الحوالات السوداء تضعف الدينار العراقي

الحوالات السوداء تضعف الدينار العراقي

29 ديسمبر 2022
انخفاض العملة المحلية مقابل الدولار في السوق السوداء (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد العراق انخفاضاً غير مسبوق في سعر صرف العملة المحلية، لتصل إلى أكثر من 1560 ديناراً للدولار الواحد في السوق السوداء، مما تسبب في حالة من الإرباك في السوق العراقية، وزاد مخاوف العراقيين من استمرار ارتفاع العملة الأميركية إلى أرقام قياسية جديدة.

وفي إطار تفاقم الأزمة، حثَّ رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أول من أمس، البنك المركزي على تفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين، مؤكداً على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية، وكلّ ما يضر بالسوق المحلية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لكن خبراء ينتقدون بطء التحركات الرسمية لوقف المضاربات على العملة.

إجراءات حكومية

تعددت أسباب ارتفاع الدولار في السوق العراقية ومنها الحوالات السوداء والمضاربات، على الرغم من إعلان البنك المركزي محاولته اتخاذ عدة إجراءات للحد من هذا الارتفاع، وأنه يعمل على إعادته إلى سعره الذي كان عليه، خلال أسبوعين.

من جانبه، قال المستشار المالي والاقتصادي لرئاسة الحكومة، مظهر محمد صالح، إنّ الحكومة تعمل للسيطرة على سعر صرف الدولار والحد من الارتفاع الكبير.

وقال صالح، في تصريح صحافي، إنّ تقلبات سعر الصرف جاءت لأسباب داخلية وخارجية، مؤكداً أنّ الأسباب الداخلية تتعلق بالدولار النقدي الذي تجهز بموجبه نافذة العملة الأجنبية للبنك المركزي مكاتب وشركات الصرافة والمصارف، فضلاً عن الأنشطة الاحتكارية داخل السوق من خلال العمل خارج الضوابط الرقابية التي نص عليها قانون مكافحة غسل الأموال.

وأوضح صالح أن السلطة النقدية في العراق تعمل على استقرار سوق الصرف بمسارين، من خلال مراقبة سوق الصرف لضمان انسيابية النقد الأجنبي من الدولار إلى مستحقيه، وفتح منافذ رسمية داخل فروع المصارف الحكومية لتزويد المواطنين بالعملة الأجنبية بالسعر الرسمي، بغية خلق جو من التنافس في بيع العملة الأجنبية عن طريق توسيع العرض النقدي بالدولار.

الحوالات السوداء

لكن ماذا عن الأسباب الحقيقة لأزمة العملة في العراق؟

الباحث الاقتصادي نبيل الشمري يجيب عن السؤال قائلا: "الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ارتفاع أسعار الدولار في السوق المحلية رغم ثباتها بالأسعار الرسمية المعلنة من قبل البنك المركزي بمبلغ 1460 ديناراً للدولار، تتمثل في اتباع أسلوب إرسال الأموال خارج العراق بأسلوب غير قانوني خارج النظام المصرفي".

وأكد الشمري لـ"العربي الجديد" أنّ هناك مبالغ حولت خارج العراق عن طريق وسائل نقل متعددة، مطلقاً على هذه العملية اسم "الحوالات السوداء" التي تُنقل من خلالها الأموال إلى دول جوار بشكل مباشر، ثم تنتقل إلى وجهات أخرى حول العالم.

أسباب معلنة

الخبير المالي العراقي، همام الشماع، يقدم وجهة نظر أخرى حيث يرى أنّ انخفاض مبيعات البنك المركزي العراقي من 300 مليون دولار يومياً إلى أقل من 100 مليون دولار كان أحد أسباب ارتفاع سعر الدولار، وجاء ذلك نتيجة لدخول البنك الفيدرالي الأميركي إلى نافذة بيع العملة وتقييد التمويل المالي، مما تسبب في شح الحوالات وارتفاع أسعارها، مما انعكس على سعر صرف الدينار.

وتابع أنّ "تدخل البنك الفيدرالي لم يكن بشكل مباشر، إنما تدخل في شؤون استخدام الدولار بعدما أثبت أنّ مبالغ كبيرة من الحوالات تذهب باتجاه إيران والدول المتحالفة معها، وتمويل أنشطة إيران في المنطقة، مما دفعه إلى وضع قيود على تلك الحوالات".

"المضاربة سيطرت على السوق المحلية واستغلت قلة المعروض من الدولار وعملت على بيع الدولار بأسعار أعلى، ويعود سبب سيطرة المضاربين إلى فشل إجراءات البنك المركزي في معالجة ارتفاع الدولار، مع شائعات بأن يستمر هذا الارتفاع، مما دفع إلى زيادة الطلب على الدولار" وفقاً للشمّاع.

كما حمّل الحكومة العراقية "مسؤولية تراجع قيمة الدينار الذي نتج عن الفساد المالي والإداري الذي خلق عمليات غسل الأموال والفوضى السياسية التي أربكت الوضع الاقتصادي العراقي وأدت إلى استمرار الفساد وسرقة المال العام".

سلاح الشائعات

الباحث في الشأن الاقتصادي، حمزة الحردان، يقدم وجهة نظر أخرى حيث يربط بين تراجع الدينار وسلاح الشائعات، حيث يرى أنّ هناك جهات تعمل على زيادة تعقيد أزمة ارتفاع الدولار، عبر سحب النقد الأجنبي من الأسواق من خلال بث الشائعات والقلق داخل السوق.

المضاربة سيطرت على السوق المحلية واستغلت قلة المعروض من الدولار

وأوضح الحردان لـ"العربي الجديد" أنّ أتباع أسلوب المضاربة وبث الشائعات أدى أيضاً لهذا الارتفاع، فضلاً عن العقوبات الأميركية المفروضة على المصارف العراقية المشاركة في مزاد العملة بسبب عمليات غسل الأموال وتهريب العملة ووصولها إلى جهات فُرضت عليها عقوبات دولية.

وبحسب الباحث الاقتصادي فإن البنك المركزي ما زال عاجزاً عن السيطرة على هذا الارتفاع الكبير، ولا خطوات حقيقية حتى هذه اللحظة يمكن أن تعيد الاستقرار إلى السوق.

وشدد الحردان على أهمية توجه البنك المركزي نحو تعويض النقص الحاصل من العملة في السوق، ومراقبة الجهات التي تسحب الدولار، بالإضافة إلى إعادة النظر في ضوابط البيع والشراء في نافذة بيع العملة.