الحكومة السورية العتيدة

17 مارس 2025
الحكومة المتظرة امتحان فيصل للإدارة الجديدة بمشاركة ذوي الكفاءة (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- من المتوقع أن يعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة بعد التحرير، تهدف إلى تمثيل جميع أطياف المجتمع وتخفيف الاحتقان الشعبي، مع التركيز على الكفاءة والخبرة.
- تواجه الحكومة تحديات كبيرة تشمل إعادة هيكلة الوزارات وتفعيل الهيئات المستقلة لضمان توزيع عادل للموارد وتحقيق التنمية المتوازنة، مع منح صلاحيات أكبر لممثلي الوزراء في المحافظات.
- تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في دور المؤسسات والمجالس الثانوية، مع تعيين وزراء أكفاء، ويبقى التساؤل حول كيفية إدارة الرئيس الشرع لمهامه في ظل تعقيدات المرحلة.

على الأرجح، سيعلن الرئيس السوري، أحمد الشرع، اليوم أو غداً، تشكيل أول حكومة سورية بعد التحرير وتسيير الأعمال لمئة يوم، من حكومة "انتقالية وإنقاذية" وصفت بالضرورة والحاجة واتسمت بالتجريب والارتجال، وربما قلة الخبرة وتواضع الإدارة. 

وعلى الأرجح، أو هكذا يفترض، أن تتضمن حكومة الشرع، بعد إقرار النظام الرئاسي خلال الإعلان الدستوري قبل أيام وإلغاء منصب رئيس الوزراء، وجوهاً معروفة للسوريين وتمثيلاً واسعاً لجميع أطيافهم وجغرافيتهم، علّ بالحكومة العتيدة والمأمول أن تكون "تكنوقراط" تسحب فائض الاحتقان المتعظم في الشارع، بعد الاعتراض على مؤتمر الحوار الوطني ومحدودية حضوره وقضايا طرحه، وتصويب بعض قرارات "الحكومة الانتقالية" التي زادت الاعتراض واحتقان الشارع، من فصل الموظفين وعدم الالتزام بوعود تحسين المعيشة والخدمات، وإزالة، ولو بعض التشكيك في استئثار السلطة وجمعها بيد الرئيس، بعد الإعلان الدستوري وما أحدثه من ردود أفعال وتقليب، ببعض مكونات السوريين، القومية والمناطقية والدينية.

فالحكومة المنتظرة، وفق ما يرى السوريون ويعولون، هي آخر اختبار عن تطبيق النظري والتصريحات على الأرض، وامتحان فيصل للإدارة الجديدة بمشاركة ذوي الكفاءة، بصرف النظر عن أي اعتبار، عدا الكفاءة والخبرة، بزمن ربما تكون خلاله كامل سورية، أمام تحولات ومنزلقات تحولها لـ"نكون أو لا نكون".

قصارى القول: قد يكون فائتاً لأوانه الآن، بواقع اقتراب إعلان الحكومة، تقديم مقترحات حول دمج وزارات، كالسياحة والثقافة، والزراعة والري، أو التجارة الداخلية والخارجية، لأن كثرة عدد الوزراء وتشابه عملهم وقطاعاتهم، كانت السمة الأبرز خلال حكومات الأسدين البائدين، وعلى مدى نيف ونصف قرن. وكان جراء التقارب والتشابك، بالمهام والمسؤوليات، تأجيل اتخاذ القرارات أو، عادة، ترحيل القضايا وإن جسيمة وآنية، إلى لجان مشتركة، تضم خبرات خارجية، فضلاً عن تمثيل الوزارات المتداخلة أعمالها، ليكون السوريون أمام تسويف وتأجيل وزيادة أعباء ومصاريف.

فأن تتضمن الحكومة بين 25 و28 وزيراً، من دون تسمية وزراء أو تخصيص قطاعات، لأعمال ضرورية ومستجدات لازمة، كالاستثمار وإعادة الإعمار، للتكنولوجيا والبحث العملي أو الرياضة والشباب، أو حتى تخصيص وزارة للمغتربين غير ملحقة بوزارة الخارجية، كانت محط أنظار وخصوصية سورية تدخل بخانة الترضية، التي اعتمدها حافظ الأسد وانتقلت إلى وريثه بشار، ليضيف إليها ملامح الرشى وشراء الذمم وإسكات المناطق الثائرة، بتعيين وزراء ولو من دون حقيبة.

بيد أن ما هو بأوانه اليوم وتفرضه الضرورة وواقع الحال، حتى وإن كان الاتفاق على أسماء الوزراء، قد تم. ولا يفصلنا عن إعلان التشكيل الحكومي، سوى يوم أو بضع ساعات. هو إعادة توصيف الوزارات وأعمالها ومهامها، وإيلاء الصلاحيات شبه المطلقة، لممثلي الوزراء في المحافظات، من مديرين عامين ورؤساء هيئات، لأن المركزية وربط جميع مصالح السوريين بالوزراء ودمشق، كان له الدور الفاعل، بالترهل وتبديد الوقت والإمكانات وتفشي الرشى.

كما الضرورة والمرحلة تتطلب، إعادة تسمية وتفعيل الهيئات والمجالس المستقلة والتابعة مباشرة لرئيس الحكومة (رئيس الدولة الآن) كالهيئة العامة للرقابة والتفتيش والمجالس العليا، كمجلس الاستثمار والسياحة. 

كما كان للمركزية خلال حكومات الأسدين، السبب الأهم في الخلل التنموي وتمركز الأعمال والاستثمارات في مدن محددة، وتجاهل أو تفقير مدن ومناطق بعيدة عن العاصمة، رغم ما لتلك المناطق، كمدن الجزيرة السورية (الحسكة والرقة ودير الزور) من خصوصية خزان سورية الغذائي والنفطي والمائي، أو لغيرها، كالسويداء وإدلب، من ثروات وكفاءات وخصوصية حدودية.

ولأن سورية تعيش حالة تحوّل وبناء من جديد، قد تكون الحاجة ملحة اليوم وبالتزامن مع أول حكومة بعد التحرير، إلى إيلاء دور مختلف، لمؤسسات وهيئات ومجالس، كانت اسمية أو ذات أدوار ثانوية بأحسن الأحوال، كمثل المجالس العليا بين سورية والدول المجاورة أو هيئات المرأة والطفل، خاصة أن سورية الجديدة، ألغت دور المنظمات الشعبية التي كان يناط بها أعمال الأسرة أو العمال.

نهاية القول: الآمال والأماني على الحكومة اليوم، كبيرة ومحقة، كما أن التحديات، بواقع محدودية الموارد وحجم الخراب وملامح الانقسام الداخلي، هائلة وجسيمة، ما يحوّل تسمية الحكومة اليوم، بحسب الكفاءة والتخصص ورضى الشارع، للاختبار الأهم الذي لن يكون بعده كما قبله، بعد الذي أشرنا إليه، من عدم رضى وقبول، من أداء حكومي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ربما يتفق السوريون على أنه ارتجالي وترقيعي واستئثاري.

بقي أن نقول ومن باب الاستفسار والتساؤل، بعد تغيير نظام الحكم في سورية، وتحويله إلى رئاسي. هل سيحضر الرئيس الشرع، باعتباره رئيس الوزراء، اجتماع الحكومة الدوري الأسبوعي، كما كان العرف والتقليد السوري، أم أن مهام الدولة المتعاظمة والمرشحة للتعقيد، تحول دون الحضور، الدائم على الأقل، للرئيس؟ وهل سيتم لحظ هذا الجانب وضرورة حضور رئيس، وإن لمجلس الوزراء وليس للوزراء، بعد إبعاد منصب نائب رئيس الوزراء، سواء للشؤون الاقتصادية أو الخدمات، فقد ألغاه المخلوع الأسد منذ عام 2013.

لأن الوقت إلى جانب الثقة وتحقيق مطالب الداخل بالتوازي مع مصالح الخارج، هي تحديثات المرحلة بسورية، والتي قد لا يستطيع الوزراء، من دون رأس أو رئيس، تحقيقها أو اتخاذ قرار حاسم بشأنها.

المساهمون