الدولار نجم إعلانات انتخابات لبنان المأزوم اقتصادياً

الدولار نجم إعلانات انتخابات لبنان المخنوق اقتصادياً: مرشحون بلا أزمة مالية

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
ريما أبو خليل .. لبنان
ريما أبو خليل
صحافية لبنانية، من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.
11 مايو 2022
+ الخط -

حلَّ الدولار الأميركي نجماً على الساحة اللبنانية في فترة الانتخابات النيابية، بعدما خفت ضوؤه منذ أواخر عام 2019 وأصبح عملة نادرة بجيوب المواطنين، إذ تحوّل في الأشهر القليلة الماضية إلى أداة للإنفاق الانتخابي، محصورة بأيدي المرشحين، يستخدمونها للتسويق لأنفسهم، وعرض صورهم العملاقة على الطرقات، والظهور إعلامياً. ويسعون أيضاً لشراء أصوات الناس المحتجزة ودائعهم بالعملة الخضراء في البنوك اللبنانية.
وفي وقتٍ يعجز اللبنانيون عن الوصول إلى "دولاراتهم" في المصارف بفعل القيود الموضوعة عليها، أو يحصلون عليها أو على جزء منها بعد إذلالهم، وبأسعار صرفٍ متعدّدة، وبينما تتراجع قدرتهم الشرائية ربطاً بتدهور الليرة اللبنانية والغلاء الفاحش، ينفق المرشحون للانتخابات النيابية المرتقبة يوم 15 مايو/ أيار ملايين الدولارات نقداً على حملاتهم الانتخابية، خصوصاً الذين يمثلون السلطة السياسية المتهمة بتهريب الأموال إلى الخارج، والمسؤولة بسياساتها المالية والاقتصادية والنقدية عن انهيار البلد.

إعلانات "مزروعة" على الطرقات
البداية مع الإنفاق المالي الضخم على الإعلانات "المزروعة" على الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية، والتي تحوّلت إلى معرض صور مزدحمة للمرشحين وشعارات أحزابهم التي ينتمون اليها، وقد أُنفِقَت عليها مئات آلاف الدولارات "الطازجة"، مع الإشارة إلى أن العديد منها يأتي مخالفاً للقانون الانتخابي، وما ينص عليه لناحية سقف الإنفاق على الدعاية الانتخابية.

في هذا السياق، يقول خبير التواصل ومدير إبداع "Phenomena" (وكالة إعلانية متخصصة في الاستراتيجيات والإعلانات والعلامات التجارية) سامي صعب، لـ"العربي الجديد"، إنه لا أسعار ثابتة للإعلانات، إذ تختلف التسعيرة تبعاً لمواصفات ومتطلبات معينة، منها حجم الإعلان، موقعه الجغرافي، مدة اعتماده، الإضاءة المستخدمة، عدا عن الرزم التي يمكن الاتفاق عليها.
ويقدّم صعب بعض الأمثلة في الإطار الإعلاني، حيث إن اللوحة الإعلانية (4/3 أمتار) يبدأ سعرها من 300 إلى 400 دولار أميركي "فرش" لمدة أسبوع، هذا في بداية الحملة الانتخابية، قبل أن يتراجع السعر في الأسبوع الأخير الذي يسبق موعد الانتخابات النيابية، وغالباً يحاول أصحاب شركات الإعلانات بيع المساحات التي تبقى فارغة في الأيام الأخيرة بأسعار أقل.
ويلفت صعب إلى أن تسعيرة اللوحات الإعلانية الكبيرة تختلف تبعاً للموقع الجغرافي وحجم اللوحة. على سبيل المثال، تصل مساحة الإيجار إلى 7 آلاف دولار أميركي نقدي للوحة الواحدة شهرياً، وهناك لوحات يصل سعرها إلى 15 ألف دولار، لكن الأسعار تعود لتسجل تراجعاً إلى حدود 700 دولار مع اقتراب الانتخابات.
ويوضح في المقابل أن السعر الثابت الوحيد هو الطباعة كونها تدخل في المسائل التقنية، وتراوح بين 3 دولارات ونصف و4 دولارات ونصف للمتر المربع، مع الأخذ بعين الاعتبار عند تحديد السعر جودة المواد والطباعة.
ويشير إلى أن كلّ التسعيرات المرتبطة بالانتخابات تُحدَّد وتُقبَض بالدولار الأميركي، وتشمل الإعلانات الانتخابية، إلى جانب اللوحات المعتمدة على الطرقات، وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومواقع التواصل الاجتماعي، عدا عن إعلانات مباشرة وغير مباشرة، وكلها تكون ثلاثة أضعاف السعر العادي المعتمد لوسائل الإعلام نظراً لارتفاع الطلب عليها وحاجة وسائل الإعلام إليها، والتي بدورها تستفيد مادياً من إطلالات المرشحين.

ويضيف صعب: "الأسعار المتعلقة بالانتخابات متضخمة نظراً لارتفاع الطلب والعرض عليها عدا عن أن الإعلان السياسي غالباً ما يكون أغلى ويصار إلى حجزه قبل فترة، ونحن نمرّ بفترة صعبة، وبالتالي من لديه مساحات إعلانية يحاول تعويض فترات لم يتمكن فيها من بيع الإعلانات".
ويلفت إلى أنه في هذه الدورة الانتخابية كان للأحزاب التي تعتبر نفسها معارضة للسلطة انتشار كبير على الطرقات من خلال اللوحات الإعلانية، منها "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانية" بزعامة سامي الجميّل، علماً أن مرشحي السلطة كان لهم وجود فردي بعيداً عن اللوائح والأحزاب التي لم تقدم إعلاناً بالمعنى الحقيقي للإعلان.
في السياق، يعتبر صعب أن أحزاب السلطة بحاجة لمساحة طويلة لتبرير نفسها وهذا لا يمكن أن يحصل عبر الإعلانات التي تنتشر على الطرقات، بل من خلال التلفزيونات، بينما المعارضون أو المستقلون قادرون على تحديد توجههم بكلمة، وهذا يمكن أن يحصل عبر اللوحات الإعلانية.

إنفاق ببذخ على البرامج التروجية
على صعيدٍ ثانٍ، كشفت الانتخابات النيابية مدى القدرات المالية للمرشحين، إذ اشترطت وسائل الإعلام المحلية، خصوصاً المرئية منها والأكثر شهرة في لبنان، تسعيرة بالدولار تبدأ من 10 آلاف دولار لإطلالة كل مرشح على هوائها.
واعتمدت وسائل الإعلام رزماً للظهور الإعلامي، وتسعيرات تختلف بحسب دقائق الظهور، وتوقيت البرنامج، بحيث تتخطى التسعيرة المسائية عتبة الـ20 ألف دولار وتصل في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات إلى ما فوق المئة ألف دولار.
وذكرت مؤسسة "مهارات" (غير حكومية تعنى بقضايا الإعلام وحرية الرأي والتعبير)، في تقرير سابق لها، أن "مجموع معدل توقيت البث المباشر والمقابلات بلغ 5.500 دقيقة، وإذا احتسبنا معدّل الدقيقة ألف دولار بحسب تقديرات انتخابات 2018 النيابية، تكون بدلات المحطات التلفزيونية 7 ملايين و500 ألف دولار أميركي عن شهر مارس/ آذار"، مع الإشارة إلى أن كلفة الظهور الإعلامي ترتفع كلما اقترب موعد الانتخابات في مخالفة مستمرّة صريحة للقانون الانتخابي.

من جهة ثالثة، برزت ثروة المرشحين التي تفتح أيضاً التساؤلات عن الدعم الخارجي الذي يمكن أن يكونوا قد تلقوه من بوابة التمويل، في الرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات، فتركز العرض في انتخابات 2022 على الدولار الأميركي النقدي في استغلال للأزمة، وتراوحت "تسعيرة الصوت" بين 100 و300 دولار، وأحياناً بأرقام مرتفعة أكثر مع العلم أن "التسعيرة" تحلّق أيضاً قبيل موعد الانتخابات.

استغلال الأوضاع المعيشية
اتخذت الرشاوى الانتخابية هذه الدورة أشكالاً مختلفة وجديدة ربطاً بالأزمة الاقتصادية، فلم تقتصر على شراء الأصوات نقداً، بل تواصل مرشحون مع الناخبين لمساعدتهم في دفع فواتير المولدات الكهربائيّة التي باتت تتخطى المليون ليرة للـ(5 أمبير) مع ارتفاع أسعار المحروقات، وسعر صرف الدولار الذي يتجاوز عتبة 26 ألف ليرة.
كما يعرض مرشحون دفع اشتراكات المياه والفواتير الاستشفائية والصحية، وتوزيع قسائم مواد غذائية، وبنزين ومازوت، وحليب للأطفال، وأدوية، كذلك وصل الأمر إلى إعطاء وعود بالتثبيت بوظائف عامة، تزفيت وإنارة الطرقات وتوزيع بطاقات تشريج هاتفية، علماً أنها من الوسائل التقليدية الانتخابية.
وقالت شركة الأبحاث والدراسات "الدولية للمعلومات"، في تقرير لها، في شهر إبريل/ نيسان، إن دائرة بيروت الأولى أتت بالمرتبة الأولى، إذ تراوح سعر الصوت بين 100 و300 دولار أميركي، وفي المرتبة الثانية دائرة جبل لبنان الأولى التي تراوح سعر الصوت فيها بين 100 و150 دولاراً أميركياً.

ذات صلة

الصورة
أمام مركز مصرف لبنان في بيروت (حسين بيضون)

اقتصاد

نفّذت جمعية "صرخة المودعين" في لبنان اعتصاماً، صباح اليوم الخميس، أمام مقرّ المصرف المركزي في بيروت "ضدّ التعاميم الظالمة للمودعين"، رُفِعَت خلاله لافتات تدعو إلى ردِّ ودائع الناس المحتجزة في المصارف منذ نحو أربع سنوات.
الصورة

اقتصاد

عجز البرلمان اللبناني عن عقد جلسة تشريعية اليوم الخميس، بعد تعذر تأمين النصاب القانوني مع حضور 53 نائباً فقط من أصل 128 نائباً، في مشهدٍ أثار امتعاض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يعتبر أن هناك ضرورة ملحة لإقرار قوانين متصلة بخطة التعافي.
الصورة

اقتصاد

في سوق شعبية في مدينة صيدا بجنوب لبنان، يتناوب الزبائن على الدخول إلى محل أحمد البزري لتجديد أحذيتهم القديمة. ويمتهن هذا الإسكافي حرفة انتعشت على غرار مهن أخرى، بفعل الانهيار الاقتصادي المتمادي، بعدما كانت مهددة بالاندثار.
الصورة

سياسة

تظاهر عسكريون لبنانيون متقاعدون، اليوم الأربعاء، في محيط مقر السراي الحكومي في بيروت، احتجاجاً على تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتآكل تعويضاتهم بالليرة اللبنانية مع استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية.

المساهمون