الحكومة التونسية تسعى لفرض ضريبة على الثروة بنكهة "زوكمان"
استمع إلى الملخص
- تمويل الموازنة والقروض: تخطط الحكومة لتعبئة قروض بقيمة 25.8 مليار دينار، منها 6.8 مليارات من القروض الخارجية و19 مليارًا من القروض الداخلية، مع تسهيلات من البنك المركزي بقيمة 11 مليار دينار.
- الاعتماد على التمويل الداخلي: تسعى الحكومة لتعزيز التمويل الداخلي لضمان الاستقلال الاقتصادي، مما أدى إلى تحسين تصنيف تونس من قبل وكالات التصنيف الدولية.
تنوي الحكومة التونسية إقرار ضريبة جديدة تحت مسمى "الضريبة على الثروة" على طريقة "ضريبة زوكمان" بحيث تشمل مكاسب الأشخاص الطبيعيين بما في ذلك المكاسب الراجعة بالملك لأبنائهم القصر الذين في كفالتهم من العقارات ومن المنقولات، وتحتسب بنسبة 0.5% في ما يخص المكاسب التي تراوح قيمتها بين 3 ملايين دينار (نحو مليون دولار) و5 ملايين دينار (1.71 مليون دولار) و1% في ما يخص المكاسب التي تفوق قيمتها 5 ملايين دينار مع مراعاة اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي المبرمة مع البلدان الأخرى عند الاقتضاء. وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد دعا في يونيو/حزيران 2023 إلى فرض ضرائب إضافية على الأغنياء بدلاً من رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية وهو الاقتراح الذي أُسقِط فيما بعد، ليتضمنه قانون المالية لعام 2026 من جديد.
ووفقاً لمشروع قانون الموازنة الذي أحالته أمس الحكومة على البرلمان وفق الأجال الدستورية، فإن هذه الضريبة الجديدة تطبق على قيمة العقارات والأصول التجارية والمنقولات المكتسبة بجميع أصنافها بما في ذلك الأموال المودعة في البنوك والمؤسسات المالية أو البريد التونسي وسندات القيم المنقولة ورؤوس الأموال في أي منطقة من التراب التونسي بغض النظر عن مكان إقامة الذي تتوفر فيه الشروط سواء داخل البلاد أو خارجها. ويتوقع وفق مشروع قانون الموازنة أن تبدأ تونس بداية من الأول يناير/كانون الثاني القادم بتوظيف هذه الضريبة.
قروض بقيمة 8.9 مليارات دولار
كما تنوي الحكومة التونسية تعبئة قروض بقيمة تزيد عن 25.8 مليار دينار ( 8.8 مليارات دولار) لتمويل الموازنة العام القادم من بينها 6.8 مليارات دينار من القروض الخارجية ( 2.3 مليار دولار) و19 مليار دينار ( 6.5 مليارات دولار) من القروض الداخلية.
وكشفت وثيقة مشروع قانون الموازنة لعام 2026 على اتجاه الحكومة نحو الحصول على تسهيلات مباشرة من البنك المركزي التونسي بقيمة 11 مليار دينار (3.8 مليارات دولار) من دون فائدة تسدد على 15 سنة من بينها 3 سنوات إمهال على أن تبرم اتفاقية بين الوزير المكلف بالمالية ومحافظ البنك المركزي التونسي تضبط خاصة طرق سحب التسهيلات الممنوحة وتسديدها. ويتوقع أن تسدد تونس بحلول العام القادم 7.9 مليارات دينار (2.7 مليار دولار) من أصل الديون الداخلية و7.9 مليارات دينار من أصل الدين الخارجي.
وتضمن مشروع الموازنة إقرار زيادة في أجور ورواتب موظفي القطاعين العام والخاص وجرايات المتقاعدين بعنوان سنوات 2026 و2027 و2028 على أن تُحدَّد نسبة الزيادة بأمر حكومي، وأشارت الوثيقة إلى بلوغ عدد موظفي القطاع الحكومي 687 ألف عوناً.
وأقر مشروع قانون الموازنة للعام القادم تسهيلات لتحفيز انتداب القطاع الخاص للعاطلين عن العمل من حاملي شهادات التعليم العالي تتمثل في تكفل الدولة بمساهمة المؤجر في النظام القانوني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجر المدفوع للأجراء من خريجي الجامعات بنسبة تصل إلى 100% خلال السنة الأولى و80% خلال العام الثاني مع خفض النسبة تدريجياً لتصل إلى 20% خلال العام الخامس من فترة التوظيف.
دعم المحروقات
واقترح مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 مواصلة سياسة الدعم الموجه للمواد الأساسية والمحروقات والنقل العمومي وتقديم الدعم اللازم للشركات الأهلية لما لها من دور في تحقيق تنمية جهوية أكثر عدالة.
كما تقترح وثيقة ملامح وتوجهات مشروع ميزانية الدولة 2026، وبرمجة رزنامة لاستخلاص الديون أصلاً وفائدة خلال سنة 2026 إلى جانب الإسراع في تنفيذ خطط إعادة الهيكلة المالية والفنية لمؤسسات القطاع العام المتعثرة.
وتمثل ميزانية تونس 2026، السنة الأولى في تنفيذ المخطط الخماسي الجديد 2030/2026 ضمن رؤية شاملة تستهدف إرساء تنمية عامة ومستمرة وعادلة تعزز التماسك الاجتماعي وتستجيب لأولويات المرحلة.
وتوقع البنك الدولي في تقريره حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان المنشور مؤخراً أن يحقق اقتصاد تونس نمواً بنسبة 2.4% خلال الفترة 2026 - 2027 في حين توقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة النمو إلى 2.1 خلال سنة 2026، وفق ما ورد في تقريره الصادر أول أمس بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي".
الاعتماد على التمويل الداخلي
وتخطط الحكومة التونسية خلال العام القادم لتعبئة الجزء الأكبر من حاجيات التمويل عبر السوق المالية المحلية، من خلال إصدار رقاع خزانة واستقطاب البنوك وصناديق التأمين والمؤسسات العمومية للمساهمة في تمويل العجز.
وقالت الحكومة وفق منشور على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إن الإصلاحات الهيكلية سترتكز على تكريس مبدأ التعويل على الذات واستقلال القرار الوطني من خلال تعبئة الموارد الوطنية وحسن توظيفها وضمان الإيفاء بكل التزامات الدولة الداخلية والخارجية.
ووفق بيانات رسمية لوزارة المالية، نجحت تونس هذا العام في السيطرة على الدين الخارجي وخفض نسبته ضمن تركيبة الدين العام إلى 50% مقابل 70% سنة 2019.
وتواجه سياسات السلطة بالاستغناء عن الاقتراض الخارجي انتقادات بسبب الضغوط على مصادر التمويل الداخلي واللجوء المكثف إلى التمويل المباشر للموازنة من خزانة البنك المركزي، رغم عدم توافق هذا الإجراء مع القانون الأساسي للبنك المركزي الذي يمنع الاقتراض المباشر من خزانته.
الحفاظ على السيادة الاقتصادية
ويرى الخبير المالي زياد أيوب أن توجه السلطات نحو مواصلة التعويل على الموارد الداخلية لتمويل الموازنة يعكس رغبة الدولة في الحفاظ على سيادتها الاقتصادية، خصوصًا بعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خلال السنوات الماضية بسبب الخلاف حول شروط الإصلاح.
وقال أيوب في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتماد على الاقتراض الداخلي قد يوفّر للدولة مرونة أكبر في حوكمة الدين الخارجي ويحفز الاقتصاد المحلي إلى تحسين تغطية السوق بالمواد المصنعة محلياً وتقليص الواردات المستنزفة للعملة الصعبة".
واعتبر أيوب أن خيار التعويل على الذات وتمويل الموازنة من الموارد الداخلية أثبت نجاعته خلال العامين الماضيين، ما نتج عنه تحسين لتصنيف تونس من قبل وكالات التصنيف الدولية.
وقال: "أظهرت مراجعة تصنيف تونس من قبل وكالات مثل (فيتش) و(موديز) اتجاهًا إيجابيًّا للاقتصاد المحلي، وهذا التحسن مدفوع بالتحسن في إدارة الديون الخارجية وتقلص العجز الجاري واستقرار احتياطيات النقد الأجنبي".
ويعتقد الخبير المالي زياد أيوب أن القطاع المالي في تونس لا يزال قادرًا على تلبية حاجيات الموازنة، مشددًا على ضرورة مراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي من أجل رفع موانع النفاذ المباشر للاقتراض وتوفير الموارد الكافية للخزانة.