استمع إلى الملخص
- يسعى ترامب إلى عملة أضعف لتعزيز التصنيع المحلي، مما قد يزيد تكلفة الواردات ويصعب على الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة، رغم استمرار التفاؤل بالاستثمار الأجنبي.
- سياسات ترامب الاقتصادية أثارت قلق المستثمرين وتراجعت توقعات النمو الأميركي، بينما زادت الآمال في أوروبا بفضل الإنفاق العسكري والاستثمار المستدام، رغم استمرار حالة عدم اليقين.
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدياً غير مسبوق لنظام جيوسياسي ساد العالم لعقود، غير مكترث بتداعيات ذلك على أكبر اقتصاد في العالم، وأداته في الهيمنة المتمثلة في الدولار الذي قد يكون من الضحايا المحتملين.
في غضون أسابيع قليلة، أثارت الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وعدم اليقين بشأن التجارة مخاوف من تباطؤ النمو الأميركي. في الوقت نفسه، أدت التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الأميركية إلى زيادة التفاؤل بشأن الاقتصاد الأوروبي، مما دفع الدولار إلى الانخفاض بشكل لافت مقابل اليورو، ودفع الأسهم في أوروبا إلى مستويات قياسية، وحفز أكبر قفزة في عائدات السندات الألمانية منذ سقوط جدار برلين في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989.
انخفض مؤشر الدولار لسبعة أسابيع من الأسابيع التسعة الماضية، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، ليمحو تقريباً المكاسب التي تحققت منذ الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وإذا استمر هذا الاضطراب المالي، فقد تكون له تداعيات على كل شيء، من تدفقات الاستثمار العالمية إلى اتجاه السياحة عبر المحيط الأطلسي.
لأجيال، تبنى القادة السياسيون الأميركيون عموماً أولوية الدولار في النظام المالي العالمي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه أدى إلى انخفاض تكلفة الاقتراض الحكومي. وساهم إنفاق البلاد على الدفاع في تعزيز هذا الوضع من خلال زيادة عجز الموازنة، الذي يُموّله إلى حد كبير مستثمرون أجانب، يمتلكون حوالي ثلث الدين الأميركي. أما الآن، فيرغب ترامب وبعض مستشاريه في إنفاق موارد أقل لحماية حلفائهم، ويطمحون في عملة أضعف لتعزيز التصنيع المحلي، من خلال جعل السلع أرخص للمشترين الأجانب.
وقال لويد بلانكفين، الرئيس التنفيذي السابق لبنك الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس" إن "الخطر على الأسواق هو الاضطراب على المدى القصير، لكنني أعتقد أن جمهوريتنا ستكون في وضع أفضل إذا أنفقنا بضعة آلاف من الدولارات الإضافية على سيارة مقابل وجود قوة عاملة قادرة على الإنتاج وتتحمل تكاليف ما تنتجه". ومع ذلك، يخشى الكثيرون في وول ستريت من الآثار السلبية لمثل هذه التغييرات. فضعف الدولار من شأنه أن يزيد من تكلفة الواردات، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم ويصعّب على الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة. وقد تؤدي التدفقات الخارجة من الأصول الأميركية، والتي تُضعف الدولار، إلى انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع تكاليف الاقتراض الأميركية.
ولا يعتقد الكثيرون أن انخفاضاً كبيراً في قيمة الدولار وشيك، ويعود ذلك جزئياً إلى أن أسعار الفائدة الأميركية أعلى من أي مكان آخر تقريباً في العالم المتقدم، مما يُبشر باستمرار الاستثمار الأجنبي. مع ذلك، قالت كاتي نيكسون، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة "نورثرن ترست" لإدارة الثروات وفق "وول ستريت جورنال": "ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية يُمكن أن يُحدث تغييراً جذرياً".
وقد فاجأ الانخفاض الأخير في قيمة الدولار المستثمرين، بينما لطالما اعتقد الكثيرون أن ترامب سيحكم بصفة جمهوري تقليدي، مُركزاً على خفض الضرائب وإلغاء اللوائح التنظيمية. وساعدت توقعات النمو الاقتصادي الأسرع في البداية على ارتفاع الأسهم والدولار بعد فوز ترامب في الانتخابات. لكن المستثمرين يعيدون النظر الآن في هذه الافتراضات. فقد فرض ترامب بالفعل رسوماً جمركية كبيرة على السلع الواردة من أكبر شركاء أميركا التجاريين، وهدد بفرض المزيد، مما دفع كندا والصين إلى اتخاذ إجراءات انتقامية فورية. وتحركت إدارته لتسريح آلاف الموظفين الفيدراليين وتلاشى الحديث عن تخفيضات الضرائب إلى حد كبير.
كل ذلك أدى إلى تراجع توقعات النمو في الولايات المتحدة، حيث شعر المستثمرون بقلق بالغ إزاء حالة عدم اليقين المحيطة بالرسوم الجمركية، والتي تُنذر برفع أسعار المستهلك. وفي غضون ذلك، ارتفعت الآمال في أوروبا. ويُعزى ذلك جزئياً إلى سلسلة من البيانات الأفضل، ولكنه ينبع أيضاً من تحرك أوروبا لتعزيز الإنفاق العسكري بعد الصدام العلني بين ترامب ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض أواخر فبراير/شباط الماضي.
وخوفًا من عدم قدرتهم على الاعتماد على الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحهم، أعلن القادة الألمان بعد أيام أنهم سيكسرون حاجز عقود من التاريخ من خلال تحرير الاقتراض لتمويل تعزيز جيشهم. كما حدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي خطة لجمع مئات المليارات من اليورو للدفاع، وتخفيف القواعد المالية على المستوى الوطني.
أما في ما يخص المستثمرين، فكانت السمة الأساسية لهذه الإعلانات هي أنها وعدت باستثمارات مستدامة. وحقق اليورو ارتفاعاً مؤقتاً مقابل الدولار في أوقات أخرى خلال العقود الأخيرة. لكن هذه المرة، قد يكون هذا التحرك مستداماً، لأن ما تعد به أوروبا "ليس مجرد أمرٍ لمرة واحدة، مثل حزمة التحفيز الاقتصادي لمواجهة تداعيات كورونا" كما صرّح سونو فارغيز، استراتيجي السوق العالمية في مجموعة كارسون، وهي شركة استشارات مالية.
وطرح ستيفن ميران، الرئيس المُعيّن حديثاً لمجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، عدة أفكار غير تقليدية في ورقة بحثية نُشرت العام الماضي حول كيفية إضعاف ترامب للدولار. وشملت هذه الأفكار فرض رسوم استخدام على مشتري سندات الخزانة الأميركية الأجانب. ويأخذ البعض في وول ستريت هذه الأفكار على محمل الجد. وصرح إريك شتاين، رئيس الاستثمارات في شركة "فويا" لإدارة الاستثمارات، بأن أحد أسباب ضعف الدولار مؤخراً هو معرفة المستثمرين بما تهدف إليه الإدارة. مع ذلك، يشكك آخرون في أن سياسات ترامب ستُطبّق على النحو المنشود.
وقال براد سيتسر، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، إنّ "التزام ترامب بتخفيضات الضرائب يعني على الأرجح أن عجز الموازنة الفيدرالية سيظل كبيراً. ومن شأن الحاجة إلى المزيد من الاقتراض لتمويل العجز أن تُبقي عوائد سندات الخزانة الأميركية مرتفعة، وأن تُشكّل ضغطاً صعودياً على الدولار، مع سعي المستثمرين العالميين إلى الأصول عالية العائد". وفي سيناريو آخر، قد يستمر ضعف الدولار، وقد يحقق ترامب هدفه بتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات الأميركية، ولكن فقط لأن الاقتصاد الأميركي يعاني، كما أضاف سيتسر.
وقد يميل المستثمرون الأجانب إلى تحويل أموالهم من الأصول الأميركية. لكنّ البدائل، بما في ذلك أوروبا، تواجه مشكلاتها الخاصة. وقال روبرت روبين الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وسبق أن شارك في إدارة بنك "غولدمان ساكس": "كل هذا يخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات والمستثمرين الأجانب".