الحوالات السورية في مهبّ رياح السوق السوداء والمضاربين

02 مارس 2025
السوريون يتطلّعون إلى الحوالات الواردة من ذويهم، حمص (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزداد الحاجة للحوالات المالية في سوريا خلال رمضان بسبب ارتفاع البطالة والأسعار، ويتوقع الخبراء زيادة في حجم الحوالات نتيجة التغيرات السياسية وتخفيف القيود، مما قد يرفع قيمة الليرة مؤقتًا.
- قد تصل الحوالات إلى 500 مليون دولار، مما يحسن سعر صرف الليرة مؤقتًا، لكن السوق السوداء قد تؤثر سلبًا على المستفيدين، مما يضعف قدرة المصرف المركزي على تعزيز احتياطاته.
- يُنصح بحصر الصرافة في مراكز معتمدة، وتزويدها بأسعار إرشادية، وتعزيز الدفع الإلكتروني لتخفيف الطلب على السيولة وتحسين التعاملات المالية.

في ظل ازدياد معدلات البطالة في سورية، وتوقّف رواتب شرائح كبيرة من المجتمع السوري، تزداد حاجة مَن لديهم أقارب في الخارج إلى الحوالات المالية خلال شهر رمضان، وذلك كي تتمكّن العائلات من العيش في أجواء الطقوس الرمضانية، لا سيّما بعد ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية خلال اليومين الماضيين بنسب كبيرة، بسبب استغلال التجّار تزايد طلب المواطنين على تلك المواد.

والمعروف من خلال السنوات الماضية أن سعر صرف الدولار يشهد ثباتاً أو انخفاضاً خلال شهر رمضان، نتيجة دخول كتل مالية جديدة إلى الأسواق على شكل حوالات خارجية، من شأنها تحريك السوق، فكيف سيكون الأمر في أول رمضان تتحرّر فيه سورية من حكم نظام الأسد؟ وما هو حجم الحوالات الخارجية التي يتوقّع الاقتصاديون وصولها إلى الداخل في ظلّ الأوضاع الحالية؟ وماذا يترتّب على الحكومة إزاء ذلك؟

الخبير الاقتصادي والمالي زياد الغزالي يبيّن، خلال تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحوالات الواردة من الخارج سوف تزيد الطلب على الليرة السورية، وبالتالي سترتفع قيمتها أمام الدولار، علماً بأن هذا الارتفاع لا يستند إلى تغيّرات اقتصادية حقيقية، بل يمكن أن يكون أقرب إلى لعبة المضاربات. و"على اعتبار أن هذه الحوالات الواردة تكون أشبه بطوق نجاة للسوريين في الداخل، فمن المتوقّع أن يقوموا بتحويلها من الدولار إلى الليرة خلال فترة قصيرة، وهذا الأمر سيؤدي إلى ضغط على سعر الليرة على المدى القصير، نتيجة حبس السيولة من الليرات السورية المتّبع اليوم، وانخفاض المعروض منها".

وتوقّع الغزالي أن يزداد حجم الحوالات الخارجية خلال شهر رمضان هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة، لعدّة أسباب، منها التغيير السياسي في سورية، وتخفيف القيود على التحويل والاستلام بالدولار، وانخفاض حدّة العقوبات الخارجية، ما يؤدي إلى سهولة وسرعة التحويلات ويخفّف من تكاليفها. كما أشار إلى الجانب النفسي الذي يعيشه السوريون، إذ دفعتهم الظروف الراهنة إلى تحويل كثير من الأموال من الخارج لشراء العقارات والسيارات. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة دخول السوريين لقضاء رمضان والعيد مع عائلاتهم هذا العام ستؤدي إلى إنفاق دولارات إضافية في سورية. لذا، من المقدّر أن تصل تلك التحويلات إلى ما يزيد على 500 مليون دولار تحويلاتٍ جاريةً واستثمارية، إضافة إلى مصاريف دخول السوريين من الخارج والتحويلات لشراء الأصول الثابتة.

ولإحداث توازن في الأسواق في ظلّ المعطيات السابقة خلال شهر رمضان، أشار الخبير الاقتصادي إلى أنه "ينبغي على الحكومة حصر عمليات الصرافة في مراكز معتمدة ومرخّصة، وتزويدها بأسعار إرشادية يومية، ومراقبة حركة السوق، والإفراج عن السيولة المجمّدة لإعادة التوازن لسعر الصرف وتنشيط العملية الاقتصادية"، كما لفت إلى أن شهر رمضان "سيترافق هذا العام مع تشكيل حكومة موسّعة، وازدياد نسب البطالة نتيجة تسريح عدد من العاملين الحكوميين وإعادة هيكلة القطاع العام، إضافةً إلى ترقّب زيادات في الأجور للباقين في وظائفهم، وضعف النشاط الاقتصادي، وزيادة الاستيراد والتهريب، ما قد يؤثر على سعر الصرف وكمية المعروض من الليرة"، وتوقّع أن يتراوح سعر صرف الدولار بين 9000 و12000 ليرة، تبعاً لسياسة الحكومة.

من جهته، يؤكّد الخبير الاقتصادي علي محمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن حجم الحوالات الخارجية الواردة إلى سورية، سواءً في الأيام العادية أو خلال شهر رمضان، لكن بعض التقديرات في الأعوام الماضية أشارت إلى وصولها إلى عشرة ملايين دولار يومياً، أي أن حجمها خلال شهر رمضان كان يتراوح بين 300 و350 مليون دولار، وذلك في حال احتُسبت أيام عيد الفطر. أما اليوم، وبعد سقوط النظام البائد واتّساع رقعة الجغرافيا السورية، بما فيها محافظة إدلب وريفها وريف حلب، فمن الممكن أن تزداد قيمة هذه الحوالات.

واعتبر محمد أن "أي تدفّق للقطع الأجنبي إلى اقتصاد أي بلد من شأنه تحسين سعر صرف العملة المحلية، لكن في الحالة السورية هناك تساؤل حول ما إذا كان هذا التدفق سيحسّن من سعر صرف الليرة السورية، التي تُعتبر متحسّنة في السوق السوداء بشكل غير مبني على أسس اقتصادية حقيقية، ويُدار من جهات غير معروفة"، ويرى أن "الإجابة تبقى رهن الأيام القادمة، إذ لا يمكن التكهّن بها، ففي حال قررت تلك الجهات تخفيض السعر لتحصل على القطع الأجنبي بأدنى الأثمان، فقد تتمكّن من ذلك إن لم يكن هناك قدرة على ضبط عمليات البيع والشراء من مصرف سورية المركزي".

وبناءً على ما سبق، يرى محمد أن "هذه التحويلات المالية قد تكون عرضةً للسوق السوداء، ما سيؤدي إلى خسارة المستفيدين منها، لأنهم لن يتسلّموا حوالاتهم بالسعر الرسمي، وكذلك، فإن مصرف سورية المركزي لن يكون قادراً على تعزيز احتياطاته من القطع الأجنبي، ما يجعله غير قادر على الدفاع عن سعر الصرف".

أما الخبير الاقتصادي عبد القادر حصرية، فيرى أن سعر الصرف تأثّر خلال الفترة الماضية بأزمة السيولة في الليرة السورية، الناجمة عن عدم قدرة المصرف المركزي على توفير السيولة للقطاع المصرفي وللاقتصاد عموماً، ويؤكد أن "السعر الحالي وهمي"، وهو ما أقرّ به المسؤولون في الحكومة المؤقتة، ولفت حصرية في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن التحويلات الخارجية بالقطع الأجنبي "تزداد عادةً مع قدوم شهر رمضان وعيد الفطر، وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من التحسّن في سعر صرف الليرة، وبالتالي تدهور الوضع الحالي لسعر الصرف وزيادة الأضرار، إلا إذا جرى توفير السيولة بالليرة السورية، أو سُمِحَ بتسليم الحوالات بالعملة المستخدمة في التحويل، كالدولار أو اليورو".

وأكد الخبير ذاته أنه لا توجد تقديرات دقيقة لحجم الحوالات الخارجية المتوقّع وصولها، لكن هناك من يقدّرها بين 200 و300 مليون دولار، كما أشار إلى أن "بعض الصرّافين غير المرخّصين يستخدمون أسعار صرف أقل من السعر الرسمي بنسبة كبيرة قد تصل إلى 50%، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، نظراً للصعوبات الكبيرة التي يواجهها المغتربون في الخارج لإرسال الأموال إلى ذويهم. ودعا حصرية إلى مساعدة الناس على تحصيل حقوقهم من هذه الحوالات، بعيداً عن أزمات السيولة وتعقيدات التحويل، إذ يجب على الحكومة السماح بتسليم الحوالات بالقطع الأجنبي، ما لم يتأكّد المصرف المركزي من توفّر السيولة بالليرة السورية بشكل كافٍ"، كما طالب بحلّ أزمة توفّر السيولة من خلال استلام كميات جديدة من الليرة السورية لضخّها في السوق، بما يتناسب مع احتياجات الاقتصاد.

إضافةً إلى ذلك، دعا حصرية إلى تعزيز البنية التحتية للدفع الإلكتروني، ومنح حسومات خاصة لمن يستخدم وسائل الدفع الإلكتروني، وتوسيع استخدام المال المحمول (Mobile Money) للتسديد، وربط هذه الخدمات بالحسابات المصرفية، ما يسهم في تخفيف الطلب على السيولة النقدية وتحسين كفاءة التعاملات المالية.

المساهمون