الحرب تنسف موسم العيد في غزة... غلاء وجوع وخوف
استمع إلى الملخص
- تحديات التجار والمستهلكين: إغلاق المعابر وتدهور الأوضاع الأمنية أجبر المحلات على الإغلاق أو تقليص ساعات العمل، مما أدى إلى نقص البضائع وارتفاع الأسعار، مما زاد من صعوبة توفير المستلزمات الأساسية.
- الأثر الاجتماعي والنفسي: العدوان أثر على الجانب الاجتماعي والنفسي للسكان، حيث زاد الخوف والقلق، مما جعل العيد أقل بهجة ومنع التزاور بين الأقارب والأصدقاء.
يلقي استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة بظلاله القاتمة على الأسواق المنهكة والمتعبة من طول أمد العدوان والحصار، حيث تتزامن عودة التصعيد مع اقتراب حلول عيد الفطر، وهي الفترة التي تشهد حركة شرائية نشطة في العادة، أفسدها تجدد الحرب، كما أفسد قبلها العديد من المواسم الاقتصادية السنوية.
ويعتبر موسم عيد الفطر من أهم وأقوى المواسم التجارية التي أعدم استئناف الحرب ملامحها قبل أن تبدأ التحضيرات لها، حيث يعتمد عليها التجار والباعة بشكل كبير للتغطية على خسائرهم التي تكبدوها خلال فترة العام ونصف الماضية جراء التبعات الكارثية للحصار المتواصل والأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المتردية.
وتبدأ التحضيرات لاستقبال موسم عيد الفطر عادة مع انتصاف شهر رمضان، حيث تتجهز المحال التجارية والمولات والبسطات الشعبية بمختلف أصناف البضائع والزينة وألعاب الأطفال، كذلك أصناف الحلويات والشوكولاتة والملابس ومستحضرات التجميل. ولا تقتصر تجهيزات عيد الفطر التي أفسدها تجدد العدوان على الطعام والمسليات فقط، حيث تشمل أيضاً الأثاث المنزلي وأدوات الضيافة المخصصة لاستقبال المهنئين، إلى جانب تجهيز أصناف الفراش والسجاد والستائر التي يزيد الإقبال عليها لتزيين البيوت احتفالاً بالعيد.
كانت الأسواق تتحول في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان إلى كرنفال حيوي يعج بالحركة والنشاط، حيث يبدأ الناس في شراء مستلزماتهم للاحتفال بعيد الفطر، كما تظل المحلات التجارية مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل، استعداداً للطلب المتزايد على الملابس والمواد الغذائية والاحتياجات المختلفة للموسم، لكن كل ذلك انتهى بفعل تجدد العدوان والدمار الهائل والوضع الاقتصادي الكارثي.
أسواق خائفة ومدمرة
مع تجدد الحرب وإغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/ آذار الجاري تغير الوضع بشكل ملحوظ، إذ أغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها بفعل نقص البضائع جراء الإغلاق، بينما تغلق المحلات المتبقية أبوابها قبل أذان المغرب خوفاً من تطورات الأوضاع الأمنية.
وتبدو شوارع وأزقة الأسواق خالية من الزبائن جراء خوف الناس من القصف، وبسبب عدم توفر الملابس والمتطلبات وصعوبة جلب المحلات للتشكيلات الواسعة من مستلزمات العيد بسبب توقف عمليات التوريد، إلى جانب غياب أجواء البهجة السنوية المترافقة مع موسم العيد والتي كانت تزين الأسواق خلال السنوات السابقة.
ويوضح بائع الملابس خليل سكيك أنه يغلق بسطته في سوق الصحابة الشعبي قبيل أذان المغرب بسبب الأوضاع غير المستقرة، مبيناً أنه مضطر للعمل فقط من أجل توفير قوت أسرته واحتياجاتها الأساسية، وأن التجهيز للعيد والأجواء المترافقة معه باتت خارج الحسابات. ويبين سكيك، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن محله التجاري في حي الرمال تعرض للتدمير، ويقول: "كنا نجهز المحل بمختلف الأصناف التي يمكنها أن تناسب كل الطبقات الاجتماعية، كما كنا نجهز الإضاءة والزينة والعروض لجذب الزبائن ولفت أنظارهم، لكن الحرب دمرت كل ذلك، وحرمتنا من كل شيء".
ويلفت سكيك إلى أنه بدأ بالعمل على البسطة بفعل عدم قدرته على ترميم محله التجاري خلال الفترة الحالية بسبب عدم استقرار الأوضاع إلى جانب الأسعار الخيالية لمواد البناء، موضحاً أن عمله الحالي لسد الرمق، ولا يتعلق بالموسم صاحب الاحتياجات والتجهيزات المختلفة. ويلقي تجدد الحرب في غزة بظلاله الثقيلة على موسم عيد الفطر لهذا العام، حيث تم تقليص التجهيزات وتضررت الأسواق بشكل كبير، جراء القصف ومشاهد الدمار، وما تلاها من أوضاع اقتصادية صعبة، ما أثر على الأجواء الاحتفالية المعتادة في الأيام العشرة الأخيرة من شهر الصوم.
غياب شبه تام لتجهيزات العيد
في الإطار ذاته، يبين تاجر الملابس مصطفى الرملاوي أن الأوضاع الحالية صعبة على مختلف النواحي، سواء المعيشية أو الأمنية أو الاقتصادية، وهي أسباب قللت شراء الملابس الجديدة بسبب الأسعار المرتفعة، وبسبب انعدام الأمان. ولا يمكن للرملاوي مقارنة العام الحالي بالأعوام السابقة، حيث تغيب التجهيزات بشكل شبه تام بسبب الخوف الذي يخيم على الجميع ويجعلهم أسرى منازلهم أو خيامهم، فيما يحجم الناس عن الإنفاق الزائد، ويفكرون في احتياجاتهم الأساسية أولاً.
ويتابع الرملاوي في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "أركز على بيع الملابس بأسعار معقولة قدر الإمكان، لكن في النهاية حتى الزبائن الذين يرغبون في الشراء لا يستطيعون بسبب الوضع الاقتصادي. أفضّل أن أستمر في العمل، لكن الوضع أصعب مما كان عليه في الأعوام السابقة".
ويزيد تجدد العدوان حالة القلق والذعر بين الناس المنهكين من الحرب الطويلة، حيث يظل الكثيرون منهم في حالة خوف من القصف أو اشتداد التصعيد العسكري، وهو ما يحد من قدرتهم على الخروج والاحتفال، كما يضطر أصحاب المحلات للإغلاق المبكر، ولا سيما تلك التي تتعلق بالنشاط الاقتصادي المرتبط بعيد الفطر.
قتل فرحة الناس في غزة
وعن غياب الطقوس التجارية الخاصة بعيد الفطر، يبيّن الفلسطيني سعدي أبو الهدى أن الاحتفال بأي مناسبة في غزة توقف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث قضى العدوان الإسرائيلي على فرحة الناس في استقبال كل المناسبات أو المواسم، بسبب القلق والفقد، وبسبب الحرمان وتردي الأوضاع الاقتصادية.
ومن وجهة نظر أبو الهدى، فإن موسم عيد الفطر كان مرتبطاً بشراء الملابس الجديدة للأطفال وتزيين المنزل، "لكن هذا العام الوضع مختلف، فالأسعار مرتفعة للغاية، والمصاريف تزداد بشكل كبير، إلى جانب القصف والخوف الذي يجعل من الصعب التفكير في أي تجهيزات احتفالية".
ويشير أبو الهدى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن القصف المتواصل والعنيف على غزة يجبره في الكثير من الأحيان على البقاء في المنزل، كما يحرمه من زيارة الأسواق لشراء اللوازم المهمة، ويتابع: "لا نفكر كثيراً في تجهيزات العيد، فهناك الكثير من المتطلبات الأساسية التي نعجز عن توفيرها".
وإلى جانب ذلك، يؤدي ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والملابس، إلى عدم تمكن الكثيرين من شراء مستلزمات العيد مثل الملابس أو الحلويات بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة نتيجة خسارتهم مصادر دخلهم ومحدودية فرص العمل. وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال في 3 مارس/ آذار الجاري إن إغلاق إسرائيل المعابر المؤدية إلى غزة أمام البضائع أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية أكثر من 100 ضعف في أنحاء القطاع.
لا ملابس جديدة
في السياق، تبين الفلسطينية سامية العجل أن القلق يسيطر على الجميع بسبب استئناف الحرب، كما أن الأطفال في حالة خوف مستمر، بينما لا يشعر الكبار بالراحة، وهي أسباب تمنع الجميع من الاستمتاع بالعيد، وتفقدهم الاستمتاع بالتجهيزات الخاصة به. وعن تجهيزاتها للعيد، تقول العجل إنها بالكاد تتمكن من توفير الطعام الأساسي ولا يمكنها التفكير في شراء ملابس جديدة أو تزيين المنزل كما اعتادت خلال السنوات السابقة، "كنت أقوم بتحضير الحلويات للعيد، ولكن هذا العام سأكتفي بالقليل".
وترى العجل أن العدوان يحرم الناس من الخروج للأسواق واختيار مستلزماتهم في ظل الخوف المستمر من القصف، كما أن التنقل بين المناطق أصبح أمراً خطيراً جداً، موضحة أن تلك الأسباب ستجعل العيد الحالي أقل بهجة، حيث يهتم الجميع بالحفاظ على سلامتهم وسلامة أطفالهم قبل كل شيء.
ويساهم الجانب الاجتماعي أيضاً في حالة الركود والقلق التي تخيم على الأسواق خلال الفترة الحالية والتي تشهد توتراً ملحوظاً، إذ لا تسمح الحالة الأمنية المضطربة بالتزاور بين الأقارب والأصدقاء، في الوقت الذي تخيم فيه مشاعر الحزن والقلق والفقدان على الناس بسبب الخسائر البشرية والمادية التي سببتها الحرب، وهي تداعيات تحرمهم من الاستمتاع بتجهيزات العيد.