الحكومة التونسية تسترضي الأثرياء: امتيازات جديدة

الحكومة التونسية تسترضي الأثرياء: امتيازات جديدة

04 نوفمبر 2021
الحكومة بصدد تقديم "هدايا" وامتيازات مالية جديدة لرجال الأعمال (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

وضعت الحكومة التونسية الجديدة، برئاسة نجلاء بودن، الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية والضريبية المزمع تطبيقها للموازنة المالية 2022، حيث تميل الدفة لصالح الأثرياء والمؤسسات الكبرى.
وأظهرت النسخة الأولية لمشروع قانون الموازنة المسربة من الدوائر الحكومية نيّة الحكومة إقرار تحفيزات لفائدة المؤسسات عبر طرح جزء من الديون البنكية غير قابلة الاستخلاص لفائدة الشركات.
وذكر مشروع قانون الموازنة نية الحكومة التوجه "نحو مراجعة النظام الجبائي للتخلي عن الديون من قبل البنوك والمؤسسات المالية على مستوى هذه البنوك والمؤسسات وعلى مستوى المنتفع بالتخلي، في اتجاه توسيع مجال المؤسسات المنتفعة بالتخلي عن الديون المذكورة، وذلك بهدف تقليص حجم الديون غير المجدية وتمكين البنوك والمؤسسات المالية والمؤسسات التي تمرّ بصعوبات مالية من تطهير موازناتها، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المؤسسات تبعاً لتداعيات تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19" مع تحديد ضوابط وشروط للانتفاع بالامتياز المذكور". وأورد مشروع الموازنة أن هذه الإجراءات محل دراسة مع البنك الدولي.
ويأتي ذلك، في الوقت الذي لم يُكشف فيه حتى الآن عن أي معطيات رقمية بشأن حجم الموازنة ونسبة النمو المترقبة ولا فرضيات سعر الصرف وأسعار المحروقات.

ويرى الخبير المالي خالد النوري أن الفصل الخاص بطرح (شطب) جزء من الديون البنكية للمؤسسات سياسي بامتياز، وهو بمثابة الاسترضاء لمجتمع الأعمال بعد فترة مشاحنات بين رجال الأعمال والسلطة بقيادة قيس سعيّد عقب إجراءات 25 يوليو/ تموز الماضي.
وقال النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن ما ورد في مشروع الموازنة يكشف نيّة الحكومة تقديم "هدايا" لرجال الأعمال في شكل طرح للديون البنكية غير قابلة للاستخلاص بهدف تطهير موازنات البنوك التي أثقلتها هذه الديون والسماح لبعض العائلات التي تملك المؤسسات الكبرى بأن تحتكر الثروة بإعادة تدوير الأموال المحصلة من شطب الديون المرتقب.
ورجّح المتحدث في سياق متصل أن يكون اتخاذ هذا الإجراء في مشروع الموازنة بدفع من وزير الاقتصاد سمير سعيد القادم من القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن السياسة الاقتصادية والضريبية لسلطات ما بعد 25 يوليو لن تختلف عن ذات السياسات التي انتهجتها الحكومات السابقة، والتي قدمت امتيازات عديدة لصالح العائلات المتنفذة وكبار المتعاملين الاقتصاديين.
وأوضح النوري أن الشركات الكبرى تساهم في نحو 50 بالمائة من المداخيل الضريبية وتمثل المشغل الأول في القطاع الخاص، ما يفسّر سعي السلطات نحو استمالتها.
كذلك قال المتحدث إن مشروع الموازنة لم يذكر أي امتيازات لفائدة الشركات الصغرى والمتوسطة غير المشمولة بطرح الديون رغم الصعوبات الكبيرة التي يواجهها هذا الصنف من الشركات وإفلاس الآلاف منها. وفسّر استئثار الشركات الكبرى بالامتيازات بأنها الأكثر وزناً وتأثيراً في دوائر القرار في القطاع المالي.
وتظهر البيانات الرسمية للبنك المركزي التونسي التي وردت في تقريره السنوي لعام 2020 أن قائمة الديون المهنية غير المستخلصة أو محل نزاع قد ارتفعت من9.851 ملايين دينار (الدولار = 2.85 دينار) في سنة 2019 إلى 10.485 ملايين دينار في سنة 2020.

وذكر تقرير البنك المركزي أن تسارع تطور القروض المهنية غير المستخلصة أو محل نزاع عرف تغيرات طفيفة جداً، إذ بلغت 14.3 بالمائة سنة 2020 مقابل 14.4 بالمائة سنة 2019.
ولا يمثل إقرار الامتيازات الضريبية وطرح الديون أمراً مستحدثاً في مشروع قانون الموازنة المقبل، إذ دأبت السلطة على مدى السنوات الماضية على تقديم "هدايا" في شكل تحفيزات ضريبية لفائدة القطاع الخاص الذي شكّل بدوره لوبي برلمانياً للدفاع عن مصالحه إبان مناقشة الموازنة من قبل مجلس نواب الشعب.
ويفسّر النوري غياب المؤشرات الأساسية للموازنة، ومنها حجم التمويل العام ونسبة النمو المرتقبة، بتواصل ضبابية الرؤية لدى حكومة بودن التي تواصل البحث عن مصادر تمويل داخلية وخارجية لسد ثغرات موازنة العام الحالي المقدرة بنحو 9 مليارات دينار.
ورجّح النوري أن تستمرّ أزمة التمويلات للعام المقبل، ما يجعل التسيير المالي للدولة يسير بشكل عشوائي وفق قوله.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أعرب البنك المركزي التونسي، في بيان لمجلس إدارته، عن "انشغاله بخصوص الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات مهمة لاستكمال تمويل موازنة الدولة لسنة 2021، ما يعكس تخوف المقرضين الدوليين في ظل تراجع الترقيم (التصنيف) السيادي للبلاد".
وعلّق الخبير الاقتصادي عبد الرحمان اللاحقة على مشروع قانون الموازنة للعام المقبل "بأن لا جديد يذكر ولا قديم يعاد".
وأضاف اللاحقة لـ"العربي الجديد" أن سوء التفاهم بين وزارة المالية والشعب ما زال قائماً بغياب أي إجراءات اجتماعية مؤثرة في حياة التونسيين، منتقداً غياب أي قرارات ثورية بحسب وصفه.
وجرى إعداد مشروع موازنة 2022 لأول مرة بعيداً ضغوط الأحزاب السياسية والبرلمان، إذ استأثرت وزارة المالية بكامل الصلاحيات في إقرار الإجراءات التي جرى تضمينها في نسخة المشروع.

ذكر تقرير البنك المركزي أن تسارع تطور القروض المهنية غير المستخلصة أو محل نزاع عرف تغيرات طفيفة جداً، إذ بلغت 14.3 بالمائة سنة 2020 مقابل 14.4 بالمائة سنة 2019.

ويرى عضو البرلمان المجمدة أعماله، هشام العجبوني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن خلق الثروة في تونس يتطلّب وضع حد للفساد والريع والبيروقراطية المقيتة، معتبراً أن تحسين الوضع الاقتصادي يقتضي توفر عامل الثقة في المؤسسات ووضوح الرؤية وهذا ما تفتقده البلاد حالياً، باعتبار عدم التسقيف الزمني للإجراءات الاستثنائية وغياب خريطة طريق واضحة المعالم للخروج من الأزمة.

وفي ظلّ تغييب المؤسسات والاستفراد بكل السلطات، ‏يعتبر العجبوني أن التعويل على المديونية والاقتراض، دون وضع أسس مناخ يشجع على الاستثمار، سيساهم في تعبئة الموارد ظرفياً، ولكن لن يشكل حلّاً جذرياً لمعضلة الاقتصاد التونسي.

ويعيش التونسيون في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة، إذ يعانون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتفاقم البطالة والفقر في ظل عجز الحكومات المتعاقبة عن تخفيف وطأة هذه الأزمات.

المساهمون