استمع إلى الملخص
- دور السعودية وقطر في دعم الاقتصاد السوري: دعمت السعودية وقطر الاقتصاد السوري بتسديد ديون البنك الدولي والموافقة على قروض لتمويل مشاريع استراتيجية، مما يعزز دورهما في دعم الاقتصاد السوري ويفتح المجال لمشاركة سورية في مناقصات دولية.
- التحديات والفرص المستقبلية للاقتصاد السوري: سداد الديون يعزز قدرة سورية على الاقتراض ويمهد الطريق لاستثمارات خليجية وعربية، مما يعزز تكامل الاقتصاد السوري ضمن إطار عربي ودولي جديد، مع ضرورة إعادة هيكلة شاملة للسياسات الاقتصادية.
بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من العزلة المالية، تدخل سورية مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي والدعم المالي الدولي، مع تزايد الاهتمام بإعادة هيكلة اقتصادها وتمهيد الطريق لإعادة الإعمار. وفي خطوة تعكس هذا التحول، أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر أنهما ستسددان المتأخرات المالية المستحقة على سورية لصالح البنك الدولي، ما يعيد البلاد إلى دائرة الاهتمام المالي الدولي، ويمهد لاستئناف النشاط الاقتصادي والاستثماري داخلها.
أكد الخبير الاقتصادي عابد فضلية لـ"العربي الجديد"، أن قيام الرياض والدوحة بتسديد التزامات دمشق لدى البنك الدولي يحمل دلالات واضحة لا تقبل الشك، إذ يعكس تحول سورية في ظل نظامها الجديد إلى جزء أصيل من العالم العربي، مما يؤكد تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
وأوضح فضلية أن الحديث عن انفتاح سورية على البنك الدولي لا يعني أنها كانت ترفض التعامل معه سابقاً، بل إن البنك الدولي هو الذي بدأ بإزالة العوائق أمام التعاون المالي مع دمشق. ومنذ استلام السلطة الجديدة زمام الأمور، تشهد سورية انفتاحاً سياسياً ودبلوماسياً عالمياً، متزامناً مع تحولات اقتصادية عربية ودولية، مدفوعة بتغير إيجابي في الموقف الأميركي والأوروبي تجاه النظام الجديد.
سداد ديون البنك الدولي
أشار الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية وقطر بدأتا عملياً بدعم الاقتصاد السوري من خلال تسديد الديون المستحقة للبنك الدولي بقيمة 15 مليون دولار، بالإضافة إلى الموافقة المبدئية على منح سورية قروضاً تتجاوز 300 مليون دولار، خلال الفترة المقبلة، بتمويل مشاريع استراتيجية تشمل دفع رواتب القطاع العام وتطوير البنية التحتية، بما فيها مشاريع توليد الكهرباء، بضمانات دولية بقيادة واشنطن وأوروبا ومباركة عربية.
كما لفت فضلية إلى أن هذه الخطوة تعزز دور الرياض والدوحة في دعم الاقتصاد السوري، وهو امتداد لمواقفهما السياسية والإغاثية تجاه الشعب السوري، إذ تسعيان إلى تمهيد أرضية قوية لنهضة اقتصادية مستدامة.
واعتبر أن تسديد الديون يمكن قراءته ضمن مفهوم "تحويل النفوذ السياسي إلى نفوذ مؤسسي"، فالبنك الدولي لا يقبل تسديد ديون الدول إلا في ظل اتفاقات واضحة بين الأطراف المعنية، تتعلق بإعادة الإعمار أو استعادة التمويل التنموي. وهذا يعني أن السعودية، بعد هذه الخطوة، ستتمتع بدور بارز في توجيه التمويلات الدولية لسورية، وربما تطالب بتمثيل رسمي في لجان التخطيط الأممية لإعادة إعمار البلاد، وهو أمر نادر الحدوث.
وأضاف فضلية أن هذه الخطوة من شأنها تسريع عملية الإعمار، إذ إن دخول السعودية وقطر في هذا الإطار يدعم مشاركة سورية في مناقصات دولية ذات صلة بإعادة الإعمار، مستنداً إلى دور الرياض لاعباً مؤثراً في البنك الدولي. كما أن ذلك يمنح الشركات السعودية امتيازات الترشح المباشر لعقود مستقبلية في سورية، والتي قد تصل تكلفتها التقديرية إلى أكثر من 400 مليار دولار.
استثمارات خليجية وعربية
أوضح الخبير الاقتصادي أن سداد ديون سورية سيعزز قدرتها على الاقتراض مستقبلاً، بالتزامن مع المنح الدولية والعربية التي ستتلقاها، ما يسهم في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ويمهد الطريق أمام منح إضافية بملايين الدولارات لدعم إعادة الإعمار وتحفيز القطاع العام المتعثر.
وتوقع فضلية أن تشهد الفترة القادمة تدفق استثمارات خليجية وعربية إلى سورية، ضمن استراتيجية إعادة تأهيلها اقتصادياً، إذ يتم ذلك بأسلوب استثماري تدريجي يبدأ بالتحكم في البنية التحتية والتمويل، ومن ثم الدخول في قطاعات حيوية تشمل الطاقة والموانئ والمناطق الحرة، ما يعزز تكامل الاقتصاد السوري ضمن إطار عربي ودولي جديد.
وفي ختام حديثه، شدد فضلية على أن دعم الرياض لدمشق لا يتوقف عند تسديد ديونها، بل يشمل تقديم ضمانات للحصول على مزيد من القروض من البنك الدولي بقيمة مئات الملايين من الدولارات، معتبراً أن هذا الدعم يترجم بكلمة واحدة: الثقة.
بوابة لإعادة فتح الأسواق السورية
مع تزايد التحولات الاقتصادية في سورية، يبرز ملف الديون أحدَ التحديات الأساسية التي تواجه البلاد في طريقها نحو التعافي وإعادة الاندماج في النظام المالي الدولي.
يرى الأكاديمي المتخصص في الإدارة الاستراتيجية، مجد صقور، أن سداد الرياض والدوحة الديون المستحقة لصالح صندوق النقد الدولي يحمل دلالات اقتصادية وسياسية بارزة، إذ يعزز ثقة المؤسسات المالية الدولية بسورية، ويمهد الطريق لتحسين تصنيفها الائتماني، الذي يعاني حالياً ضعفاً شديداً أو خروجاً كاملاً عن التصنيفات العالمية.
وأوضح صقور في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذه الخطوة قد تكون بوابة لإعادة فتح الأسواق السورية أمام الاستثمار الدولي، مشيراً إلى أن الدولة السورية تمر بحالة تنافسية غير مستقرة، تحتاج إلى تصحيح عبر آليات مالية واضحة تسهم في دفع عجلة التنمية.
وأكد أن التخلص من عبء الديون الدولية سيمنح سورية فرصة للتحرر الاقتصادي، ويزيد من مرونة الاقتصاد، بما يشكل رسالة إيجابية للمستثمرين، ومع استمرار المفاوضات حول قروض مستقبلية، ينبغي أن تكون هذه الخطوات مدروسة بحيث لا تشكل عبئاً جديداً على خزينة الدولة، بل تساهم في تحسين صورتها الائتمانية وتعافيها التدريجي.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي لا يعيد فتح خطوط التمويل إلا بعد اعتماد خريطة إصلاحية تتماشى مع المخططات المالية الدولية، ما يتطلب إعادة هيكلة شاملة للسياسات الاقتصادية السورية، لضمان اندماجها الفعّال في الأسواق العالمية.
ولفت صقور إلى أن سورية، رغم الأعباء المالية المتراكمة، ليست عاجزة عن الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي، لكنها بحاجة إلى إزالة العوائق الرئيسية، وعلى رأسها العقوبات الدولية والقيود المفروضة على تعاملاتها المالية.
وشدد على أن التعافي الاقتصادي يجب أن يشمل القطاعات الحيوية، مثل الطاقة والزراعة والصناعة، لضمان تحقيق التنمية المستدامة، مؤكداً أن إعادة الاندماج الكامل في الاقتصاد العالمي تتطلب استراتيجيات واضحة تستفيد من الدعم الإقليمي والدولي.