الرئيس الإيراني يتعهد بمواصلة تصدير النفط ومواجهة التضخم والفساد

الرئيس الإيراني يتعهد بمواصلة تصدير النفط ومواجهة التضخم والفساد

21 اغسطس 2021
الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي (فرانس برس)
+ الخط -

تعهد الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، بمواصلة تصدير النفط ومواجهة التضخم والفساد، مؤكداً خلال جلسة البرلمان، اليوم السبت، لمناقشة حكومته المقترحة، أن يشكل الاقتصاد أولوية بعد احتواء تفشي كورونا في البلاد.

وفي كلمته التي دافع فيها الرئيس الإيراني المحافظ عن برامج حكومته والوزراء المرشحين لـ18 وزارة، في مسعى منه للحصول على ثقة المشرعين في البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون، عزا الأزمة الاقتصادية في إيران إلى سياسات سلفه حسن روحاني، قائلاً إنّ "الوضع الراهن نتيجة ربط الاقتصاد وحلّ المشاكل بإرادة الآخرين".

وتتكون التشكيلة الحكومية الإيرانية من 18 وزيراً، 15 منهم لم يسبق لهم تولي مناصب وزارية. والوزراء المرشحون من أبناء المدرسة الفكرية السياسية المحافظة في إيران، التي ينتمي إليها رئيسي نفسه.

ويتوقع أن تستغرق مداولات البرلمان الإيراني حول التشكيلة الحكومية نحو 4 أيام، قبل أن يختمها بجلسة التصويت على أهلية كل وزير بشكل منفرد لمنحه الثقة من عدمها.

تحديد المشاكل الاقتصادية

وفي السياق، سمّى رئيسي عناوين المشاكل الاقتصادية في إيران، ليبدأ بالتضخم، وقال إنه حسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني يفوق 44%، وحسب البنك المركزي يتجاوز 55%، ثم أشار إلى بقية العناوين "التراجع الحاد لقيمة العملة الوطنية، والعجز اللافت للموازنة، وتراجع قوة المواطن الشرائية والوضع المعيشي الصعب للناس، وارتفاع كبير للسيولة، والحجم الكبير لديون الحكومة".

الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، تحدث عن أن العقوبات الأميركية أفقدت إيران نحو 200 مليار دولار من عوائدها ومواردها.

يشار إلى أن التزايد المستمر للسيولة في الاقتصاد الإيراني يشكل أحد التحديات الاقتصادية، لتأثيره في تفاقم التضخم وثم الأزمة الاقتصادية، فتشير الأرقام الرسمية إلى أن السيولة خلال السنوات الثماني الماضية ارتفعت 8 أضعاف لتبلغ من 4200 مليار تومان عام 2013 (سعر صرف كل دولار أميركي يساوي 27 ألف تومان) إلى 340 ألف مليار تومان في الوقت الراهن.

وفي ضوء المشاكل التي يواجهها قطاع الإنتاج في إيران، غالباً لا تتوجه هذه السيولة إلى الإنتاج لتحريك عجلاته، بل تقصد الاستثمار في أسواق غير إنتاجية، والنتيجة هي رفع التضخم إلى مستويات قياسية.

ومن أهم أسباب زيادة السيولة في إيران، وكذلك التضخم، بحسب الخبراء، عدم اعتماد الموازنة على أرقام موضوعية وحقيقية، ما يؤدي إلى عجز كبير في الموازنة غالباً، ليدفع الوضع الحكومة نحو البحث عن طرق لتعويض العجز، فيسبب هذا التصرف زيادة السيولة في الاقتصاد.

وفيما يشكك مراقبون في قدرة الحكومة الإيرانية الجديدة على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، في ظل تعثر المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي في فيينا، أكد الرئيس الإيراني خلال كلمته بالبرلمان أنّ "حل المشاكل الاقتصادية أمر ممكن"، قائلاً إن ذلك يستوجب استيفاء ثلاثة شروط: الأول وجود برامج وخطط، والثاني وجود قوة فاعلة خبيرة، والشرط الثالث هو المتابعة والرقابة المستمرتين لتنفيذ الخطط وتحقيق التحول في البلاد.

وأضاف رئيسي أنه من خلال خططه وبرامجه وفريقه الاقتصادي ودعم البرلمان "يمكن التغلب على جميع المشاكل"، مشيراً إلى 15 ركناً لاستراتيجيته "المبنية على تحقيق العدالة والتقدم" حسب قوله، منها "إنهاء البيروقراطية المبطئة المؤدية إلى الفساد لوضع آليات لتحقيق المشاركة العامة"، و"تغيير الاتجاه من مكافحة مظاهر الفساد إلى اتخاذ إجراءات وقائية لمنع ظهور الفساد"، و"الانتقال من القرارات الآنية والموسمية في الحلقات المغلقة إلى مسار الإشراك الأقصى للنخبة"، و"منع تغيير مستمر للمقررات بغية إيجاد الاستقرار للإنتاج والتجارة وتعزيزهما"، و"تغيير السياسة من الاتكال على تصدير المواد الخام إلى إنتاج منتَجات صناعية وتقنية حسب حاجات الأسواق".

وأشار الرئيس الإيراني إلى بعض الأهداف الاقتصادية لحكومته، وتتمثل بـ"تأسيس النظام الضريبي الأكثر عدالة، وتفعيل نظام التمويل للحكومة، وتطوير الإنتاجية والتنظيم في إدارة الأموال والشركات الحكومية والشفافية".

الأرقام الرسمية تشير إلى أن السيولة المالية قفزت خلال السنوات الثماني الماضية 8 أضعاف لتصل إلى 340 ألف مليار تومان حاليا، مقابل 4200 مليار تومان في عام 2013.

وفيما تواجه إيران حظراً أميركياً شاملاً على صادراتها النفطية منذ الثاني من مايو/أيار 2019، ما خلق لها مصاعب كبيرة في تصدير نفطها الذي يشكل شريان الاقتصاد الإيراني، حاول الرئيس الإيراني في كلمته طمأنة البرلمانيين بالقول: "لا تقلقوا، فهناك إمكانية لبيع النفط".

وأدى الحظر الأميركي إلى تراجع هذه الصادرات خلال السنوات الماضية من مليوني و500 ألف برميل إلى نحو 500 ألف برميل عبر الطرق الالتفافية، قبل أن تشهد هذه الصادرات خلال الأشهر الأخيرة طفرة، حيث أشارت تقارير غربية إلى تمكن طهران من تصدير نحو مليون برميل يومياً، معظمها باتجاه الصين.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وفي 19 من يوليو/تموز الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن توجه الإدارة الأميركية نحو تشديد العقوبات على المبيعات النفطية الإيرانية للصين، في مسعى لممارسة الضغط على طهران للاستمرار في مفاوضات فيينا النووية، في ظل تأكيد إيران أخيراً أنّ على أطراف المفاوضات الانتظار إلى حين تشكيل حكومة إيرانية جديدة.

ونقلت الصحيفة الأميركية على لسان مسؤول أميركي أن "مبيعات إيران النفطية إلى الصين تشكل الجائزة الكبرى لها".

موافقون ومعارضون

بعد كلمة الرئيس الإيراني حول برامج حكومته ووزرائه المرشحين، تحدث 5 نواب موافقين و5 نواب معارضين لخطته وتشكيلة الحكومة المعروضة على المؤسسة التشريعية.

ودافع المشرعون الموافقون عن خطط الرئيس وتشكيلة حكومته، داعين زملاءهم المشرعين إلى منحها الثقة، فيما أعلن النواب الخمسة المعارضون رفضهم الخطط والتشكيلة الحكومية.

وفي السياق، انتقد النائب عن مدينة "مهاباد" الكردية شمال غربيّ إيران، جلال محمود زادة، برامج الحكومة الاقتصادية وتركيبة فريقها الاقتصادي، مخاطباً الرئيس الإيراني بالقول: "السيد رئيسي بهذا الفريق الاقتصادي الذي اخترته لن تتمكن من مواجهة الحرب الاقتصادية".

وأضاف أن الفريق الاقتصادي "يفتقر إلى خلفية تنفيذية كافية ويعارض الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية FATF"، قائلاً إن "الفريق الاقتصادي الحكومي من أصدقاء ومقربي آية الله رئيسي (الرئيس الإيراني)".

وأضاف النائب محمود زادة أن رفض الانضمام إلى "فاتف" "خفض التبادل التجاري مع بقية الدول ومنع تأسيس إيران فروعاً مالية" في الخارج.

وكانت مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف" (FATF)، قد أدرجت خلال فبراير/شباط 2020، إيران على قائمتها السوداء بعد انتهاء مهلتها الرابعة لها لقرار التشريعات اللازمة للانضمام إليها. وفاتف هيئة رقابية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف عملها إلى مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

تحديات اقتصادية عدة

ويواجه الرئيس الإيراني الجديد أزمة اقتصادية تندرج تحت عنوانها عدة تحديات اقتصادية. فبالإضافة إلى مكافحة الفساد، تواجه الحكومة المرتقبة التضخم، ورفع العقوبات الأميركية، وزيادة السيولة في الاقتصاد، والتعامل مع تداعيات كورونا على النمو الاقتصادي والبطالة.

وعلاوة على ذلك، ثمة تحديات أخرى، وهي تحظى بأهمية كبيرة على المدى البعيد، مثل إجراء إصلاحات بنيوية في الاقتصاد الإيراني، التي تستغرق وقتاً لعدة سنوات، ولا يمكن تنفيذها بين ليلة وضحاها.

ويرى مراقبون أنّ الأزمة الاقتصادية بلغت مرحلة لا يمكن استمرارها من دون إيجاد حلول أساسية، بعضها ينبغي أن تكون عاجلة لإحداث تغيير سريع، يشعر به المواطن، مثل كبح الأسعار ومنع ارتفاعها الجنوني.

الحظر الأميركي أدى إلى تراجع صادرات النفط خلال السنوات الماضية من مليوني و500 ألف برميل إلى نحو 500 ألف برميل عبر الطرق الالتفافية.

الأزمة الاقتصادية التي أنتجتها العقوبات الأميركية المستهدفة مفاصل اقتصاد الدولة وعصبه (النفط) مع سوء الإدارة والسياسات الاقتصادية الخاطئة، وفق مراقبين، فاقمها الانتشار الحاد لجائحة كورونا خلال العام ونصف العام الأخير، الذي عرّض المواطنين الإيرانيين لمزيد من الضغوط النفسية والاقتصادية، وزاد حدة مفاعيل العقوبات الأميركية، لتشكل مواجهة الجائحة التحدي العاجل أمام الرئيس الجديد الذي أضحى مطالباً بالبحث عن حلول سريعة.

ولذلك، أكد رئيسي، اليوم السبت، خلال كلمته في البرلمان أن "أولوية حكومته الأولى، احتواء تفشي الجائحة، والرقي بالوضع الصحي والتلقيح العام".

وبخلاف رؤية الحكومة السابقة التي ربطت حل الأزمة الاقتصادية برفع العقوبات الأميركية، يرى الرئيس الإيراني الجديد والمحافظون وأنصارهم والمؤسسات التي يهيمنون عليها، أنه يمكن حلّ الأزمة الاقتصادية بالاعتماد على القدرات الذاتية وتعزيزها، وتوطيد العلاقات مع الشرق (خصوصاً روسيا والصين)، بما يؤدي إلى إحباط مفاعيل العقوبات الأميركية في حال عدم رفعها.

يأتي ذلك فيما أخفقت مفاوضات فيينا غير المباشرة بين طهران وواشنطن حتى الآن في إحياء الاتفاق النووي لرفع العقوبات عن طهران مقابل عودتها إلى تنفيذ تعهداتها النووية. 

وعلى الرغم من وجود حالة تفاؤل بشأن مستقبل مفاوضات فيينا، وإمكانية الوصول إلى اتفاق، يرى خبراء أن رفع العقوبات يشكل ضرورة قصوى لتمكين الحكومة الإيرانية الجديدة من مواجهة الأزمة الاقتصادية، ومن دونه تبقى الجهود لمواجهة بقية التحديات الاقتصادية مؤقتة.

وعن آثار هذه العقوبات بلغة الأرقام، سبق أن أكد رئيس البنك المركزي السابق، عبد الناصر همتي، الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن العقوبات خفضت موارد الدولة من 100 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، فضلاً عن أن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أيضاً تحدث عن أنها أفقدت إيران نحو 200 مليار دولار من عوائدها ومواردها.

المساهمون