الرياض توسّع تجارتها مع بكين... تنويع الشراكات لتجنب مخاطر السوق

21 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 06:03 (توقيت القدس)
انعكاسات إيجابية مرتقبة لمبادرة الحزام والطريق على أسواق السعودية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقيع السعودية مذكرة تفاهم مع مكتب "الحزام والطريق" في هونغ كونغ يعزز العلاقات الاقتصادية مع الصين، ويدعم رؤية 2030 من خلال تبادل المعلومات في البنية التحتية والبناء، وتسهيل دخول خدمات هونغ كونغ المهنية للسوق السعودي.

- الاتفاقية تفتح فرصاً للشركات السعودية للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، وتوفر آلية لتسويق المنتجات السعودية في الصين، مع الاستفادة من الخبرات الصينية في الطاقة المتجددة والتقنيات الزراعية.

- مذكرة التفاهم تعزز موقع السعودية كمركز لوجستي وتجاري إقليمي، وتدعم التنوع الاقتصادي من خلال نقل التكنولوجيا وتطوير قطاعات جديدة، مع الحفاظ على توازن العلاقات الدولية.

قدم توقيع السعودية مذكرة تفاهم مع مكتب "الحزام والطريق

" في هونغ كونغ، مؤشرا على خطوة استراتيجية ضمن جهود المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030 وتوسيع علاقاتها مع الصين باعتبارها أكبر شريك تجاري لها، ما سلط الضوء على انعكاس ذلك على مجمل اقتصاد المملكة.

وتهدف الاتفاقية، الموقعة في 30 أغسطس/آب الماضي، إلى تعزيز تبادل المعلومات في مجالات البنية التحتية والبناء، وتسهيل دخول خدمات هونغ كونغ المهنية إلى السوق السعودية، بالإضافة إلى دعم الترويج للاستثمار وتفعيل أنشطة المناقصات وجذب التمويل للمشاريع الكبرى، وسط ترجيح تقديرات غربية بمساهمة الاتفاقية في دعم الدمج والتنسيق بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، بحسب تقرير نشره موقع شركة "سوفرين غروب" للخدمات المؤسسية.

وترى تقديرات أميركية، بينها تقدير مؤسسة "كارنيغي" البحثية، في المذكرة تحولا سعوديا متسارعا نحو نموذج اقتصادي يعزز مكانتها كمركز استراتيجي للتجارة والاستثمار في المنطقة، ويمنحها فرصة الوصول إلى الخبرات المالية والتقنية والتسويقية المتقدمة التي توفرها أسواق الصين وهونغ كونغ.
وعن تأثير ذلك على الشركات السعودية وفرص توسيع صادراتها إلى الصين والدول المجاورة، فإن الاتفاقية تفتح أفقا واسعا أمام الشركات السعودية للمشاركة في مشاريع ضخمة للبنية التحتية، والحصول على المعرفة التقنية والمالية لدخول أسواق جديدة عبر الشراكات مع كيانات صينية رائدة، حسب تقدير نشرته صحيفة "تشاينا ديلي آسيا".

ومن شأن توفير آلية تبادل المعلومات ودعم الاستثمار، الذي نصت عليه المذكرة، أن يضمن فرصا للشركات السعودية لتسويق منتجاتها الصناعية والزراعية والتكنولوجية في الصين، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات الصينية في قطاع الخدمات، والطاقة المتجددة، والتقنيات الزراعية، ما يزيد من تنافسية الصادرات السعودية، حسب تقدير نشرته منصة "تشاينا بريفينغ" المتخصصة في تقديم معلومات عملية ومحدثة للمستثمرين الأجانب الراغبين في ممارسة الأعمال التجارية بالصين.

فانخراط السعودية في مبادرة "الحزام والطريق" يتجاوز مجرد التجارة التقليدية، إذ يشمل مشاريع مشتركة في التكنولوجيا والطاقة النظيفة والنقل، إضافة إلى دعم استثمارات ضخمة في الأمن الغذائي، الصناعة، والابتكار، وهذا التعاون يمنح الشركات السعودية القدرة على توسيع سلاسل الإمداد والتوزيع في آسيا، وزيادة الحضور في أسواق تشهد نموا مضطردا، علاوة على تسهيل عملها من خلال الشبكات اللوجستية والمصرفية الصينية، بحسب تقرير "تشاينا ديلي آسيا".

خطوة استراتيجية

وفي هذا الإطار، يشير عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن توقيع السعودية على مذكرة تفاهم مع مكتب "الحزام والطريق" الصيني يعد خطوة استراتيجية تتجاوز الإطار البروتوكولي لتدخل المملكة في قلب مشروع عالمي طموح يهدف إلى إعادة رسم مسارات التجارة وسلاسل التوريد بين الشرق والغرب، بما يتماشى مباشرة مع أهداف رؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
ويرى الخوري أن المذكرة تفتح أبوابا واسعة أمام شراكات اقتصادية وتجارية أكثر مرونة مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مما ينعكس إيجابا على تعزيز النمو غير النفطي في المملكة، لافتا إلى أن هذا التفاهم يعزز أيضا موقع السعودية كمركز لوجستي وتجاري إقليمي، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، ويتكامل مع استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والموانئ، والمناطق الاقتصادية الخاصة.

وفي المقابل، تبرز فرص واعدة للشركات السعودية في عدة قطاعات حيوية، حيث يمكن للصناعات التحويلية الاستفادة من الاندماج في سلاسل التوريد العالمية وتوطين القيمة المضافة داخل الأراضي السعودية، كما يتمتع قطاع الصناعات الغذائية بإمكانات كبيرة للدخول إلى السوق الصينية الضخمة، التي يشهد طلبها على المنتجات الغذائية عالية الجودة نموا مستمرا، حسب الخوري.

التكنولوجيا والخدمات الرقمية

ويضيف الخبير الاقتصادي أن قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية يملك نافذة مهمة للانخراط في مشاريع "الحزام والطريق" الرقمية، التي تسعى الصين لتوسيعها في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، والاتصالات، مشيرا إلى أن الشركات السعودية يجب أن تتكيف مع متطلبات السوق الصينية والدول المشاركة في المبادرة، سواء من حيث الجودة أو المعايير التقنية أو تفضيلات المستهلكين، مع الاستثمار في بناء علاقات تجارية طويلة الأمد تستند إلى الثقة والموثوقية.
لكن لا يمكن تحقيق التوسع في الصادرات دون آليات عملية مدعومة بالتنسيق بين القطاعين العام والخاص، حسب الخوري، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب تطوير شراكات فعالة مع الشركات الصينية والأجنبية العاملة ضمن إطار "الحزام والطريق"، وتحسين القدرات التصديرية للشركات المحلية عبر برامج تدريبية وتأهيلية متكاملة، وتبني استراتيجيات تسويق رقمي مبتكرة تتيح الوصول إلى أسواق جديدة.
ويشدد الخوري على أن الدعم الحكومي، من خلال الحوافز المالية وتسهيل الإجراءات الجمركية واللوجستية، يظل عاملا حاسما في تمكين القطاع الخاص من اقتناص هذه الفرص، داعيا الشركات إلى التحرك بسرعة لوضع خطط واضحة تستند إلى الابتكار والتكامل مع المبادرات الوطنية، مع الحرص على بناء تحالفات إقليمية ودولية تعزز تنافسيتها في الأسواق العالمية.
وبهذا المعنى، لا تعد مذكرة التفاهم مجرد إطار للتعاون الثنائي، بل هي منصة استراتيجية لإعادة توجيه الاقتصاد السعودي نحو مزيد من التنوع والانفتاح، وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص ليصبح لاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي الجديد الذي ترسم ملامحه مبادرة "الحزام والطريق"، حسب الخوري، الذي يصف المذكرة بأنها "نقطة تحول جوهرية في مسار التحول الاقتصادي السعودي، تضعه في صميم التحولات العالمية التي تعيد ترتيب موازين القوة التجارية والاستثمارية".

توازن دقيق

في السياق، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية، آلان صفا، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن مذكرة التفاهم بين السعودية ومكتب "الحزام والطريق" الصيني تمثل بداية عملية تهدف إلى دمج المملكة في إطار التعاون الاستراتيجي الذي بدأ قبل سنتين، حين تم اعتماد ملف السعودية كمرشح للانضمام إلى هذه الشراكة، رغم أن الانضمام الرسمي لم يُنجز بعد.
ويوضح صفا أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي محاولة سعودية متأنية للتقدم في علاقاتها مع الصين دون تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وحفظ توازن دقيق في السياسة الخارجية الاقتصادية، لافتا إلى أن المذكرة تفتح الباب أمام تنفيذ عمليات ملموسة، وقد تؤدي إلى نتائج فعلية إذا استمر التقدم في هذا النوع من التعاون.
وهنا يلفت صفا إلى أن الصين هي المستورد الأول للطاقة عالميا، وتستهلك كميات ضخمة من النفط السعودي والإيراني، كما تستورد كميات كبيرة من مصدرين آخرين، أما بالنسبة للغاز، فعلاقات الصين مع قطر قائمة على عقود واضحة، فيما تواجه إيران عقبات جغرافية وفي البنية التحتية تمنعها حاليا من تصدير الغاز للصين، ما يجعل السعودية في موقع استراتيجي كمصدر طاقة محوري إلى الصين بالإضافة إلى قطر.

وعلى التوازي، يشير صفا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تواجه تحديات في قدرتها على استيعاب كميات الطاقة الإضافية من الخليج، ما يجعل التصدير إليها محدودا رغم وجوده، وهو ما يدفع السعودية للبحث عن أسواق بديلة.
وبالنظر لتوجهات سياسات الطاقة في الدول النامية، يلفت صفا إلى أن الهند والصين في صدارة الدول المستهلكة اليوم، وتشكلان الطلب الأكبر في العقود المقبلة، ما يجعل من مصلحة السعودية تعزيز شراكاتها معهما خارج نطاق موارد الطاقة التقليدية.

مبادرة "الحزام والطريق"

وهنا تبرز أهمية التقارب بين الصين ودول جوارها، مثل باكستان وأفغانستان، ثم إيران ومصر وإثيوبيا، التي أصبحت جزءا من الدائرة الاقتصادية الجديدة المرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق"، حسب صفا، مشيرا إلى أن السعودية، كدولة ذات موقع جغرافي مركزي، تسعى لأن تكون بوابة لهذه السلسلة، بحيث تمر عبرها سلاسل الواردات والصادرات، وتتحول إلى مركز لوجستي وتجاري للتبادل بين الصين ودول الشرق الأوسط وأفريقيا.
غير أن التقارب السعودي مع الصين لا يتعلق فقط بالطاقة، حسبما يرى صفا، بل يشمل القطاعات الجديدة التي تطمح السعودية لتطويرها، كالصناعة التحويلية، واستخراج المواد الأولية، والخدمات الرقمية واللوجستية، مؤكدا أن هناك فرصا مباشرة لتكامل سعودي مع الاحتياجات الصينية.

فالمملكة يمكن أن تصبح نقطة الانطلاق الأولى للشركات الصينية الراغبة في دخول السوق الخليجية ثم الأسواق العربية والأفريقية، مستفيدة من الثقل السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تمتلكه الرياض، حسب صفا، لافتا إلى أن هذا التحول لن يكون مقصورا على التجارة، بل سيشمل نقل التكنولوجيا، حيث تهيمن الشركات الأميركية حاليا على البنية التحتية التكنولوجية في دول الخليج.
لكن التطورات العالمية تفرض على دول الخليج أن تلعب دور التوازن بين التكنولوجيا الأميركية والأوروبية من جهة، والتكنولوجيا الصينية من جهة أخرى، وفق صفا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تفاهم السعودية مع الصين لا يعني التخلي عن الولايات المتحدة بالضرورة، بل يفتح مجالا للتبادل والاستفادة من التنوع التكنولوجي، وهو ما يعزز السيادة الاقتصادية للمملكة.
وخيار توسيع التعاون مع الصين يواجه تحديات، بحسب صفا، إذ يعتبر أن واشنطن لا تمنح الضوء الأخضر بسهولة لتعاون استراتيجي عميق مع بكين، مؤكدا أن الضغط الأميركي لن يكون مجرد تحذير، بل سيتحول إلى طلب مباشر من الرياض باتخاذ موقف واضح، والقرار النهائي في هذا الشأن لن يكون اقتصاديا فقط، بل سياسيا واستراتيجيا، وسيحدد مستقبل المملكة في النظام العالمي الجديد.

المساهمون