استمع إلى الملخص
- تم تشكيل لجنة لمراجعة عقود شركة "أركنو للعمليات النفطية" المرتبطة بنجل اللواء خليفة حفتر، وسط انتقادات حول الشفافية والإنفاق الحكومي في قطاع النفط.
- يعتمد الاقتصاد الليبي بشكل شبه كامل على عائدات النفط، التي شهدت تراجعاً في 2024 بسبب الإغلاقات وانخفاض أسعار النفط، مما أثر على الاقتصاد الليبي.
أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، اليوم الثلاثاء، عن جملة من الإجراءات الفورية لتقليل آثار الإنفاق الموازي وتأثيراته على قيمة الدينار، ولتعزيز الشفافية في عقود النفط، في الوقت الذي كشف فيه مصدر حكومي رفيع النقاب عن تشكيل الدبيبة لجنة لمراجعة عقود شركة "اركنو للعمليات النفطية". جاء ذلك بعد اجتماع عقده اليوم، مع رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك في مقر الحكومة بطرابلس، بحضور مسؤولين من وزارة النفط والغاز، والمؤسسة الوطنية للنفط.
وفقا لبيان نشره المكتب الإعلامي للحكومة، فإن الدبيبة وجه بضرورة اتخاذ "إجراءات فورية"، بهدف "تقليل آثار الإنفاق الموازي في خفض قيمة الدينار الليبي، إلى جانب اتخاذ إجراءات احترازية، لتعزيز الشفافية في عقود التطوير والمشاركة داخل قطاع النفط". وذكر البيان أن إجراءات الدبيبة تهدف أيضا إلى تخفيض الإنفاق الحكومي بالعملة الصعبة على البعثات الليبية في الخارج"، مشيرا إلى أن اللقاء بين الدبيبة وشكشك سيتم بثه مساء اليوم للرأي العام.
ويحمل إعلان الدبيبة تراجعاً عن مضمون اعلان سابق لمصرف ليبيا المركزي بشأن ترحيب رئيسي الحكومتين، الدبيبة في طرابلس واسامة حماد رئيس حكومة مجلس النواب في بنغازي، بشأن "التعاون المشترك" لتنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية مقترحة، وبذل كل الجهود الرامية لتنفيذ خطة المصرف المركزي في مسيرة الإصلاح الاقتصادي. وجاء إعلان المصرف بعد أسبوعين من بيان له فجر قضية الهدر في الإنفاق الحكومي للعام الماضي، حيث كشف عن وصول الإنفاق الحكومي للعام 2024 إلى 224 مليار دينار ليبي، أنفقت منها الحكومة في طرابلس 132 مليارا، والحكومة في بنغازي 59 مليار، ما أشعل موجة من الجدل في الأوساط الليبية التي طالبت بضرورة ضبط الإنفاق الحكومي. (الدولار= 5.46 دنانير).
وفي الأثناء تبادل الدبيبة وحماد الاتهامات بشأن المسؤولية عن الهدر في الإنفاق المتزايد، حيث وصف الدبيبة إنفاق الحكومة في بنغازي بـ"الإنفاق الموازي" وطالب النائب العام بسرعة فتح تحقيق للكشف عن مصير الـ59 مليارا التي أنفقتها الحكومة في بنغازي. كما اعتبر الدبيبة أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي شكل الحكومة في بنغازي، مسؤول عن ارتفاع الدين العام، على الرغم من إقراره بارتفاع حجم بند المرتبات الذي يعد أكبر بنود الميزانية العامة للدولة.
وفي سياق متصل، كشف مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" أن الدبيبة اتفق مع شكشك، خلال اجتماعهما، على تشكيل لجنة، مكونة من ديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط، لمراجعة عقود شركة أركنو، وأن الدبيبة تعهد بإحالة أي تجاوز في عقود الشركة إلى القضاء في حال الكشف عنه. وعلى الرغم من حديث العديد من التقارير الإعلامية حول شركة أركنو، وتقاسم السلطة في طرابلس وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر شراكتها لتصدير النفط خارج شرعية المؤسسة الوطنية للنفط، إلا أن الحديث عنها تزايد بشكل كبير مؤخرا، بالتوازي مع الانتقادات الحادة بشأن الإنفاق الحكومي.
ومساء أول من أمس، نشرت شركة أركنو على موقعها الإلكتروني الرسمي، وثائق تتعلق بتأسيسها كشركة محلية، ونسبة شراكتها في تصدير النفط، قبل أن تختفي بعدها بساعات. وأظهرت تلك الوثائق، تأسيس الشركة بموجب قـرار من مجلـس الـوزراء بحكـومة الوحدة الوطنية سنة 2023، كشركة محلية في إدارة العمليات النفطية في حقلي مسلة والسرير النفطيين، والسماح لها بتصدير حصة من إنتاج الحقلين عبر ميناء الحريقة شرقي البلاد.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، كشف تقرير خبراء الأمم المتحدة عن ارتباط الشركة بنجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، صدام، مشيرة إلى أن سجلات الشحن الخاصة بالشركة تؤكد أنها صدرت نفطا بقيمة 600 مليون دولار على الأقل منذ مايو/أيار العام الماضي.
وفيما كشف التقرير الأممي عن أن الشركة هي أول شركة خاصة تصدر النفط، حذرت من أن هذا التصدير يعني تحويل إيراداته بعيدا عن حسابات المصرف المركزي الليبي.
ويقع حقلا السرير والمسلة في المنطقتين النفطيتين 65 و80 على بعد 500 كيلومتر جنوب شرق بنغازي، فيما يقع ميناء الحريقة في مدينة طبرق، في أقصى الشرق الليبي. ومنذ سنوات طويلة سيطرت مليشيات حفتر على منابع النفط في الجنوب الليبي، وموانئ تصديره في وسط وشرق البلاد، فيما تقع المؤسسة الوطنية للنفط، الجهة الشرعية المسؤولة عن تصدير النفط، في العاصمة طرابلس. وكثيرا ما عطلت مليشيات حفتر تصدير النفط واستخدمته ورقة للضغط من أجل مكاسبها.
وفي يوليو/تموز 2022، عينت حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها دوليا، فرحات بن قدارة، الرجل المقرب من حفتر، رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط، ما اعتبر صفقة بين سلطتي طرابلس وبنغازي، واستمر في إدارة منصبه إلى حين إعلان استقالته المفاجئة في منتصف يناير الماضي، فيما اعتبر كثير من المراقبين أن انشاء شركة أركنو جاء تتويجا للتحالف غير المعلن بين طرابلس وبنغازي. ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل شبه كامل على عائدات النفط، التي تمثل أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية، و95% من عائدات التصدير. ومنذ اكتشاف النفط في الخمسينيات، ظل القطاع النفطي العمود الفقري للاقتصاد الوطني، إذ تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الخام في أفريقيا، بما يُقدر بنحو 48.4 مليار برميل.
ووفقاً للبيانات السنوية لمنصة أبحاث الطاقة، ومقرّها واشنطن، جاءت ليبيا في المرتبة الثانية أفريقياً من حيث إنتاج النفط الخام بـ1.11 مليون برميل يومياً خلال عام 2024. ومع ذلك، خسر ميناء السدرة الليبي 2.49 دولار من سعر البرميل في نفس الفترة. وأعلنت مؤسسة النفط الليبية في وقت سابق عن أسباب تراجع الإيرادات النفطية لعام 2024 مقارنة بالعام السابق، مشيرة إلى انخفاض الإيرادات بمقدار 6.447 مليارات دولار بسبب عوامل استثنائية وظروف خارجة عن السيطرة، وأوضحت المؤسسة عبر بيان لها أن جزءاً من إيرادات 2023 بقيمة 2.4 مليار دولار يعود إلى سنوات سابقة، بينها ضرائب وإتاوات من شركة "توتال" عن الفترة بين 2018 و2019، كما تراجع إنتاج النفط بنحو 36 مليون برميل بسبب الإغلاقات المتكررة، إضافة إلى انخفاض متوسط سعر خام برنت بمقدار 1.86 دولار للبرميل.