الرمال السودانية البيضاء: مورد اقتصادي مُهمل رغم الطلب العالمي

الرمال السودانية البيضاء: مورد اقتصادي مُهمل رغم الطلب العالمي

08 اغسطس 2021
تعويل على العائدات لتنمية الخدمات (ديا غوستيني/ Getty)
+ الخط -

تبحث الحكومة السودانية عن موارد لدعم اقتصاد البلاد الذي يتعرض لهزات عنيفة، في ظل مساع لتعزيز إيراداته الشحيحة من النقد الأجنبي. وتتجه البلاد بخطوات جادة نحو استغلال رمال الصحراء البيضاء، المتوافرة بكميات كبيرة في عدد من الولايات السودانية.

وأظهرت دراسات أجرتها وزارة الطاقة والتعدين (هيئة الأبحاث الجيولوجية)، استمرت أكثر من 18 عاماً، نتائج مشجعة، عن توافر الرمال البيضاء (سيليكا) بكميات كبيرة ونوعية ممتازة في منطقة بارا شمالي كردفان ومناطق أخرى في ولاية نهر النيل (شمال).

وأدرجت هيئة الأبحاث الجيولوجية مشروعات الرمال البيضاء ضمن خطتها لإنقاذ اقتصاد البلد المنهار، وطالب مدير عام الهيئة محمد سعيد زين العابدين بتنشيط المشاريع المتوقفة كافة وإدراج استثمارات جديدة مثل الرمال البيضاء لأهميتها في رفد الخزينة العامة بالإيرادات.

وكان مدير الهيئة السابق سليمان عبد الرحمن قد انتقد إهمال الدولة في استغلال 16 نوعاً من المعادن في السودان، والتي يمكن أن تأتي بعائدات كبيرة تساهم في نهضة الاقتصاد، بينها الرمال البيضاء التي قال إن سعر شوال الرمال منها أغلى من شوال السكر.

ولفت إلى أن هذه الرمال تتصف بجودة تعتبر الأعلى في أفريقيا حيث تصل نسبة السيليكون فيها إلى أكثر من 90 في المائة.

ضعف الاستثمارات

ويشير عدد من الاقتصاديين إلى أن ضعف إنتاج المعادن الأخرى مقارنة بالذهب ناتج عن نقص المتابعة رغم وجود قوانين منظمة إلا أنها تشكو من عدم التفعيل، مطالبين بضرورة فرض الرقابة والمتابعة من خلال تطبيق القوانين المنظمة، مؤكدين أن الرمال البيضاء لديها 60 استخداما أبرزها التوليد الكهربائي وأقلها صناعة الزجاج.

ويشرح المدير السابق لهيئة الأبحاث الجيولوجية، يوسف السماني، لـ "العربي الجديد" أن مادة السيليكا المتوافرة في الرمال البيضاء تدخل في صناعات الألياف الضوئية والألواح الزجاجية والشمسية والكيميائية والفيزيائية وعدد من الصناعات الدقيقة، إضافة إلى مجال صناعة الزجاج والأفران.

ويرى السماني أن موارد السودان الرملية مهدرة بسبب ضعف الإمكانيات وعدم التخطيط السليم لجذب الاستثمارات، إضافة إلى عدم توافر الطاقة والبنية التحتية اللازمة، وكذا عدم وجود خبراء حقيقيين في مجال التعدين، وسط وجود مشكلة في معالجة الرمال لضعف البحوث والإمكانيات التحليلية.

وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت في وقت سابق عن اتفاق تصدير الرمال البيضاء إلى ألمانيا ما أثار حفيظة بعض الخبراء ومنظمات المجتمع المدني، محذرين من خطورة تصدير الرمال وما يسببه من أضرار على جرف الأراضي.

وقضت الاتفاقية الإطارية بجلب شركة "بريزما" الألمانية بمشاركة شركة "اي بي بي" الألمانية معدات تعدينية تستخدم في تنقية الرمال البيضاء الغنية بالسليكون في كل من المتمة بنهر النيل (شمال السودان) ومنطقة بارا شمال كردفان (غرب السودان). ونصت الاتفاقية على فتح اعتمادات معززة لدى بنك السودان المركزي بقيمة الرمال المشحونة قبل تصديرها.

وقدرت شركة الكهرباء السودانية الكميات المستهدفة من الرمال لهذه المشروعات بنحو مليوني طن من ضمن الكميات الكبيرة المتوافرة في السودان والتي تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات طن.

مواد للصناعات المتقدمة

ويقول الاقتصادي أحمد اسحق إن هذه المادة قديمة وموجودة في السودان منذ فترة طويلة، ولكن لم تتح الفرصة المناسبة للاستفادة منها إلا أخيراً. ويؤكد أن الاتفاق مع بعض الشركات يصب في صالح البلاد، كما يمكن التعاقد مع الشركات المتخصصة لتستعين بالمورد الموجود في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية.

ويلفت مختصون إلى أن الرمال البيضاء أو الكوارتز هي صخور رملية بيضاء نقية تحتوي على نسبة عالية من السيليكا (ثاني أكسيد السيليكون)، إضافة إلى كمية قليلة من الشوائب والمعادن الثقيلة، وتزداد قيمة هذا الرمل كلما انخفضت نسبة الشوائب.

والسيليكون يعد من المعادن النادرة وله استخدامات عديدة في صناعة الزجاج وصناعة حديد السيليكون كما تدخل في الصناعات المتقدمة المرتبطة بالسلع التكنولوجية. ويطالب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الأمين في حديثه مع "العربي الجديد" الجهات المسؤولة بالتحرك في اتجاهين، أحدهما آني والآخر مستقبلي توطئة لجذب استثمارات وحفظ حقوق الأجيال القادمة، إضافة إلى إجراء دراسات عميقة لمعرفة طبيعة الصخور والأراضي الرملية في السودان حتى لا يؤثر المشاريع على البيئة وعلى مكونات الحياة فيها.

ويلفت إلى أن الرمال البيضاء تتوافر في مناطق عدة في السودان، يمكن تصنيفها كثروة معدنية بحسب مواصفاتها ودرجة نقائها العالية، التي تؤهلها للدخول في صناعات الزجاج عالي الجودة كالكريستال وشرائح الطاقة الشمسية وغيرها، ما يوجب الاهتمام بها، وتنظيم الاستفادة منها، بما يسهم في إدماجها ضمن منظومة الدخل القومي، لا سيما وأن العديد من دول العالم التي تمتلك مثل هذا المورد، تتعامل معه كثروة معدنية، تمكنها مستقبلاً من الانضمام إلى نادي الدول المصنعة لمنتجات متقدمة.

ويشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين محمد الناير على ضرورة الاستفادة من القيمة المضافة من هذه الرمال، ما يسهم في زيادة عائدات الدولة من النقد الأجنبي.

ويقول إن تصدير الرمال في شكلها الخام سيفقدها بعض مقوماتها الصناعية التي ستستفيد منها جهات أخرى، لا سيما أن مادة السيليكون تدخل في عديد من الصناعات المتقدمة مثل ألواح كهرباء الطاقة الشمسية وصناعة الزجاج والمكونات الدقيقة في الإلكترونيات، لكن تلك المرحلة تتطلب إمكانات وطاقة كهربائية وتكنولوجيا لتنقية الرمال قد يصعب توفرها في الوقت الراهن.

ويرى أن بالإمكان تصدير كميات قليلة من خام الرمال البيضاء في البداية، واستغلال عائدات الصادرات في تنفيذ مشروعات بنية تحتية من أجل الشروع في التصنيع المحلي للسيليكون وإقامة مصانع خاصة بتصنيعه في مراحل أكثر تقدماً.

وسبقت هذه المرة، محاولة لم يكتب لها النجاح في النصف الأخير من عام 2018، بموجب اتفاقية إطارية بين حكومة السودان وإحدى الشركات العالمية، وقضى الاتفاق بأن تقوم الشركة بتصدير ما لا يقل عن مليوني طن من الرمال البيضاء، مقابل تشييد محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية وتقوية شبكات نقل الكهرباء والمحطات الفرعية، لكن المحاولة باءت بالفشل بسبب ضعف وتعقيدات السياسات الاستثمارية، والتقاطعات التي شابت الصفقة.

المساهمون