الجنيه المصري يتراجع.. اتجاه معاكس للتفاؤل بوقف الحرب وانتعاش قناة السويس

13 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 17:59 (توقيت القدس)
متجر حلويات في حي السيدة زينب بالقاهرة، 3 سبتمبر 2025 (أحمد مسعد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد سعر الدولار ارتفاعًا ملحوظًا مقابل الجنيه المصري، حيث تراجع الجنيه بحوالي 65 قرشًا خلال يومين، مما يعكس المخاطر الاقتصادية المتراكمة رغم التفاؤل السابق بوقف العدوان الإسرائيلي واستعادة حركة قناة السويس.

- يواجه الجنيه ضغوطًا بسبب التوترات التجارية العالمية والسياسات الاقتصادية المحلية، مثل ضخ السيولة وتزايد العجز التجاري، مما يزيد من المخاطر إذا لم تُعزز الإنتاج والتصدير.

- استمرار ارتفاع الدولار قد يؤثر سلبًا على جاذبية الاستثمار الأجنبي، ويُنصح بإصلاحات هيكلية لتعزيز التنمية، بينما تستنزف مدفوعات الديون الخارجية الاحتياطيات الدولارية.

عاد سعر الدولار للارتفاع، اليوم الاثنين، في البنوك مقابل الجنيه المصري ليُنهي بذلك أسابيع من المكاسب المتتالية للعملة المصرية، مسجلاً تراجعًا للجنيه بحوالي 65 قرشًا في المتوسط، خلال يومين. بلغ سعر الدولار 47.81 جنيها للشراء و47.95 جنيها للبيع في البنك المركزي المصري. وقد سُجِّل انخفاض ملحوظ للجنيه بنحو 30 قرشًا في البنوك العامة والخاصة، ومتوسط البيع في السوق الموازية.

ويعكس الصعود المفاجئ لسعر الدولار اتجاهًا معاكسًا لحالة التفاؤل التي سادت في الفترة الأخيرة، والمرتبطة بآمال وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، واستعادة حركة قناة السويس بكامل طاقتها، وانتعاش أمل الحكومة في تعافي الاقتصاد وتعويض خسائر العام الماضي.

الجنيه المصري تحت ضغوط

وفقًا لمحللين ماليين ومراكز بحثية متخصصة، فإن المؤشرات الاقتصادية والمالية التي ظهرت مؤخرًا تبين أن حالة التفاؤل التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزراء المالية والتخطيط والاستثمار خلال الأيام الماضية، بُنيت على أسس هشة أمام الضغوط الهيكلية والمزمنة في الاقتصاد، وأن الدولار عاد ليعكس حالة الحذر والمخاطر المتراكمة.

وأوضح محللون أنه بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لا تزال الأسواق العالمية متأثرة بالتوتر السائد في العلاقات بين القوى العظمى، خاصة التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ما أدى إلى استعادة الدولار في الأسواق الدولية قوته نسبيًا في بعض الجلسات، وانعكس ذلك على الأسواق الناشئة ومنها مصر.

بهذا الخصوص، فسّر خبير الاستثمار والتمويل وائل النحاس، عودة الدولار للصعود بأن الجنيه المصري قد يشهد "هبوطًا ناعمًا" أمام الدولار في ظل التقلبات الطبيعية للسوق، مبينًا أن أي ارتفاع للدولار في هذه المرحلة لا يعني انهيارًا، بل هو تعديل طبيعي ضمن إطار العرض والطلب. وقال النحاس لـ "العربي الجديد" إن حجم الجرعة الإنتاجية والتدفقات قصيرة الأجل من "الأموال الساخنة"، التي بلغت نحو 42 مليار دولار، قد تؤثر على السعر على المدى القصير، لكنها ليست دليلًا على تراجع في الأداء الاقتصادي الحقيقي.

أخطار الديون والعجز التجاري

حذّر النحاس من أن سياسات ضخ السيولة أو التراكم غير المدروس للدين العام يمكن أن تثير المخاطر على الجنيه المصري إذا لم تترافق مع تعزيز الإنتاج والتصدير وتثبيت الموارد الدولارية. وبين أنه على الرغم من أن التحويلات الخارجية والسياحة قد سجلت أرقامًا قوية في الأشهر الأخيرة، فإنها تبقى موارد متقلبة وغير كافية لوحدها للحفاظ على استقرار سعر الصرف في ظل العجز التجاري الضخم وتزايد التزامات الديون.

كذلك أشار النحاس إلى أن التأثير السلبي لتصاعد الديون وتوسع العجز التجاري غير النفطي إلى نحو 37.1 مليار دولار، مع زيادة واردات السلع الوسيطة (مثل القمح وقطع الغيار)، وتضاعف عجز التجارة النفطية إلى 13.9 مليار دولار، وتراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 45.5% في 2024/ 2025، وتباطؤ الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 12.2 مليار دولار فقط، وضعف تدفقات المحفظة المالية إلى 1.6 مليار دولار، وزيادة صافي سداد الديون الخارجية إلى 3.5 مليارات دولار، هي جميعًا مؤشرات تفصح عن انخفاض المعروض الدولاري المتاح للاقتصاد، وضغط متزايد على الجنيه.

كما يبدي محللون مخاوف من التأثير السلبي على الاستثمار الأجنبي والمخاطر المترتبة على استمرار ارتفاع الدولار، الذي يقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي في أدوات الدين الحكومية أو المشاريع طويلة الأجل، خاصة إذا واصل الجنيه تراجعه أمام الدولار والعملات الرئيسية، مما قد يشكل حلقة مفرغة بين ضعف الجنيه وتراجع الاستثمارات. ويتوقع الخبراء أن أسعار الذهب قد تستمر في الارتفاع محليًا، خصوصًا إذا ازداد الطلب عليه بوصفه ملاذاً آمناً مقابل الجنيه.

إصلاح هيكلي شامل

يُشدد النحاس على أنه عندما يتجاوز الطلب على الدولار المعروضَ بسبب الواردات الضخمة، وارتفاع الالتزامات، وتضاؤل الاستثمارات، فإن الجنيه يواجه مخاطرة الهبوط، حتى لو استمرت بعض العوامل التفاؤلية التي ترددها الحكومة، والتي تتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي فقط، دون حدوث إصلاح هيكلي شامل للاقتصاد يستهدف التنمية وزيادة معدلات النمو والتشغيل وخفض معدلات التضخم.

ويُبين أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، محمد البنا، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الأيام الأخيرة أكدت أن التفاؤل با49 و51 جنيهًا في الأشهر المقبلة، مع احتمال أن يتجاوز ذلك في ظروف اضطرابية. وذكّر بأن الجنيه قد يشهد فترات استقرار مؤقتة إذا نجحت الحكومة في تجديد قروض دولية مع الدائنين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، أو جذب استثمارات كبيرة.

ضغوط الديون الخارجية

وفقًا للمحلين، تستنزف الزيادة في مدفوعات الديون الخارجية التي فاقت 162 مليار دولار، واستمرار سداد قروض متوسطة وطويلة الأجل بقيمة تصل إلى 24 مليار دولار عام 2026، الاحتياطيات الدولارية، التي بلغت وفقًا للبنك المركزي 49.5 مليار دولار نهاية سبتمبر/ أيلول 2025، مما يُشكل ضغطًا مستمرًا على البنك المركزي لتأمين الدولار. في الوقت نفسه، يعكس سلوك المستثمرين في أدوات الدين والأسواق المالية قلقًا من أي انعكاس للتوقعات من خروج جزئي للأموال الساخنة أو تباطؤها، الأمر الذي قد يؤدي إلى فجوة في السيولة الدولارية، ويدفع الدولار للصعود جزئيًا.

وفي تصريحات صحافية، أشار رئيس البحوث في شركة "الأهلي فاروس"، هاني جنينة، إلى أن الانخفاض الحاد في الأسهم الأميركية يوم الجمعة الماضية، وهبوط الأصول عالية المخاطر، دفع المستثمرين إلى إعادة التمركز نحو الدولار، مما تسبب في ضغط تصاعدي على العملات الناشئة، ومنها الجنيه. ويشير خبراء إلى أن الذهب كملاذ محلي في مصر، يتحرك غالبًا في نفس اتجاه الدولار، أي عندما يرتفع الدولار، يرتفع الذهب بالجنيه، وذلك لأن أسعار الذهب المحلية تُحسب بضرب السعر العالمي في سعر الدولار المحلي، فأي زيادة في الدولار تضخم سعر المعدن الأصفر فورًا.