحي، أمام مجلس النواب، في وقت سابق، إن عدد المستفيدين من بطاقات الدعم التموينية قد انخفض من 81 مليون مواطن إلى 64 مليوناً، بواقع 50 جنيهاً للفرد شهرياً (يحصل المواطن على سلع غذائية بقيمتها)، مشيراً إلى أن 62% من إجمالي عدد المصريين، البالغ حالياً نحو 102.5 مليون نسمة، ما زالوا يتمتعون بدعم التموين، مقابل 68% تقريباً من السكان يتمتعون بدعم الخبز.

وتراجعت مخصصات دعم السلع التموينية في الموازنة المصرية للعام المالي 2021-2022 إلى 87 ملياراً و222 مليون جنيه، ودعم المواد البترولية إلى 18 ملياراً و411 مليون جنيه، ودعم التأمين الصحي والأدوية إلى 3 مليارات و721 مليون جنيه، في إطار خطة الحكومة الرامية إلى إلغاء مخصصات الدعم بصورة تدريجية في الموازنة العامة، استجابة منها لتعليمات صندوق النقد والمؤسسات الدولية المانحة للقروض الخارجية.

ورغم خلو موازنة مصر من أي مخصصات لدعم الكهرباء في العامين الماليين 2020-2021 و2021-2022، ومن قبل خفضها من 16 مليار جنيه في العام 2018-2019 إلى 4 مليارات فقط في العام 2019-2020، إلا أن الحكومة المصرية أعلنت عن استمرار الزيادة السنوية في أسعار الكهرباء حتى العام 2024-2025، بما يعني تحقيق أرباح من بيعها للمواطنين بعد تحرير الدعم عنها نهائياً.

المساهمون