الركود يخيم على الاقتصاد التركي وسط مأزق الفائدة المرتفعة

03 ديسمبر 2024
سوق في إسطنبول، 5 فبراير/شباط 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الاقتصاد التركي تحديات بسبب السياسات النقدية المشددة ورفع أسعار الفائدة إلى 50%، مما أثر سلباً على الإنتاج والنمو الاقتصادي، حيث سجل نمو بنسبة 2.1% فقط في الربع الثالث.
- استمرار الفائدة المرتفعة يحول رؤوس الأموال إلى البنوك بدلاً من الاستثمار، مما يزيد تكاليف الإنتاج ويرفع الأسعار، مفاقماً معاناة الأسر التركية ويزيد احتمالية الركود الاقتصادي.
- توقعات بتحسن الاقتصاد مع خفض الفائدة وزيادة الأجور، حيث يتوقع البنك المركزي انخفاض التضخم وخفض الفائدة قريباً، لكن التوقعات محفوفة بالمخاطر دون دعم الإنتاج.

يواجه الاقتصاد التركي خطر الركود في ظل التراجع اللافت للنمو بفعل السياسات النقدية المشددة التي انتهجها البنك المركزي لمواجهة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، وهو ما ينذر بمتاعب لحلقات الإنتاج والتصدير، وبالتالي التأثير على قيمة الناتج الإجمالي الذي سجل العام الماضي نحو 1.1 تريليون دولار، ما يؤثر سلباً على التشغيل ومستويات الدخل، بينما تكافح أسر كثيرة لمواجهة الغلاء.

ويحاول البنك المركزي التركي كبح تضخم يقترب من 49% عبر الحفاظ على أسعار الفائدة الرئيسية عند 50% لمدة ثمانية أشهر متتالية، وهو ما ألقى بظلاله على الإنتاج الصناعي، وهو ما لم يحدث على مدار سنوات طويلة، إذ لم يقع الاقتصاد في مطب الانكماش منذ وباء كورونا، بل تسارع معدل النمو ليصل إلى المرتبة الثانية ضمن مجموعة العشرين بنسبة بلغت 7% مطلع عام 2021، ليواصل البقاء عند مستويات صاعدة مسجلاً 5.6% في 2022، قبل أن يتراجع قليلاً إلى نحو 4.5% العام الماضي، بسبب تداعيات الزلزال المدمر مطلع 2023 وخسائر الاقتصاد منه.

لكن الربعين الثالث والثاني من العام الجاري شهدا تراجعا لافتا للنمو الاقتصادي، إذ سجل 2.1% خلال الأشهر من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، بحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، الصادرة قبل يومين، بعد أن سجل 2.4% في الربع الثاني (إبريل/ نيسان إلى يونيو/حزيران)، بعد أن سجل نمواً فوق عتبة الـ 5% في الربع الأول عند 5.4%.

ويرى الخبير الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، أن تراجع نسبة النمو وبدء ملامح الجمود في الأسواق "هو نتيجة متوقعة" لتصميم البنك المركزي على تثبيت سعر الفائدة عن 50% للشهر الثامن على التوالي، ما يعني استمرار توجه رؤوس الأموال إلى خزائن البنوك، طمعاً في الفائدة المرتفعة على حساب الاستثمار والتشغيل في القطاعات الإنتاجية وحتى الخدمية التي لا يمكن أن تحقق مثل هذه العوائد المرتفعة من إيداعها في البنوك.

وأشار أويصال في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن لهذا الواقع تداعيات على الإنتاج، خاصة في ظل ارتفاع مكوناته، على رأسها تكاليف الطاقة، بعد رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء. وأضاف أن "تكاليف الإنتاج المرتفعة رفعت أسعار المنتج النهائي، بينما تتراجع قدرة المواطنين الشرائية بفعل التضخم واستمرار تراجع وتذبذب سعر صرف الليرة، ما نقل الجمود للأسواق حالياً، وينذر بركود اقتصادي، خاصة بعد تراجع أو ثبات أسعار العقارات الذي يعد قطاعاً محرضاً ومحركاً لأعمال وصناعات كثيرة".

ويعتبر الخبير الاقتصادي التركي أنه رغم تراجع نسبة النمو بشكل لافت في الفصلين الماضيين، إلا أنه لا يزال مقبولاً بالنظر إلى ما عاناه العالم خلال العام الماضي من موجات غلاء وتبدّل السياسات النقدية، متوقعاً أن يتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي 1.3 تريليون دولار بنهاية العام الجاري، "ولكن شريطة التنبه وبدء تحريك سعر الفائدة هبوطاً وعودة الدولة لدعم الإنتاج والتصدير بالتوازي مع زيادة القدرة الشرائية عبر رفع الأجور خلال الشهر الجاري".

وتزيد معاناة الأتراك المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار وبقاء التضخم عند 48.58% خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتريث الحكومة في زيادة الحد الأدنى للأجور، مرة ثانية خلال العام الجاري وإبقائه عند نحو 17 ليرة. ومن المتوقع أن ترفع تركيا الحد الأدنى للأجور الشهر الجاري ليبدأ استلام الزيادة مطلع العام الجديد، ولكن بنسبة أقل من العام الماضي البالغة 49%، بحسب مراقبين، وذلك منعاً لرفع التضخم وزيادة السيولة بالسوق وتماشياً مع نصائح البنك الدولي التي أسداها لتركيا أخيراً.

ويعتبر المحلل التركي باكير أتاجان، أن زيادة الحد الأدنى للأجور بالتوازي مع تراجع نسبة التضخم "ستقي البلاد من شبح الركود" بل سيزيد ضخ النقود من حركة الأسواق، وبالتالي زيادة الإنتاج، ليبدأ النمو في الارتفاع مجدداً، مضيفا أن "التوقعات الرسمية تشير إلى نمو بنسبة 4% العام المقبل، يرتفع إلى 4.5% و5% في 2026 و2027".

ويستند المحلل التركي بتفاؤله لعدم سقوط الاقتصاد التركي بعد في فخ الركود وتراجع نمو الناتج الإجمالي، إلى ما يصفه بالضمانة والقدرة على التدخل عبر الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي الذي ارتفع إلى أعلى مستوى له مسجلا 157 مليار دولار والاستثمارات الخارجية المتزايدة، حيث زاد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا بنسبة 31.5% في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وإلى زيادة الإنتاج والصادرات المتوقع بلوغها أكثر من 260 مليار دولار هذا العام.

ويتوقع أتاجان خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن يتبدل واقع النمو الاقتصادي بنهاية الشهر الجاري، حيث تُنتظر زيادة الحد الأدنى للأجور وخفض سعر الفائدة خلال اجتماع مقرر للبنك المركزي في 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وخفض سعر الفائدة بنحو 2.5% لتصبح 47.5%. وفي حين يقر أتاجان، بأن سعر الفائدة سيبقى مرتفعاً حتى بعد التخفيض المتوقع وربما مغرياً للأموال أكثر من الإنتاج، إلا أنه سيساهم، إلى جانب عوامل وإجراءات أخرى، في تخفيض التضخم.

ويتوقع البنك المركزي التركي أن ينخفض التضخم من 48.58 في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 44% مع نهاية العام الحالي وإلى 21% بحلول 2025. وكان البنك قد أشار في وقت سابق من الشهر الجاري إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة قريباً نتيجة تباطؤ التضخم. ويُتوقع أن يكون لهذا التوجه تأثير كبير على معدلات النمو خلال الفصول المقبلة.

ولكن تبقى توقعات البنك المركزي التي تندرج ضمن "الأماني" كما يقول كثر غير مطمئنة خاصة إن تدحرج الجمود إلى القطاعات الإنتاجية. ومع استمرار عجلة الإنتاج في الدوران، وإن بوتيرة أبطأ، لا يشعر أصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة بوطأة الغلاء، ولكن إذا نال الجمود من الإنتاج وسط ارتفاع تراجع سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار فستتأثر الشريحة الكبرى من الأتراك، ما سينعكس على تراجع الاستهلاك وحركة الأسواق.

ويرى محللون أن الحل بالعودة إلى دعم الإنتاج وتسريع تخفيض سعر الفائدة، وبدء التيسير النقدي، لتخرج الأموال من خزائن المصارف للأسواق والإنتاج، فتزول مخاوف البطالة والجمود، رغم أن ذلك سيؤثر قليلاً على تحسن سعر الصرف وقد يغضب المؤسسات الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين بدآ بتوجيه النصائح لتركيا خاصة حول نسبة رفع الأجور والانسحاب من الدور الاجتماعي ودعم المواد والمحروقات.

المساهمون