استمع إلى الملخص
- في ليبيا، يواجه العمال تحديات بسبب تأخر صرف الرواتب، تكدس الوظائف، وغياب التخطيط، مع انتهاك حقوق العاملين في القطاع الخاص، وتأثرهم بالفوضى الأمنية والانقسام السياسي.
- تتطلب حماية حقوق العمال في السودان وليبيا استقراراً سياسياً واقتصادياً، تحسين التخطيط، توفير عقود قانونية، وضمان صرف الرواتب في مواعيدها.
يعاني العمال في كل من السودان وليبيا أوضاعاً معيشية وحياتية صعبة على خلفية الحروب والقلاقل الأمنية، والتي أدت إلى اندلاع اضطرابات اقتصادية ومالية أثرت سلباً على موارد الدولة ومخصصات الرواتب والأجور والحوافز المالية، وكذا على فرص العمل المتاحة وكلفة العلاج والتأمين الطبي.
في السودان أفرزت الحرب الدائرة لأكثر من عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع تداعيات سلبية على العمال تفاقمت باتساع رقعة المعارك، فضلاً عن أنها كانت سبباً في تشريد عشرات الآلاف من شرائح المجتمع، نتيجة الانهيار الاقتصادي وتوقف الإنتاج.
ويقول رئيس اتحاد عمال السودان، في تصريح صحافي، إن نسبة كبيرة جداً من العمال فقدوا أعمالهم، فكل المؤسسات توقفت عن العمل، حتى في العاصمة السودانية الخرطوم، أكثر المناطق كثافة في عدد العمال والمؤسسات، سواء بالقطاعين الخاص أو الحكومي، لذا تقترب نسبة البطالة حالياً بين العمال السودانيين من 75%. وأضاف أن ارتفاع معدلات البطالة بهذا الشكل أحد أبرز نتائج الحرب، التي أدت إلى تدهور الرواتب أيضاً.
تشريد عمال السودان
ودمّرت الحرب السودانية القطاع الصناعي، وشلت عجلة إنتاجه، فقد جرى تدمير 411 مصنعاً في الخرطوم بحري، بجانب 231 في الخرطوم، وأكثر من 193 مصنعاً بأم درمان من جملة نحو 6100 مصنع في البلاد، بحسب بيانات رسمية.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية، عبد الرحمن عباس، إن كثيراً من رجال الأعمال فقدوا مصانعهم، كما شهدت بعضها دماراً كبيراً يصعب معه إعادة التأسيس، في ظل الأزمات التي تواجهها البلاد من تهاوي العملة المحلية، في وقت هاجرت فيه أيضاً العمالة الماهرة التي كانت تدير هذه الشركات والمصانع حيث كان القطاع يستوعب أكثر من 100 ألف وظيفة.
وفي الاتجاه ذاته خلفّت الحرب آثاراً عميقة على قطاع التعليم، وأصبح أكثر من 3 آلاف عامل في حقل التعليم خارج منظومة الرواتب منذ نحو عامين. ويؤكد المتحدث باسم لجنة المعلمين، سامي الباقر، في حديثه لـ"العربي الجديد" استمرار مطالبات المعلمين المستمرة بحقوقهم، وأن المطالبة لا تتوقف خاصة التي جرى حجبها منذ بداية الحرب ولا تسقط بالتقادم، وعلى الدولة الدفع، ونطالب بسرعة الاستجابة خاصة في عيد العمال.
وأشارت تقارير رسمية إلى أن عدد القوى العاملة في السودان يقدر بنحو 25 مليوناً من تعداد السكان، البالغ نحو 50 مليون نسمة. وحسب إحصاءات أجراها تجمع الحرفيين والعمال السودانيين، فإن أكثر من 270 مجمعاً للورش وما يفوق 3200 ورشة حرفيين توقفت عن العمل بالعاصمة الخرطوم.
وحسب تقديرات غير رسمية، فإن حوالي 6 ملايين سوداني يعملون موظفين في القطاع الخاص، وهم يمثلون نسبة 70% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، تقطعت بهم السبل ومعظمهم بلا أجور.
يروي المواطن السوداني صالح عبد القادر قصته، بعد فقدان ورشته الخاصة بأعمال الحدادة في المنطقة الصناعية بأم درمان قائلاً إن الحرب ساهمت في تشريد عدد كبير من العمال الحرفيين والمهنيين، الذين اضطروا لترك أنشطتهم الخاصة أو التابعة للدولة.
ويقول العامل بإحدى المؤسسات الحكومية، محمد إبراهيم، إن الرواتب منقطعة منذ اندلاع الصراع، ما خلف مشاكل كبيرة تستمر وتتفاقم يوماً بعد يوم، وعطلت حياة الناس بسبب النزوح وإخلاء الخرطوم.
ويقول الخبير في مجال العلوم الإنسانية والمجتمعية، محمد علي عبد الباقي، لـ"العربي الجديد" إن مطلع مايو/ أيار يأتي والعالم يحتفل بعيد العمال، ويظل نظراؤهم السودانيون يكابدون المعاناة ذاتها منذ أكثر من عامين، جراء فقدان الآلاف عملهم، بعد قصف وتدمير المصانع ومواقع الإنتاج الخدمي، وتدمير الإنتاج الزراعي، والبنى التحتية. وقال: كل هذا يأتي في واقع مخيف للتضخم، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتدهور قيمة الجنية السوداني، بجانب تعطيل العام الدراسي، والأسواق والبنوك، وتراجع الخدمات الصحية، وعدم فتح ممرات الإغاثة الآمنة لوصولها للمتضررين، فضلاً عن انفراط عقد الأمن.
معاناة متصاعدة لعمال ليبيا
تشهد معاناة العمال في ليبيا تصاعداً ملحوظاً، في ظل تأخر صرف الرواتب في مختلف القطاعات الحكومية، بالإضافة إلى التكدس الوظيفي، وغياب التخطيط السليم للاحتياجات والتخصصات، مما أدى إلى إيقاف عدد من الموظفين عن العمل، حسب ما أكده رئيس اتحاد عمال ليبيا، عبد السلام التميمي.
وأوضح التميمي لـ"العربي الجديد" أن بعض القطاعات تشهد أوضاعاً متدهورة، مستشهداً بقطاع الطيران، حيث تجري إعادة ترتيب أوضاع لنحو 1634 موظفاً سيُستغنى عن خدماتهم ونقلهم إلى جهات أخرى. كما أشار إلى أن هناك 17 ألف موظف في الشركات المتعثرة، جرى التوصل إلى صيغة لإحالتهم إلى التقاعد، بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 146 لسنة 2025، غير أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، أشار التميمي إلى أن العاملين فيه يعانون من انتهاك حقوقهم واستنزاف جهدهم ووقتهم، مع غياب العقود القانونية في أغلب الأحيان، مؤكداً أن الأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
من جانبه، قال عامل بأحد المصانع الخاصة، حسين البوسيفي، لـ"العربي الجديد" إن العمال يُجبرون على العمل لساعات أطول من الدوام الرسمي، ويُطلب منهم أحياناً العمل ليلاً دون احتساب أجر إضافي، مضيفاً: "إن لم يعجبك الوضع، يمكنك ترك العمل"، في إشارة إلى سوء معاملة أصحاب الأعمال للعمال.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد المحلل الاقتصادي طارق الصرمان أن الفوضى الأمنية والانقسام السياسي أثرا بشكل بالغ على أوضاع العمال في ليبيا، مشدداً على أن حماية حقوق العمال تتطلب استقراراً سياسياً في خطوة أولى.
وأشار إلى أن أزمة تأخر صرف الرواتب تطاول نحو 2.5 مليون موظف حكومي، معتبراً أن تعطيل الأجور لم يعد مرتبطاً بالإجراءات الإدارية الاعتيادية فقط.
وفي ظل هذه الأزمة، تتواصل حالة الانقسام بين اتحادات العمال في ليبيا، حيث يوجد اتحادان متنافسان، أحدهما في طرابلس والآخر في بنغازي، ولكل منهما نشاطات ومقرات وفروع في مختلف أنحاء البلاد، مما زاد من تعقيد المشهد العمالي.
يقول جبريل الفقهي، الذي يعمل حارساً في مصنع متوقف عن الإنتاج منذ سنوات، لـ"العربي الجديد": أجلس طوال النهار على كرسي مهترئ أمام بوابة فارغة، لا رواتب ثابتة، ولا أحد يسأل عنّا. لم أعد أحلم بشيء، فقط أريد أن أعيش بكرامة، بينما تروي خديجة عريبي (55 عاماً)، عاملة نظافة في إحدى المؤسسات العامة: "أعمل 12 ساعة يومياً، وأتقاضى أجراً لا يكفي لشراء الدواء لابنتي المريضة. في كل مرة أطلب زيادة، يقال لي: الشارع مليء بمن يحلم بمكانك".
وقالت لـ"العربي الجديد": هكذا، في يوم عيد العمال، يحلم عمال ليبيا بعيدٍ لا يكون فيه الاحتفال مجرد كلمات، بل بداية لاستعادة حقوق طال انتظارها.
وقدّرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" مطلع العام الحالي ارتفاع معدلات البطالة في ليبيا، التي تؤكد أن نحو 20% من مواطنيها عاطلون عن العمل.