الرفاهية مقابل الجوع: وجهان متناقضان لكورونا في الهند

الرفاهية مقابل الجوع: وجهان متناقضان لكورونا في الهند

13 يونيو 2021
المبادرات الحكومية فشلت حتى الآن في حماية الفقراء في الهند (Getty)
+ الخط -

طرحت شركة "مرسيدس بنز" مؤخرا سيارتها الرياضية متعددة الاستخدامات من طراز (Maybach SUVs)  في الهند، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد موجة ثانية شرسة من تفشي فيروس كورونا.
السيارة الجديدة التي تدافع الأثرياء لاقتنائها يبلغ متوسط سعرها نحو 400 ألف دولار، في الوقت الذي تراجع فيه الدخل السنوي للفرد إلى أقل من 2000 دولار.
لقد تحملت الاقتصادات الناشئة تاريخياً ارتفاع معدلات عدم المساواة، على أمل الوصول إلى منحنى "كورنتس"، والتي بعدها تستمر الدخول في الارتفاع لكن الفوارق تنخفض. أيا كان الموقف من النظرية، فإن تجربة كورونا في الهند تقدم نموذجا لارتفاع الفجوة بين الأثرياء والفقراء.
ووفقاً للنسخة الإنكليزية لصحيفة "ذي ايكونوميك تايمز" الهندية، اليوم الأحد، فإن مبيعات سريعة للسيارات الفاخرة، والارتفاع الصافي للثروات لأصحاب المليارات، وسط انتشار البطالة واستنفاد المدخرات، يعكس الافتقار إلى السياسات المالية العامة. فإحجام الدولة عن فعل المزيد قد يكون مكلفًا، حيث إن غذاء الأسر الفقيرة كان أقل العام الماضي، ويحذر الاقتصاديون كذلك من موجة أخرى من الحرمان الشديد من الطعام.

وتضيف الصحيفة أن المبادرات الحكومية مثل خط الائتمان الطارئ، والذي كان متاحًا للشركات الصغيرة منذ مايو/أيار الماضي، لا يمكنها الوصول إلى الوحدات الاقتصادية الصغيرة، أو ما يطلق عليه الاقتصاد غير الرسمي.
كما أن مبادرة حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تمديد برنامج الغذاء المجاني بتوفير حبوب غذائية من القمح والأرز، لنحو 800 مليون شخص حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ساهمت في مساعدة الفقراء، لكنها لم تحم نحو ربع السكان من خفض الإنفاق بشكل كبير على المواد الغذائية الرئيسية، خاصة المصادر البروتينية.

تدافع الأثرياء لاقتناء السيارة التي يبلغ متوسط سعرها نحو 400 ألف دولار، في الوقت الذي تراجع فيه الدخل السنوي للفرد إلى أقل من 2000 دولار.

ويقترح خبراء الاقتصاد، أنه لتجنّب سنة ثانية من أزمة الغذاء للأسر الفقيرة، فإنه يجب توفير القوت الفوري للأسر الفقيرة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل. 
بينما يقترح خبراء اقتصاد آخرون أن يتم صرف بدل نقدي مباشر لـ10% من السكان الأكثر فقرا. لكن وفقا للصحيفة ذاتها، لا توجد أي معلومات رسمية حول خطة التحويل النقدي هذه، لأن الحكومة مهووسة بالحفاظ على غطاء على تكاليف الاقتراض، كما أنها تزيد الأمور سوءا بالنسبة للمواطن العادي، من خلال ضرائب الاستهلاك التنازلية، بما في ذلك الضرائب المفروضة على البنزين وإنقاذ الأرواح.
نموذج مختلف
في المقابل، أدى الاعتماد الشديد على طباعة النقود والسيولة الزائدة، إلى ارتفاع أسعار الأصول، مما أدى إلى ارتفاع ثروات الأغنياء أصحاب الأصول.
ومن ثم، فإن تحوّل القوة الاقتصادية من العمال والمؤسسات الاقتصادية إلى الشركات الكبيرة، أدى إلى تكوين الثروات ومن ثم زيادة مبيعات السيارات الرياضية باهظة الثمن، مثل طراز (Maybach SUVs) من مرسيدس.
 على سبيل المثال، زادت ثروة الملياردير الهندي غوتام أداني، من ولاية غوجارات مسقط رأس مودي، بنحو 43 مليار دولار، ما جعله ثاني أغنى رجل في قارة آسيا خلف رجل الأعمال الهندي موكيش أمباني.
كما اشترى رجل الأعمال رادهاكيشان داماني، قصرًا بقيمة 137 مليون دولار في مومباي، في إبريل/نيسان الماضي، وهي أغلى صفقة عقارية على الإطلاق في البلاد.
تكافح شركات تصنيع الصلب متوسطة الحجم وصغيرة الحجم في استخدام قدرة إنتاجية دون المستوى الأمثل بنسبة 62٪، في حين أن خمسة من المنتجين الكبار، رفعوا حصتهم في السوق بمقدار 5 نقاط مئوية إلى 58٪ خلال عام واحد فقط.
عندما تغلق الحكومة حساباتها السنوية في آذار/مارس المقبل، فمن المرجح أن يتجاوز عجز الميزانية هدفه البالغ 206 مليارات دولار.
قد يكون هذا النقص، الذي كان سيشكل في ظل الظروف العادية 6.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أعلى الآن بسبب الزيادة المميتة في الإصابات في إبريل ومايو، وهما أول شهرين من السنة المالية للهند. 

اشترى رجل الأعمال رادهاكيشان داماني، قصرًا بقيمة 137 مليون دولار في مومباي، في إبريل/نيسان الماضي، وهي أغلى صفقة عقارية على الإطلاق في البلاد.

ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج أبطأ، وتحصيل الضرائب أقل من المتوقع، لكن عندما تجمع الحكومة ضرائب أقل مما تنفق، فإن المزيد من الأموال يبقى في أيدي القطاع الخاص. لكن هل هم اليد اليمنى للاقتصاد؟ على الأغلب لا.
كان ينبغي أن يكون تأمين اللقاحات وإدارتها أولوية الإنفاق الواضحة لهذا العام. حتى لو بتكلفة عالية للجرعة ربما تصل إلى 10 دولارات، فإن إضافة 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى العجز المالي ستكون أموالًا تُنفق بشكل جيد، كما يقول أمارتيا لاهيري، الاقتصادي في جامعة كولومبيا البريطانية. إنه على حق. حتى الآن، فتطعيم 5٪ فقط من السكان البالغين البالغ عددهم أكثر من مليار شخص، وبعد أن تم تخفيف عمليات الإغلاق المحلية، يتعين على 23 مليون عامل بأجر يومي فقدوا مصادر رزقهم منذ يناير/كانون الثاني الماضي الخروج لإعادة بناء حياتهم.

كما أن الطبقة التي تحصل على أجر ثابت ليست أفضل حالًا، فمن بين 8.5 ملايين وظيفة تم فقدها هذا العام، قد يتم استبدال الكثير منها بالوظائف المؤقتة.

أيضا قد تزدهر الشركات الناشئة في العصر الجديد، لأن كورونا قد سرّع وتيرة الرقمنة، ومن ثم ستختفي العديد من الشركات الصغيرة التقليدية، من النوع الذي اعتاد على إعالة الملايين.
لتوضيح الصورة بشكل أكبر عن الرفاهية مقابل الفقر، فإن ضريح تاج محل التاريخي الشهير الذي بناه الإمبراطور المغولي في القرن الميلادي السابع عشر، وفاء لزوجته المتوفاة، يقف شامخًا في مدينة أجرا الشمالية، ومقابله منزل نيغام المتواضع الذي استغرق سنوات من عمله لامتلاكه، لكنه اضطر إلى بيعه لإنقاذ زوجته المصابة بفيروس كورونا والانتقال إلى غرفة مؤجرة في قرية مجاورة.

المساهمون